معركتنا معركة مبادئ
غلام الله الهلمندي
إن هذه المعركة التي تخوضها الإمارة الإسلامية ضد الاحتلال وأعوانه معركة مبدأ، إنها بلا شك ليست مجرد معركة لأجل الملك والسلطان، إنها ليست معركة سلطةٍ وسيطرة. إنها معركة نخوضها لأجل القيم والمبادئ، لأجل الدفاع عن حمى الشريعة الإسلامية، لأجل الدفاع عن أهلنا وأطفالنا ونسائنا وأرضنا وعرضنا وكرامتنا. إنها معركة العقائد والقيم والمثل والأخلاق والإنسانية. إنها معركة شريفة نظيفة مقدسة نخوضها دفاعا عن أمجادنا وأنفتنا، دفاعا عن إسلامنا وقرآننا. إنها معركة المبادئ التي لا تُسجَّل كما العادة انتصاراتها عن طريق الغلبة بالسلاح فقط. مازلنا نقاتل على هذا المبدأ العظيم، لم تتلاش غاياتنا على مر الأيام، ولم تتحول معركتنا من صراع القيم إلى صراع سلطة. معركة القيم والمبادئ والمقدسات أهم معركة في حياتنا، إذا خسرنا -لا سمح الله- القيم والمبادئ والمقدسات فلا قيمة لأي انتصار حققناه ولا قيمة لحياتنا؛ لأجل ذلك بالذات نهتم كثيرا بجنود الصف الآخر، ندعوهم دوما إلى التوبة والعودة والانشقاق من صف العملاء والخونة، ونخطط لذلك بدقة.
على سبيل المثال خلال سنة (2020) فقط انشق (13040) من مقاتلي إدارة كابل وموظفيها من صف الأعداء والتحقوا بالإمارة الإسلامية. تمّ ذلك بفضل الله ثم بفضل جهود لجنة “الدعوة والإرشاد والتجنيد” خاصة، ومساعي جنود الإمارة الإسلامية عامة، فكل أحد منا جندي وداعية في آن واحد؛ جندي يقاتل بالسيف والسنان، وداعية يدعو إلى ربه وإلى السعادة الأبدية بالحجة والبرهان.
وهذا يعني أن الإمارة الإسلامية ليست حركة تحرص على سفك الدماء، وتتعطش للحكم، وتقاتل لأجل الحصول عليه والتمكن منه، وتفكر في الحكم فقط بأي وسيلة كانت. ليس هدف الإمارة الإسلامية الوصول إلى السلطة بأي ثمن كان، لا نسلك كل طريق يوصل إلى السلطة، إذ إن الوصول إلى السلطة ليس غايتنا. نحن نقول بكل صدق وإيمان: “الغاية لا تبرر الوسيلة” هناك قيم ومبادئ لا بد أن تخضع لها الوسائل، ولا بد أن تكون الوسائل مشروعة كما هي الغايات أيضا، فالغاية الصائبة لا بد من تحقيقها بالوسيلة الصائبة. عندنا كل شيء في مكانه الخاص به، الغاية في مكانها والوسيلة في مكانها. إن الإمارة الإسلامية تتأسى بالدعوة النبوية، لا تفكر في قتل أعداءها فقط، وإنما تصر على إحلال السلام عن طريق الحوار أيضا، وتحرص على حقن الدماء، وهذه بلا شك قيمة حضارية تسجّلها الإمارة الإسلامية في تاريخها، أعني “الحوار والصراع معا”.
قال النبي (صلوات الله عليه وسلامه) لعلي (رضي الله عنه) عندما أعطاه راية الحرب في غزوة خيبر: “لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم”، على هذا المبدأ تسير الإمارة الإسلامية نحو الأمام، حيث أن الإمارة الإسلامية لديها إدارة خاصة وهي “لجنة الدعوة والإرشاد والتجنيد” وهذه الإدارة تقوم باستقطاب الجنود من صف العدو إلى صفها. تعتبر الإمارة الإسلامية انخراطَ جنود الإدارة العميلة إلى صفها انتصارا عظيما لها، انتصارا أكبر من انتصارهم في المعارك. والمهم لدى الإمارة أن يهتدي الناس إلى ربهم، أن يهتدوا إلى طريق الجنة، أن ينجوا من النار، أن يخرجوا من ظلمات الطغيان والعبودية إلى نور الإسلام والعدل والحرية، أن ينجوا من أمواج الفتن إلى بر الأمان، هذه رسالتنا المقدسة. فنحن بالتأكيد نأسى على من يهلك في الفسطاط الآخر، ونفرح كل الفرح لمن يصطفيه الله في فسطاط أهل الإيمان بالشهادة في سبيله.
وفي سبيل الوصول إلى السلطة لم ولن نتخلى عن القيم الأخلاقية والإنسانية، ولكن الوصول إلى السلطة في نفس الوقت غاية كبيرة، فإننا نستطيع من خلالها إنقاذ الشعب المضطهد المقهور من بين الدماء والنيران وقيادته إلى بر الأمان، ونستطيع من خلالها تحقيق العدل والمساواة والقضاء على العنصرية والعصبية، ونشر الفضيلة والقيم الإنسانية النبيلة، وتنفيذ أحكام الشرع في الوطن، وهذه غاية عظيمة، فالرضوان الإلهي وتطبيق الشريعة الإسلامية وخدمة الشعب والحفاظ على الحرية واستقلالية البلاد، كل ذلك جزء لا يتجزأ من استراتيجية الإمارة الأسلامية.
إذا كانت غايتنا القصوى -لا قدر الله- الوصول الى السلطة فقط بأي ثمن كان؛ فإننا سنخسر عندئذ السلطة ورضا الشعب والرضوان الإلهي. وعندما يكون همنا الكبير خدمة الإسلام والمسلمين ونصرة الحق والمستضعفين؛ فإننا سنربح ثقة الشعب والسلطة والرضوان الإلهي. إن الطموح إلى السلطة بكافة الوسائل وتجاهل كل ما قاتلنا لأجله من القيم والمبادئ، نعده خيانة لدماء الشهداء وتضحيات المجاهدين، ويشملنا حينئذ قوله تعالى “الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً” (الكهف 104).
إن مصلحة الدولة في وجهة نظرنا لا تبرر اللجوء إلى أي وسيلة متاحة تُحقق ذلك الغرض المنشود، بصرف النظر عن كونها مشروعة في الإسلام أو غير مشروعة، وبصرف النظر عن الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية بما في ذلك العنف والاعتداء على الأبرياء والمدنيين والنساء والأطفال والشيوخ. إن النصر قريب بإذن الله، وها قد بدت تباشيره من كل أفق، ولكن مع ذلك يجب أن نعلم بأن نصرة الحق ليست مقتصرة على معركة السيف والسنان، وإنما لنصرة الحق جبهات أخرى، قد انتصرنا في تلك الجبهات أيضا والحمد لله.