مضى العامان والبلاد في أمن وأمان
صادق رحمتي
إنّ كثيرًا من النّاس، في الداخل والخارج، کانوا يتوقّعون سقوط الإمارة الاسلامية، في شهر أو شهرين، متحدثین عن زوالها في مدة يسيرة، محددين لزوالها وقتا حسب تحليلاتهم ومحاسباتهم، ما جعل الشعب الأفغاني في قلق واضطراب وانزعاج، وجعله يتطلع إلى المستقبل بالشك والارتياب، مخيمًا عليه اليأس والقنوط والاستيئاس، وأظلم عليه الدنيا وضاقت به الأرض بما رحبت.
ولكنّ الإمارة الإسلامية باتخاذ التدابير اللازمة، وبرحمة تتدفق من عمق فهم ديني، وبحنكة وحكمة بالغة قد أمکنت التغلّب بشكل كبير على الصعوبات السياسیة، والتضييقات الاقتصادية، والأزمات الأمنية، التي تعترض البلاد بأكملها، وأطفأت ما أوقده الأعداء من نار الفتنة والبلبلة والتشوش، وبدأت تبهرهم بإنجازاتها في كافة المجالات، في السياسة والاقتصاد والدبلوماسية، والتعامل مع الشعب، والشفافية في الإدارة والخدمة، في أقل زمن وأقصر مدّة.
ولایخفى على من ينظر إلى الأمور نظرة الإنسان المنصف، أنّ الإمارة الإسلامية منذ توليها مفاتيح حكم البلاد، وحّدت الشعب، وجمعت شمله، وخلّصته من التفرق والتشتت والتشبث بالأجانب، وبعد أربعين سنة جعلت أفغانستان لأول مرة تحت حكومة مركزية مستقلة بعد أن كانت منقسمة بين مختلف الفصائل والتيارات بحسب القومیة دون الكفاءة والصلاحية.
لقد ركّزت الإمارة الإسلامية، منذ اللحظة الأولى، بكل وسعها على مبتغى الشعب وضالته، من استقرار الأمن الشامل في البلاد، ووقفت نفسها لتلبية احتياجاته، والعمل على تحقيق آماله، في العيش في سلام وأمان واستقرار، ووضعت جميع ما في وسعها في طبق الإخلاص، وقدمت قصارى جهودها في الخدمة وبثّ العدالة والرفاهية قدر الإمكان في هذه المدة القصيرة، وفاءً بالعهد وتقديما إلى الشعب المؤمن الغيور، كما أنها نفخت فيه الشعور بالاستقلال، والوعي بالمصير من جديد، وأحيت فيه الأمل والعمل والتحرك والمغامرة، وألهمت إليه بأنها شعب يستحق العزة والكرامة في مصيره واقتصاده ودينه وعقيدته.
وإلی جانب جهودها في مجال الأمن والاستقرار، تحرّكت بنشاط كبير على الساحة الدبلوماسية، وطاولة المفاوضات مع دول أخرى، سعيا إلى تخفيف آثار الفقر، وتخفيض آلام الشعب، وتوفير فرصة العمل، وإزالة البطالة التي ورثتها من الحكومة السابقه، بجذب الاستثمار والتمويل مع توثيق روابطها بدول الجوار ودول أخرى في العالم وخفض التوتر معها.
وفي نفس الوقت، قامت بتحريك عجلة الاقتصاد، بمتابعتها المشروعات الكبرى الوطنية، التي احتاجت إليها البلاد، والتي مازالت راكدة، منذ أربعين سنة للتنمية الاقتصادية، وتوفير مزيد من الخدمات والحياة الكريمة للشعب، ونهضت بتشغيل المصانع الراكدة، والدعم المالي لأصحاب المشروعات، وتمكّنت من توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي، ومکافحة المخدّرات، وتسعير البضائع ودعم الزراعة، ومنح الحوافز والتسهيلات، رغم المقاطعة الدولية الشاملة لها ورغم جميع العوائق والعراقيل، وأثبتت عمليا أنها تريد لشعبها الأمن والسلام والعزة والثروة في إطار الأصول الاسلامية المترقية، وقطعت أشواطا كبيرة في هذه الأرضية وغيرت وجه الحياة على أرض أفغانستان.
ولا يُنكر سعيها في استرداد حق الشعب والأجيال القادمة، وفي الحفاظ على أراضي الدولة التي وزّعت بين رجال الجمهورية، وتوفير فرص العمل، وتطبيق القانون بكل حسم وحزم.
