ملامح المرحلة النهائية للحرب فى أفغانستان
الفرعون الأمريكى يغرق :
تدور فى أفغانستان حاليا المرحلة النهائية للحرب الجهادية التى يشنها الأفغان على قوات الإحتلال الأمريكى المدعومة بقوات حلف الأطلنطى إضافه إلى شذرات تافهة من قوات دول هامشية من أتراك وعرب وألبان ومجاهيل من أسيا الوسطى .
لقد شنت أمريكا حرباً بشعة ضد شعب مسالم عانى أشد الويلات من عدوان السوفييت إلى أن جاء العدوان الأمريكى الذى فاق…
الفرعون الأمريكى يغرق :
تدور فى أفغانستان حاليا المرحلة النهائية للحرب الجهادية التى يشنها الأفغان على قوات الإحتلال الأمريكى المدعومة بقوات حلف الأطلنطى إضافه إلى شذرات تافهة من قوات دول هامشية من أتراك وعرب وألبان ومجاهيل من أسيا الوسطى .
لقد شنت أمريكا حرباً بشعة ضد شعب مسالم عانى أشد الويلات من عدوان السوفييت إلى أن جاء العدوان الأمريكى الذى فاق كل التصورات ، حتى بدت الحملة السوفيتية على أفغانستان وكأنها بعثه للأعمال الخيرية مع أنها قتلت مليونى أفغانى ولم تسلم قرية واحدة من دمارها. وقد دفنت القوات السوفيتية قبل مغادتها للبلاد أكثر من عشرة ملايين لغم ، حتى قال أحد الجنرالات السوفيت أن الأرض ستظل تحاربهم (أى الأفغان) لمئات السنين القادمة. تلك كانت الهدية السوفيتية لشعب أفغانستان ، أما الهدايا الأمريكية فتفوق الحصر ، وتضمنت أشعاعات وسموم مدمرة للصحة والبيئة والحياة بأنواعا البشرية والنباتية والحيوانية ، وستبقى أثارها الى ربما الى الأبد.
ذلك من ناحية عسكرية أما من الناحية سياسية فلأن أمريكا هى القوة العظمى الوحيدة بعد وفاه توأمها ومنافسها السوفيتى فى أفغانستان ، فقد مكنتها هيمنتها الإقتصادية والسياسية ، إضافة إلى الدعم الإقتصادي والاعلامى والسياسى الذى تقدمه القوة الصهيونية العالمية المستحكمة فى أحشاء معظم الأنظمة والمؤسسات بأنواعها ، والتنظيمات الماسونية ذات الصبغات الدينية والعلمانية والليبرالية ، كل ذلك أتاح لإمبراطورية الدمار والعدوان فى الولايات المتحدة أن تجمع خلفها للحرب على أفغانستان ليس فقط تحالفاً عسكرياً لحوالى خمسين دولة ، بل أيضاً تحالفاً سياسياً لم يكد يستئنى حكومة فى العالم ، مع إنقياد كامل للمؤسسات الدولية خاصة مجلس الأمن الذى تحولى إلى (مجلس حرب) تابع للبنتاجون والبيت الأبيض (الأبغض) الأمريكي.
# حركة طالبان ظلت تحكم خمسة سنوات قبل الغرو الأمريكى وهى فى جهاد دائم من أجل إخماد حرب أهلية مدعومة دولياً وأقليميا بهدف إلغاء دور أفغانستان وتمزيقها حتى لا يظل شعبها عصيا على التبعية فى المستقبل كما كان فى الماضى .
فى أجواء حصار كامل وإنعدام النصير, ورأى عام دولى معاد أو غير مبال , ومناخ إسلامى شعبى يرزح تحت نيران القهر الحكومى وقيادات غير كفؤة/ أو منحرفة وفاسدة أحياناً / تتصور قيادة وتوجيه المسلمين وشبابهم الناشئ ، رأينا الحماس الإسلامى لمساندة الشعب الأفغانى ضد السوفييت وقد أصبح فى حالة الغزو الأمريكى لا مبالاة , بل أن البعض حاول التودد إلى الأمريكيين باحثاً عن رضاهم بإعتبارهم طريقاً إلى سلطة سياسية مطابقة لشروط الأمريكين والإسرائيلين ، شروط قائمة أساساً على الابتعاد عن الإسلام بمفهومه الحقيقى كدين العداله والمساواه والكرامة الإنسانية والقوة ورفض التبعية بكافة أشكالها السياسية والثقافية والإعلامية والعسكرية والأمنية. إختصاراً لقد وافقوا أمريكا على إستبعاد الدين الحقيقى الذى يعنى الإستقلال التام فى كافة مناحى الحياة مع التعاون السلمى المتكافئ مع كل الأمم .
