مصنع إسمنت جبل السراج، يسرج معه الآمال
بين سلسة هضاب وجبال وأراضٍ غَنّاء، تحتضن مديرية (جبل السراج) بولاية بروان، ناحية الشمال من العاصمة كابل، مصنع الإسمنت المعروف باسمها؛ مصنع إسمنت جبل السراج.
يبلغ عمر المصنع حوالي 6 عقود ونصف، حيث تم إنشاؤه في عام 1958م، بتكلفة بلغت 40 مليون أفغاني، على مساحة إجمالية بلغت 2000 فدان، وبطاقة إنتاجية بلغت -آنذاك- 100 طن يومياً. ويتكون من مرافق عدة؛ منها: استراحة للضيوف، ومساكن للمهندسين والفنيين، ومسجد، ومستشفى.
توقف عمل المصنع بعد العدوان الأمريكي على البلاد عام 2001م. واستمر هذا التوقف عشرين عاماً، حتى أتت الإمارة الإسلامية بعد تحرير البلاد، ممثلة بوزارة البترول والمعادن، وأعادت افتتاحه -بفضل الله- من جديد.
أوضاع المصنع في عهد حكومة الاحتلال:
كانت أوضاع المصنع في عهد الحكومة التي فرضها الاحتلال على البلاد؛ مزرية للغاية. فنتيجة للفساد المستشري في أركان تلك الحكومة؛ تحوّل المصنع إلى مكب لنفايات المديرية بأكملها، وإلى مسلخ للجزّارين لذبح المواشي، مما تسبب في انتشار كثير من الأوبئة والأمراض بين المواطنين في المديرية.
كان المصنع -في عهد تلك الحكومة- وجهة مثالية للصوص لسرقة المواد الخام وألواح الحديد وأعمدة المباني وملحقاتها. ومن مظاهر الاستهتار؛ أنه تم إيجار أحد مباني المصنع على إحدى إذاعات الأغاني المموّلة من قبل الاحتلال.
أما واجهة المصنع، فقد سطا عليها أحد المتنفذين ليبني عليها دكاكين وأكشاك بغرض التربح والتجارة.
أما استراحة الضيوف في المصنع، فكانت من نصيب إحدى ذوات السلطة، إذ استولت عليها وجعلت منها منزلاً صيفياً خاصاً بها.
أما المسجد، فلشدة الإهمال، كان مأوى لمدمني المخدرات وللكلاب الضالة. ليس ذلك فحسب، بل تم إبرام عقود إيجار وهمية للمسجد كموقع لإحدى المنظمات حينئذ.
وأما المستشفى والمساكن المخصصة لموظفي المصنع، فاستولى عليها بعض المتجاوزين والمتسولين.
أوضاع المصنع بعد عودة الإمارة الإسلامية:
بعد تحرير البلاد وتولي الإمارة الإسلامية مقاليد الحكم؛ بذلت الإمارة جهودها بكافة الإمكانات المتاحة لإعادة المصانع المعطلة والتي توقّفت إثر احتلال البلاد، إلى ميدان العمل من جديد، وكان من بين هذه المصانع؛ مصنع الإسمنت بجبل السراج.
فبعد تفعيل المصنع وإعادته إلى نطاق العمل، كان إنتاجه -في مرحلته الأولية- 20 طناً في اليوم، ثم تمت مضاعفة الإنتاج لتصل إلى 90 طناً في اليوم (1100 كيس من الأسمنت).
واتخذت إدارة المصنع الجديدة إجراءات تصحيحية وتطويرية ملحوظة لنفض ركام الإهمال والتقصير عن المصنع ومرافقه. وكان من أبرز هذه الإجراءات ما يلي:
– صيانة آلات المصنع ومعداته. والالتزام بصرف رواتب موظفيه في الموعد المحدد دون تأخير.
– بناء جدار محيطي؛ لمنع إلقاء النفايات في أرض المصنع أو استخدامها من قبل الجزارين لذبح مواشيهم. الأمر الذي قضى على هذه المشكلة جذرياً، والحمدلله.
– استعادة المواقع والمرافق التي اغتصبها متنفذوا الحكومة السابقة، إلى المصنع.
– إعادة إعمار المسجد من جديد والاهتمام به، ليكون وجهة للعاملين في المصنع وللمواطنين من سكان المديرية، على حد سواء.
– تحسين بيئة العمل وتوفير بعض الخدمات التي لم تكن متوفرة للموظفين من قبل، مثل: بناء أماكن الاستراحة والحمامات، وتجهيز قسم للطوارئ الصحية.
– ولترشيد نفقات المصنع؛ تم دمج 16 مكتباً في 3 مكاتب كبيرة، ودمج كافة الإدارات المالية في مكتب واحد، ودمج مكاتب إدارة خدمات المراجعين في مكتب واحد؛ للتسهيل على العملاء والمراجعين.
– تشجير المساحات الخالية في الأراضي المحيطة بالمصنع، حيث تمت زراعة 10 آلاف شجرة مثمرة وغير مثمرة لتكون إحدى مصادر دخل المصنع في المستقبل. كما تمت زراعة 3 آلاف شجرة أخرى، لتكون حديقة جديدة للمصنع.
وفي سبيل التطوير والتحديث؛ تعاقدت وزارة البترول والمعادن لإنشاء مصنع حديث للإسمنت، بنفس المديرية -مديرية جبل السراج-، على أحدث المعايير الدولية، وبتكلفة مالية تبلغ 200 مليون دولار، وستكون طاقته الإنتاجية -بإذن الله- 5000 طن من الإسمنت يومياً، مما سيساهم في تغطية الاحتياجات المحلية للبلاد، بإذن الله.
إن الشاهد على أحوال مصنع جبل السراج -كأداة قياس لا حصر- في عهد الحكومة الاحتلال وفي عهد حكومة الإمارة الإسلامية، ليوقن بأن الأوطان لا يزهر وجهها ولا تشرق شمسها إلا بأيدي أبنائها الحقيقيين الأصلاء، لا المُستأجرين الدخلاء.