وحسب كثير من تقارير المنظمات الدولية المختلفة حققت الإمارة الإسلامية المثل الأعلى والحظ الأوفر، في كثير من المجالات المذكورة.
إضافة إلى ذلك، أنها أعلنت منذ أن سيطرت على البلاد أن كل خطوة تصب في مصلحة الشعب وتعود عليه بالنفع والازدهار، فهي محط ترحيب واهتمام، وأن الأبواب مفتوحة على مصراعيها لكل من يحب الوطن، ويهمه تقدمه وعمرانه وبنائه، وأن الطرق ممهدة، في كافة القطاعات من التجارة والزراعة والصناعة. بيد أن الاعداء قديمًا وحديثًا، يسعون في نبش الدفائن، واستخراج الضغائن، والبحث عن الأحقاد والنزاعات، وينفخون في العصبية والطائفية التي كانت نقطة مظلمة في تاريخ أفغانستان المعاصر، والتي يستخدمها أعداء الشعب الداخليين والخارجيين لخلق الأزمات وإثارة الفتن والحروب الأهلية الجديدة أو للإخلال بالنسيج الاجتماعي، سعيًا إلى إخفاء الجرائم المختلفة التي ارتكبوها بشأن الشعب، وفتح باب جديد للتسلل والتدخل في الأمور الجارية في البلاد.
و لاننسى أن كل هذه الإنجازات تأتي في حين أن أفغانستان قبل حكم الإمارة الإسلامية كانت محلا للخلافات القومية، والمعارك السياسية، والتصفيات الطائفية، وعمّت فيها المنكرات، وفشت الخيانة، وارتفعت الحسبة، وديست الكرامة والعزة، وهدّمت القيم والثوابت، فصار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، واختلط الحابل بالنابل.
وقد ملئت فسادًا من النّهب والرشاء والظلم والابتزاز وأكل الأموال بالباطل، وانكسرت شوكتها، وتكدر صفاؤها تحت الاحتلال الأمريكي وحلفائه المتعاونين معه في الداخل والخارج، بالإضافة إلى تدخل بعض البلاد المجاورة من حين لآخر.
فهل تُنسى محاولاتهم وتطاولهم بأرضنا وعرضنا، من القمع والاعتقال والإعدام، وهدم المساكن على رؤوس الأطفال والنساء والمشايخ، وحركاتهم المشؤومة الشيطانية التي سببت آثارًا مأساوية في البلاد برمّتها.
هل يمكن أن نغفل عن تعرض أبناء الشعب لأنواع التعذيب والتنكيل والضرب والشتائم، والتي كانت تعتبر لديهم من المهام اليومية؟
من الذي ينسى الليالي في الحكومة السابقه؟ دوي الانفجارات وأصوات أنواع الأسلحة، وهزيز المسيّرات التي تكسر هدوء الليل وسكون المنام واستقرار المقام. كم من الليالي نام في أولها إخواننا ونساءنا وأطفالنا وفي آخرها أخرجت أجسادهم من تحت التراب.
إن الأمن الذي ساد البلاد في العامين الماضيين شرقًا وغربًا، جنوبًا وشمالا، قلما تجد نظيره في أفغانستان، منذ احتلال الاتحاد السوفيیتي، والذي أمسى للشعب أمنية وبغية يتطلع إليها كل يوم.
وهذا لاشك يعود إلى إخلاص مسؤولي الإمارة الاسلامية وإلى جهودهم المتواصلة، على رغم جميع التضييقات والضغوط التي حُمّلت على البلاد عقب انسحاب قوات الاحتلال، وخروج بعض التجار والمستثمرين خوفا من وقوع الحرب.
وقد قام مسؤولوا الإمارة الإسلامية قومة رجل واحد لقمع الفساد وإلغاء الامتيازات غیرالمشروعة لبعض الأشخاص أو الجهات، ونهضوا نهضة واحدة نحو مستقبل أفضل وغد آتٍ مشرق.
وهاهي الإمارة الاسلامية، رغم كل التهديدات والتحذيرات، تسير مسيرها المحدّد خطوة فخطوة، لتغير مجرى التاريخ، بل لتكتبه من جديد في ضوء الأصول الإسلامية والضوابط الإنسانية، وتواصل جهودها دون توقف وانقطاع، ملتزمة بالشفافية في جميع الشؤون، مديرة دفّة الحكم على ضوء القرآن والسنة، ولا تخاف في ذلك لومة لائم.
وستبقى شامخة بإذن الله في مواجهة الظلم والفساد والفوضى، وصامدة كالجبل الراسخ تجاه أي حركة هدامة وأي محاولة فاشلة تستهدف الشعب والوطن، وتستهدف حياته وعزته وكرامته، وتنال من هذا الوطن الغالي.
نعم، هناك مشكلات وتحديات لا تـــزال قائمة في مجالات مختلفة، وصعوبات ومآزق لا تزال موجودة، وقد لحقت بالبلاد أزمات كبرى وصراعات لعقود، بالإضافة إلى الجفاف الحاد، والكوارث المرتبطة بالمناخ، والنزوح، والنقص في الخدمات الصحية وحتى الخدمات العامة، وأضف إلى ذلك آثار الاستعمار والاحتلال والتدخلات الخارجية.
لقد انسحبت قوات الاحتلال، وأورث البلاد تحديات عديدة، كما هو شأن كل عدو محتل يترك وراءه مشاكل كبيرة لا يمكن حلها في مدة يسيرة، خاصة إذا انسحب العدوّ عن ساحة القتال دون الانسحاب فكريًا وثقافيًا، فقد خرجت قوات الاحتلال معقبة وراءها الخراب والدمار والفوضى.
نحن نعيش الآن مرحلة فارقة من عمر البلاد تقتضي ضرورة الوعي بمتطلبات وظروف هذه المرحلة الخطيرة، وتقتضي من الجميع أن يكونوا يدًا واحدة لمواجهة هذه التحديات بتبصير. ودور الشعب بجميع أطيافه في هذه المرحلة دورٌ مهم ومحوري لا يمكن تجاهله. فعلیه أن يساهم بكل مكوناته لإخراج البلاد من الضيق، فالدول تقوم بسواعد أبنائها وعلى أكتاف جدهم واجتهادهم.
نحن اليوم نحتاج إلى التضامن والتكاتف أكثر من أي وقت آخر في تاريخ أفغانستان، فإن المصير في أيدينا، والبلاد تحت حكم أبناء شعبنا، والعدوّ وأعوانه غادروا البلاد، وهي اليوم تفتقر إلى العمران والبناء والتنمية والابتكار والإبداع، ولا يمكن بناء الوطن إلا بأيدي أبنائه وشبابه، الذين يحترقون لأجله، ويفتدونه بأنفسهم وأموالهم لنيل عزته وكرامته.
إن لبلادنا العديد من المقوّمات التي تجعل منها بلادًا فريدة من نوعها، منها موقعها الجغرافي المناسب؛ وهي أنها تربط شرق قارة آسيا بغربها، ولديها من الخيرات ما يضمن استقلالها وعزتها في شتى المجالات، أهمها الثروات الطبيعية كالغاز الطبيعي والفحم والحديد عالي الجودة، كما يعتقد أن البترول موجود بكميات كبيرة في مختلف أنحاء البلاد، وما يجعلنا متفائلين بذلك هو أنّ شعبنا شعب فعّال ذو نشاط وعمل واجتهاد، بريء من التهاون والتكاسل، الأمر الذي يهيء للإمارة الاسلامية فرص النجاح وإبهار العالم والتأثير في مستقل البلاد. وستكون أفغانستان -بإذن الله- خلال السنوات القادمة الشعلة المضيئة في الاقتصاد الإقليمي والعالمي، وذلك ممكن بإذن الله ثم بتعاون الشعب الواعي المتیقظ.
إن رياح العزة والكرامة اليوم قد هبّت على البلاد، وجعلتها تقف على قدميها، وسادها الأمن والأمان، وتوفرت الساحات للدأب والعمل، وتمهدت الطرق للجميع لانتهاز الفرص الجاهزة مع الصبر والاستقامة والصمود والمصابرة والمجاهدة والمزاولة. والشكر لله على هذه النعمة الجليلة، فلايمكن الوصول إلى جميع المطالب والأهداف في عام أو عامين، بل يتحقق هذا الأمر بالتأني والتمهل مع الدأب والعمل.
وختامًا استحضر أبيات سيدنا علي كرمه الله وجهه، فإن فيها حوافز وبواعث لمن يقصد طريق النشاط والعمل:
إذا هَبَّت رِياحُك فاغتَنمِهَا فإن لكلِّ خَافِقَة سُكونُ
ولا تَغفَل عن الإحسانِ فيها فما تدري السُّكونُ متى يكون
وَإِن دَرَّت نِياقُكَ فَاِحتَلِبها فَما تَدري الفَصيلُ لِمَن يَكونُ
إِذا ظَفِرَت يَداكَ فَلا تقصِّر فَإِنَّ الدَهرَ عادَتَهُ يَخونُ