مع التأكيد على أن الطريق إلى سلطة إسلامية حقيقة وغير مزيفة لا يمر عبر موافقة أمريكا وإسرائيل , بل يمكن القول أن قيام سلطة إسلامية حقيقية لن يأتى إلا عبر صراع عنيف ودام مع هاتين القوتين المحاربتين للإنسانية كلها ، والمسلمين بوجه خاص ، كأصحاب حضارة فعالة ومتجددة أبداً. فتلك القوى لا تسمح لأى شعب أو أمه أن تعيش طبقاً لمعتقداتها وإن تتمتع بإستقلالها وثروات بلادها.
# الخدعة الجديدة التى تسعى أمريكا إلى تمريرها على شعب أفغانستان هى إعطاؤه استقلالا شكليا تحت أى شعار ــ حتى ولو كان إسلامياً كما يحدث فى العديد من الدول الأخرى – على أن يظل جوهر التبعية والسيطرة الأمريكية قائماً, وأن يستبدل الإحتلال الأجنبى وجيوش أمريكا والناتو بإحتلال “وطنى” تقودة صفوة موالية لأمريكا وتفرض التبعية على الشعب بقوة الحديد والنار, إما مباشرة بواسطة الجيش والشرطة ، أو غير مباشرة تحت شعار الديمقراطية المزودة بأدوات بطش على رأسها جيش (وطنى) وأجهزة مخابرات ( وطنية) وشرطة (وطنية) . ويبدو أن تلك الوطنية الخائنة والديمقراطية المفترسة هى العهد القادم فى ربيع المسلمين.
هذا الوباء لن يضرب كل بلاد المسلمين وتغرق فيه كل الأمة إلا إذا توقف الأفغان عن المقاومة , أو توقفوا عن فهم وتطبيق الإسلام بشكل الصحيح ، ذلك الإسلام الذى لا يعترف بغير إله واحد فى السماء والأرض, وقوة أعظم واحدة هى قوة الخالق ودستور حياة أوحد هو القرآن .
# إن الشعب الأفغانى تكفل تاريخياً بتهديم الأصنام التى تدعى العظمة والحاكمية على الأرض ، والتى إستعبدت خلق الله وإذلتهم لرغباتها . وهكذا هدم الأفغان الأصنام ، ليس صنم بوذا فقط كما يعتقد البعض , بل هدموا صنم بريطانيا (العظمى) والصنم السوفيتى المرعب الذى إستعبد ملايين البشر وأسال دماءهم أنهاراً . وشعب أفغانستان الآن على وشك الإنتهاء من مهمته الأخيرة بتهديم الصنم الأمريكى البشع الذى يدعى أنه الإله ، والقوة الأعظم الوحيدة فوق الأرض بل وفى أجواء سمائها , لتضاهى قول فرعون لشعبه المقهور : أنا ربكم الأعلى ، وما علمت لكم من إله غيرى ، وما أريكم إلا ما أرى ، أليس لى حكم مصر وهذه الإنهار تجرى من تحتى ؟؟. ذلك الصلف الفرعونى تفوق عليه الصلف الأمريكى . ولكن كما أطبق البحر على فرعون وجنوده, فى معجزة ربانية, نرى الآن معجزة مماثلة بأنطباق أمواج المجاهدين الأفغان على جيوش الأمريكيين المتكبرين الذين علوا فى الأرض وأظهروا فيها الفساد . وسوف تلفظهم قوة المجاهدين خارج تلك الأراضى الطاهرة لتعود إلها ظلال الشريعه الرحيمة التى لا يرضى الأفغان عنها بديلا , لأنهم لم يرضوا بغير الله ربا معبوداً.
:::::::::::::::::
مراحل العدوان ومراحل التحرير :
للحرب مراحلها المختلفة التى تحددها قوة كل طرف مشارك فيها على كلا الجبهتين ، وظروفه العسكرية والسياسية والإقتصادية وحتى النفسية (وهى الأهم رغم عدم التركيز الكافى عليها).
بدأ الأمريكيون حرباً خططوا لها منذ سنوات كى تتم على مرحلتين :
المرحلة الأولى : هى مرحلة الضربة الصاعقه التى تنهى الكيان المادى لعدوهم الرئيسى ” حركة طالبان ” , وتكون تلك الضربة من القوة بحيث تردعهم عن مجرد التفكير مستقبلاً فى المقاومة .
المرحلة الثانية : كان من المفترض أن يترتب على المرحلة الأولى خضوع المجاهدين تماما ، والتسلم بأن قدر شعب أفغانستان هو القبول بالإحتلال , والتجاوب التام مع رغبات المحتلين الأمريكيين كما فعلت قوى إسلامية أخرى داخل أفغانستان وخارجها ، فصاروا بذلك من أقرب الحلفاء وأخلص جنود الفرعون الأمريكى .
بناء دولة التبعية
المحتل الأمريكى بعد إنهاء المرحلة الأولى يتوجه مباشرة نحو بناء “دولة التبعية” فى أفغانستان ، وذلك بإنشاء نظام سياسى محلى يمكن إعتباره إمتداداً عضوياً للإحتلال الخارجى . لهذا أطلق البعض على مثل ذلك النظام إسم الإحتلال الداخلى أو الإحتلال الوطنى ، لأن كلمة وطنى هنا تعطى مفهوماً مضللا بأنه نظام يخدم الوطن بينما هو لا يخدم إلا مصالح المحتل, ومصالح “الحرس المحلى” للإحتلال .
فى أفغانستان / كما فى الدول التى تسلط عليها الأمريكيون / نشاهد حكومة موالية تماماً لِلإحتلال تديرها طبقة سياسية تسير على نفس المنوال ، ويشغل مناصبها العليا والوسطى كبار العملاء والجواسيس والفاسدين والقتلة . كما ونشاهد طبقه (رأسمالية طفيلية) تحرس المصالح الإقتصادية للدولة المحتلة ، وتحافظ على الإقتصاد المحلى ضعيفاً تافها قائماَ على مصادر العون الخارجى من قروض وسياحة وبيع ثروات الدولة للشركات عابرة القارات أو الأفاقين من كل لون وصنف ، وريع المواد الخام مثل النفط والغاز والمعادن والريع الناتج عن بيع فوائد الموقع الجغرافي للدولة ( مثل الممرات المائية الحساسية كقناة السويس وقناة بنما ومضيق هرمز على سبيل المثال) والموانئ البحرية والجوية التى يستفيد منها العدو عسكريا وإقتصاديا لفرض سطوته الكونية ،
وتأجير القواعد العسكرية ومراكز العمل الإستخبارى الكبري ، ثم بيع أصول الدولة وأرض الوطن وثرواته من الأرض القفراء أو الزراعية أو بيع الأصول الصناعية. وذلك قائم على تجريد الإقتصاد المحلى من ركائز الإقتصاد الحقيقى . فالزراعة والصناعة يتكفل بالقضاء عليهما سياسة “الإنفتاح” التى تمنع ظهور أى نشاط زراعى أو صناعى إلا فى إطار تقديم الخدمات للحكومات الغربية ومتطلبات إقتصادها ورفاهية مواطنيها.
كل ذلك الحطام الذى يطلقون عليه نظام ديموقراطى ليبرالى ، توكل حراسته لقوات عسكرية / إستخبارية بناها المستعمر وسلحها ودربها واختار جنرالاتها وأشرف على تحديد عقيدتها العسكرية بحيث لا يكون المحتل هدفا لتلك العقيدة بل يكون الهدف هم أعداء ذلك الإحتلال داخل البلد المنكوب أو خارجه. فتقاتل تلك القوات العسكرية شعبها أو العناصر الرافضة للإستعمار أو تلك ترغب حقا فى نظام بديل خاصة إذا كان نظام إسلامياً.
وما يقال عن جيوش “الإحتلال الوطنى” يقال أيضاً عن الأجهزة القمعية المسلحة مثل المخابرات والشرطة وحتى قوات البلطجية المسجلة كشركات ، أو تلك غير الرسمية ولكنها تعمل تحت إدارة الدولة ، وجميعها ركائز لتثبيت النظام ” الوطنى / الديموقراطى” الجديد .
مع ملاحظة أن كل ذلك ليس ضروريا فى كل الحالات فهناك دولا يكفى للسيطرة على أوضاعتها ومراقبة حكامها ونظامها كله سفارة واحدة ومكتب إستخبارت يعمل بصورة علنيه أو تحت غطاء للتمويه.
مرتزقة من كل صنف
# فى أفغانستان (وقبل ذلك العراق) إتخذ سلاح البلطجة شكلا متطوراً على هيئة شركات أمنية تقدم خدماتها للإحتلال على كافة المستويات، من حماية السفارات إلى حماية الشركات والطرق وحتى المشاركة المباشرة فى العمليات العسكرية.
وهناك العديد من تلك الشركات يشرف عليها سفاحون خدموا الإستعمار السوفيتى سابقاً (مثل عبد الرشيد دوستم) ويخدمون الإستعمار الأمريكى حالياً , سواء بشركاتهم الأمنية التى توظف المجرمين والقتلة ، أو عبر مناصب حكومية رفيعة يشغلونها كما شغل دوستم منصب رئيس الأركان فى “الجيش الوطنى” !!
لم يتوقف الحال على السفاحين المحترفين مثل دوستم الذى كان واضحاً أنه قرر أن يخدم أى قوة إحتلال تطأ أراضى أفغانستان ، من السوفييت إلى الأمريكان ، بل هناك أيضاً من إكتسبوا بالخديعة صفة قادة جهاديين فى مرحلة الغزو السوفييت وقد إنقلبوا الآن إلى أصحاب شركات أمنية تعمل فى العلن أو فى الخفاء لتقديم كافة الخدمات الأمنية والعسكرية والدعم السياسى وحتى الإفتاء الدينى (!!) لصالح الإحتلال الأمريكى . واحد من هؤلاء هو “عبدالرسول سياف” / وهو عمود أساسى ضمن النظام الإحتلالى فى كابل/ ويدعى سياف أن رجاله قادرون على إنهاء جهاد حركة طالبان . وقد قدم سياف عددا من كبار أعوانه ليقودوا العمل الأمنى والتجسسى لصالح الأمريكيين ، وهو الذى كان فى مرحلة الجهاد ضد السوفييت مدعوماً مالياَ ودعائيا بالتنظيم الدولى للإخوان المسلمين ، بل كان من أهم رموز تلك الحركة فى أفغانستان قبل الإنقلاب الشيوعى عام 1978 وحتى اليوم . ومثل سياف كثيرون تساقطت عنهم الأقنعه وظهرت حقيقة ولاءهم للمستعمر الأمريكى الإسرائيلى ولذلك أحاديث أخرى.
كانت تلك لمحة مركزة عن المعالم الأساسية للمرحلة الثانية للإستعمار الأمريكى فى أفغانستان فماذا عن الملامح السياسية لتلك المرحلة؟؟ .
من الواضح أن المحتل الأمريكى أصيب بصدمة عسكرية ونفسية عندما إستجمعت حركة طالبان نفسها من جديد ، ثم بدأت القاومة من نقطة الصفر ، وتمكنت من فعل الكثير جداً فى مجال إستنهاض الشعب الأفغانى بعد صدمة الهزيمة ومصيبة الإحتلال والخيانات العظمى من رموز كانت كبيرة فى الماضى , ومحاولات العدو المستميته لإحياء الفتن بكافة أنواعها واكتساب فئات واسعة من القبائل للعمل معه ضد المجاهدين, وتشوية صورة طالبان بحيث ينصرف الشعب عن الجهاد معهم .
خطوات نحو النصر
لكن قيادة طالبان تخطت كل تلك المحن والعراقيل , وهيأت قاعدة شعبية للجهاد ربما لم يتوفر مثلها أثناء فترة الجهاد ضد السوفييت . تلك الفترة عصفت بوحدة الشعب خلالها قيادات الأحزاب المسماة بالجهادية ، والتى إتضحت هويتها الحقيقية الآن حيث تعمل مع الاحتلال مباشرة . كما إتضحت حقيقتها قبلا أثناء فترة حكم طالبان حيث عملت تلك القيادات والكثير من كبار أعوانها ضد الإمارة الإسلامية ، وإختارت سبيل الحرب الأهلية المدعومة من الخارج بالمال والسلاح والدعاية وحتى بالقرارات الدولية من الأمم المتحدة ومجلس الامن.
بعد الإحتلال الأمريكى تصاعد العمل العسكري الجهادى بالتدريج ، واتخد صورا غير معهودة فى نواحى التكتيك ، بحيث جاء فى معظمة مغايراً لما كان عليه الحال فى الحرب ضد السوفييت , ما عدا بعض المناطق الجبلية التى حافظت بشكل عام على الأسلوب القديم لأنه مازال فعالا . أما فى المناطق المفتحة والسهول الواسعة وقراها المتناثرة , وفى المدن الصغيرة والكبيرة , والعاصمة التى ركز عليها العدو لكونها واجهة النظام التى يخاطب منها العالم ، فقد شهدت جميعا حربا مختلفة بالكامل عما شهدته خلال الحقبة السوفيتية فى أفغانستان .
كان ذلك طبيعاً ولكنه عبقرياً, فقد غير العدو أساليبه فى الإستراتيجية والتكتيك, وكذلك فعلت حركة طالبان وكانت أكثر عبقرية بتراثها الجهادي الممتد لقرون متطاولة تراكمت فيها خبرات ومهارات متوارثة مدعومة بقناعات وعواطف إسلامية هى الأقوى بين الشعوب كافة .
النقطة الأشد سطوعاً هنا هى أن جميع النقاط السلبية التى فرضها المحتل الأمريكى على شعب أفغانستان, قد حولتها قيادة حركة طالبان إلى نقاط قوة فى إستراتيجية عملها على الصعيد العسكرى كما فى الصعيد السياسى . بحيث يمكننا الحديث حول :
ــ فوائد الحصار الإقليمى والدولى .
– فوائد الفجوة التكنولوجية الرهيبة فى التسليح .
ــ فوائد استراتيجية العدو فى إحداث صدمة رعب لدى الأفغان تمنعهم التفكير مستقبلا /مجرد التفكير/ فى المقاومة.
ــ الفوائد العظيمة التى حصلت عليها الحركة الجهادية بقيادة طالبان من الإندفع المغرور للعدو فى انشاء “جيش وطنى”خائن وعميل ، وإنشاء جهاز استخبارات يدمر قدرات الشعب على المقاومة وجهاز شرطة يدعم الجيش والإستخبارات ويكون سوط عذاب يومى يجلد المواطن الأفغانى أينما كان .
ــ وفوائد إدخال التكنولوجيا الحديثة فى الحياة اليومية للطبقة المتعلمة والمثقفة فى أفغانستان ، خاصة الإنترنت والهواتف المحمولة.
ــ فوائد الحرب النفسيه التى شنها العدو على الشعب الأفغانى من أجل تحطيم اعتزازه بدينه وحريته وكرامته الشخصية وتماسكة الإجتماعى والقبلى ، وكيف أن كل تلك الخطوات قد إرتدت على العدو نفسه بأوخم العواقب, وأدت إلى عكس المطلوب منها تماماً ، وسهلت على القيادة الجهادية على رص صفوف الشعب خلف المجاهدين للقتال المستميت ضد العدو . وكان ذلك من أحد أهم الأسباب وراء تتامى “سلاح العمليات الإستشهادية” حتى صارت له أهمية إستراتيجية فى تحديد نتيجة الحرب وليس فقط قيمة تكتيكية لعلاج مشكلات ميدانية محددة.
ــ كذلك كان الأمر بالنسبة لأجهزة القمع المسلح بداية من الجيش “الوطنى” مرورا بالمخابرات والشرطة وصولا إلى شركات الأمن المحلية المكونه من القتله والمجرمين ومطاريد العائلات والقبائل . وقد يصل مجموع كل ذلك الغثاء المسلح نصف مليون شخص ، بتكلفة أجمالية تبلغ ست مليارات دولار سنوياً تدفعها الخزينة الأمريكية ودافع الضرائب هناك .
ذلك التحدى وحدة كان كفيلا بإحباط عزيمة أى حركة مقاومة وأى شعب , ولكن لا يمكن أن يكون ذلك هو حال شعب أفغانستان ولا حركة جهادية تقودها طالبان . فهؤلاء قوم لا يعرفون اليأس وليس فى قاموسهم كلمه إستسلام للعدو المحتل , فذلك من نواقض الإسلام لديهم ، كما أنه نقيض فطرتهم القوية المتوارثة من آلاف السنين.
مجموعة من الحلول العبقرية إتبعتها حركة طالبان لموجهة تلك الوحوش المسلحة التى لا تعرف الرحمة.
إختراق صفوف العدو
= أول تلك الحلول كان إختراق تلك الأجهزة جميعاً بشكل مباشر ، أى بإرسال عناصر وكوادر الحركة والمتعاطفين معها كى يلتحقوا بمختلف رتب تلك التنظيمات . وخلال سنوات قليلة شعرت الحركة بأنى يدها تطال كل مكان ، فيمكنها أن تضرب بقوة بدون أن يتأثر إجمالى تواجدها فى تلك الأجهزة ، مع الحفاظ على تدفق المعلومات الدقيقة من داخلها إلى قيادات الحركة فى الميدان وفى مقار القيادات العليا.
