مقالات الأعداد السابقة

معالم في طريق الدعوة: فضل الدعوة والدعاة (1)

محمد بن عبدالله الحصم

 

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد: فإخواني القراء الكرام نظرًا لأهمية تحقيق الأمن المجتمعي، لإيجاد مجتمع متآلف سالم من الفساد، ولن يكون هذا إلا بتكاتف جميع أفراده لنشر الفضيلة، ومحاربة الرذيلة، وذلك بأن يحمل الجميع هم صلاحه، وهذه مسؤولية الجميع في المجتمع المسلم كفرض كفائي بالأمر بالمعروف وحث الناس عليه، والنهي عن المنكر وزجرهم عنه، يستوي في ذلك الحكام والمحكومين، وإن كانت المسؤولية على والعلماء والحكام أكبر من غيرهم، لأنّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

فمن هذا المنطلق سوف نبدأ بهذه السلسلة المباركة بعنوان معالم في طريق الدعوة، نتناول فيها الكثير من مباحث علم الدعوة، كفضلها وفضل القائمين بها، وخصائص الدعوة الإسلامية، ووسائلها بين الحل والحرمة، والآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الدعاة، وبعض قواعد الاحتساب، والتعامل مع المخالف فنقول وبالله التوفيق، في أول موضوع بعنوان: “فضل الدعوة والدعاة”:

المقصود بالدعوة إلى الله: تعريف الناس بالدين الحق وحثهم عليه، والمقصود بالدعاة: أولئك الذين يعرّفون الناس بالدين الحق ويحثونهم عليه، ويأمرونهم بالتمسك به، وتصديق أخباره، والعمل بشرائعه، وينهونهم عمّا يخالف ذلك.

وهذه هي مهمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولهذا كان الله جل جلاله يجتبي لها خيرته من خلقه، ليبلغوا عنه دينه، ويقيموا في الناس شرعه، فرأس الدعاة هم الأنبياء على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم، ثم يليهم من سلك سبيلهم من الدعاة إلى الله على بصيرة، كما قال الله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).

والدعوة إلى الله شأنها عظيم وفضلها كبير، فبالإضافة إلى كونها مهمة الأنبياء، فموضوعها خير المواضيع، وثمارها خير الثمار، قال تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)، وهذا يدل على أن الدعوة إلى الله أشرف الأعمال وخيرها، وأن الدعاة إلى الله خير الناس وأحسنهم، فلا أحد أفضل منهم بضاعة، ولا أحسن منهم قيلا وكلاما.

ومن الأدلة على فضل الدعوة والدعاة قوله تعالى في كتابه العزيز: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، فدلت الآية على فضل الدعوة إلى الله لكونها سبيل الفلاح، ودلت على فضل الدعاة لكونها حصرت الفلاح فيهم، وهذا الحصر مستفاد من قوله: (وأولئك هم المفلحون)، ومع أن المؤمنين مفلحون جميعا الدعاة وغيرهم، فمفهوم الحصر هنا أن الفلاح المطلق لا يكون إلا للدعاة إلى الله، وأما مطلق الفلاح فيكون لكل المؤمنين، أو بعبارة أخرى نقول أن الدعاة إلى الله هم المفلحون على سبيل الكمال والتمام.

ومن السنة ما جاء في الصحيحين من حديث سهل بن سعد في قصة فتح خيبر في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم).

وحمر النعم هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب ويضربون به المثل لفضل الشيء ونفاسته.

ومن الأحاديث في فضل الدعوة ما رواه مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل ‌أجور ‌من ‌تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا).

وللدعوة أهمية عظمى، لأن خلو المجتمع من المصلحين الدعاة الذين يأمرون الناس بالمعروف وينهونهم عن المنكر أذان بسخط الله وعقوبته، فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، وإنكم تضعونها في غير موضعها، وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقابه).

فظهور المنكرات أمر يمس أمن المجتمع ويخل بنظامه إن لم تنكر، فإن أنكرت وغيرت بقدر الاستطاعة لم تضر إلا من فعلها.

ومن كل هذه الأدلة نعرف جيداً فضل الدعوة والدعاة، وأهمية وجودهم بيننا، فهم صمام أمان للمجتمع، وأمنة لهم من سخط الله وعقابه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى