مقیاس الإيمان واستحقاق النّصر
في كل يوم يواجه المسلمون تحديات جديدة وحديثة، ويزداد على مدار الساعة ألمٌ في سلسة آلامنا وأوجاعنا الطويلة. سلسلة المآسي والأحزان والآلام التي خلفتها الكوارث والمدلهمات في البلاد الإسلامية، فلا الجروح تندمل، ولا المآسي تنقص، ولا الشؤون والمآقي تتعبان عن سكب الدموع المنهمرة.
فالناظر إلى أحوال أمتنا اليوم، يفاجئه ما وصلت إليه هذه الأمة، التي كانت فيما مضى حاكمة الأرض، وتكاد تصدق نظرية ابن خلدون (أن لكل أمة دولة وعمراً، ولابد من زوالها مهما تعاظمت)، خاصة وأن أحوال المسلمين اليوم تكاد تؤكد هذه النظرية، ففي كل يوم يزداد ضعف المسلمين وتشرذمهم، وكأنه كتب على هذه الأمة ألا تنفض غبار الذل عنها.
وإننا يا رب لانملك إلا ألسنتنا وأقلامنا، وقد كلّت ألسنتنا وانبرت أقلامنا ونحن نقول ونكتب عن مآسينا وأحزاننا.
يا الله ماذا حلّ بنا حتى وصلنا إلى هذه الحال؟
ماذا جنينا حتى نذوق أفجع الفجائع وأشد الكوارث منذ العقود الموجعة الماضية وحتى الآن، ونرى أفاعيل الاستعمار بأمم الإسلام؟
كيف أصبح المسلمون بعدد الرمال، ثم هم أمم تساق كالبقر سلّمت قيادها للرعاة، ففي كل مملكة قطيع يُستذل ويحتقر؟
أولسنا مسلمين؟
فلماذا لا ينصرنا الله على أعدائنا؟
والجواب على هذا السؤال يورده القرآن بصراحة ووضوح إذ يقول: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} الروم:47. وقال: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}محمد:7.
فهل نحن مؤمنون حقاً؟
وهل نصرنا الله حقاً، حتى ينصرنا ويثبّت أقدامنا؟
إن مقياس الإيمان واستحقاق النصر واضحٌ في قول الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} الحج: 40-41.
فهل أقمنا الصلاة؟ وهل يحضر شبابنا صلاة الفجر مثلما يهجمون على النوادي وكراسي الملاعب لمشاهدة كرة القدم ويسهرون الليالي في بيوتهم لمشاهدة الفضائيات والأفلام الماجنة إلى منتصف الليل؟ فإذا كان حالهم كذا، فقل لي بربك كيف بإمكانهم أن يستيقظوا لصلاة الصبح؟
وهل أدينا الزكاة، وأمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، وجاهدنا في سبيل الله حق جهاده؟
وكيف ينصرنا الله سبحانه وتعالى ونحن لم نطبّق تعاليمه؟
لا يمكن لنا أن نصل إلى الذروة وإلى العزة إلا بعد أن نتخلّص من رسوبات العصر الحديث وتشويهه للإسلام والجهاد والأدب والتاريخ.
إن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، وعند ذلك يقول اليهود كما قالوا من قبل: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}. المائدة:22