معالم في طريق الدعوة (3): خصائص الدعوة الإسلامية [1- الربانية 2- العالمية ]
محمد بن عبدالله الحصم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فإن للدعوة الإسلامية خصائص ليست لغيرها، ميز الله بها الدعوة الإسلامية، فجعلها الدعوة الحق وحدها دون غيرها، وهي كثيرة سنذكر منها عشر خصائص هي الأهم:
■ الخصيصة الأولى: الربانية: وتتضمن أربعة أمور:
الأمر الأول: أنها متصلة بالرب جل وعلا فالإسلام صلة بين العبد وربه، أوصله الله إليه بواسطة عباده المرسلين، فهم مجرد واسطة لا يوصل إلى رضا الله وجنته إلا عن طريقهم، لكن لا تنتهي الدعوة بانتهائهم بل هي باقية ببقاء الله الحي الذي لا يموت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولهذا لما أشيع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد اضطرب المسلمون فبعضهم استمر في القتال، والبعض فرّ إلى المدينة لهول الصدمة، والبعض خر وأسقط في يده فجلس في المعركة وتوقف عن القتال، فعاتب الله هاتين الطائفتين الأخيرتين بهذه الحقيقة وهي أن الإسلام متصل بالله لا ينقطع بموت أحد أبدا حتى لو كان خير الدعاة وإمامهم محمدًا صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا…﴾، وقال أبو بكر الصديق مقالته المعروفة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”.
الأمر الثاني: الكمال والقدسية، فلا خلل في أحكامها، وتحمل الحق التام في العقائد، والعدل المطَّرد في الأحكام، والصدق الكامل في الأخبار، وذلك لأن مصدرها الوحي بنوعيه الكتاب والسنة فالدعوة معصومة الأصل والمصدر.
الأمر الثالث: موافقتها للفطرة الإنسانية، لأن هذه النفوس المدعوَّة خلْقُ اللهِ فهو الذي فطرها، ويعلم ما يصلحها وما يفسدها، لذلك لا يصلح الخلق إلا بها، أما بدونها فهم في جاهلية وظلام.
الأمر الرابع: أنها ملزمة لا يسع الناس تركها لا الدعاة ولا المدعوين، فقد وصف الله المعرضين الغافلين عن هداه بأقبح الصفات، وجعلهم كالأنعام بل هم أضل.
■ الخصيصة الثانية: العالمية: فالدعوة للناس كافة، شاملة عامة، لا تحدها بقعة، ولا يختص بها جنس أو عرق أو لون أو لغة، بل هي للثقلين جميعا، قال تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا﴾، وقال جل وعلا: ﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: “أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي..” الحديث، وذكر منها: “وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة”.
وهذا يفيد أمرين:
1- رحابة الدعوة وانصهار جميع الحضارات فيها، فالداعية يكون من الجميع، ويتوجه للجميع، ويخاطب الجميع مهما اختلفت الأجناس أو الأعراق أو الألوان أو اللغات.
2- تكافؤ الفرص، فأكرم الناس عند الله أتقاهم، وأحبهم إلى الله أكثرهم استجابة للحق ونفعا للخلق، ولذلك وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم عربيا فقد كان الأعاجم أحفظ للسنة، وأبرز حتى في علوم اللغة من العرب أنفسهم، فالفرص متكافئة في الإسلام، فكونك عربيا لا ينفعك، كما كونك أعجميا لا يضرك، فقد رفع الله بهذا الدين بلالا الحبشي وسلمان الفارسي وصهيبا الرومي على أشياخ قريش وسادتها ممن كفر بالله أو تأخر إسلامه قال عليه الصلاة والسلام مؤكدا أن العبرة بالإيمان والتقوى: “مؤمن تقي، وفاجر شقي، والناس بنو آدم وآدم من تراب ” [رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة].
وقال أيضا: “من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه” [رواه مسلم عن أبي هريرة]، وقال أيضا: “إن أنسابكم هذه ليست بمسبة على أحد، كلكم بنو آدم، طف الصاع لم تملؤه، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو تقوى، وكفى بالرجل أن يكون بذيا بخيلا فاحشا”.[رواه أحمد عن عقبة بن عامر].