فكانت حربا إستخبارية وحرب عقول إلى جانب كونها حربا عسكرية إعتمدت أقصى درجات الخبرة والفن العسكرى . أو كما وصف أحد جنرالات حلف الناتو عملية طالبان ضد قاعدة “باستيون” الجوية فى هلمند بأنها تطبيق مثالى لعمليات القوات الخاصة.
النتائج المادية لعمليات الضرب من الداخل / أى ضرب القوات المحتلة بواسطة الأقرب إليها من ضباط وجنود داخل الجيش والشرطة وأجهزة الأمن / كانت مدمرة بشكل إستثنائى وليس فى المجال العسكرى وحدة ، حيث أن خسائر العدو من عملية واحدة من تلك العمليات تعادل عائد عدة أسابيع وربما عدة اشهر من العمليات العادية الأخرى.
ونشير إلى أن تلك العمليات لم يسبق لها مثيل فى الحرب ضد السوفييت , رغم وجود عمليات قريبة الشبه منها ، ولكنها كانت قليلة العدد وأقل تأثيرا . فلم يحدث مثلا أن دمر المجاهدون عدداً مماثلا من الطائرات الحديثة للسوفيت كما فعل المجاهدون فى قاعدة “باستيون” . ولم يسبق أن قتلوا فى عملية واحدة أعداداً من جنود العدو إضافة إلى طائرات ومعدات عسكرية حديثة وكثيرة كما حدث فى عمليتهم ضد القاعدة الجوية فى “صحرا باغ” فى خوست أو فى جلال آباد وباجرام وغيرها.
هذه العمليات يمكن أن نطلق عليها “العمليات الختامية للحرب” أو “عمليات المرحلة الختامية” التى تسبق نهاية الاحتلال وإعلان إنتصار الشعب الأفغانى وحركة طالبان . أنها مرحلة تتميز أيضا بعمليات خاصة للمجاهدين لها درجة عالية من التركيز والقوة . ولا ننسى أيضا أن العدو بدوره صار أكثر تركيزاً أى أكثر قوة فى مناطق ضيقة فى حالة أقرب إلى الحصار.
فقد جمع العدو قواته فى نقاط وقواعد حصينة فى أكثر المناطق حيوية بالنسبة إليه خاصة العاصمة وهى الأهم سياسيا ، ثم ولاية هلمند /الأهم اقتصاديا/ والتى خصصها العدو لتكون أكبر مزرعة أفيون فى العالم والمصدر لأكبر رافد مالى لامبراطوريتة الشريرة.
وتتميز حروب العصابات / حروب التحرير الشعبية/ فى مرحلتها الأخيرة , بالهجمات الواسعة على القواعد العسكرية التى إنكمش إليها العدو ، وأيضا بالهجوم على المدن وصولا إلى الإستيلاء على العاصمة السياسية للبلاد.
فى حقبة الجهاد ضد السوفييت هاجم المجاهدون عدة مدن رئيسية واستولوا على واحدة منها بالقوة المسلحة وهى مدينة خوست ، ثم إستسلمت عدة مدن رئيسية أخرى حتى سقطت كابل بدون هجمات إقتحامية.
والآن فإن المجاهدين بقيادة حركة طالبان لا يمكنهم شن هجمات واسعة على المدن لإقتحامها بالقوة , وكذلك الهجمات على المعسكرات والقواعد الكبيرة للعدو . والسبب هو التفاوت التكنولوجى الكبير الذى يتمتع به العدو وقدرات سلاح الطيران لدية ، إضافه إلى عدم إمتلاك المجاهدين لأسلحة ثقيلة ومضادات للطيران والدروع ، ولا قدرة لديهم / كما أنه ليس من الحكمة / الاحتفاظ بتشكيلات كبيرة مسلحة تحت سماء يسيطرعليها سلاح طيران معادى لا يمكن مقاومته . إضافة أيضاً إلى إفتقاد الإمدادات الكافية من الذخائر والمعدات وباقى مستلزمات قوة عسكرية كبيرة ومحترفة . كل تلك التحديات كانت السبب فى البحث عن حول جديدة لم يسبق تجريتها فى أى حرب أخرى.
سلاح العمل الإستشهادى
فى المرحلة الوسطى (أى الثانية) من الحرب الجهادية الحالية فى أفغانستان كانت العمليات الإستشهادية ذات قيمة عظمى فى تحقيق الأهداف المنشودة عسكرياً ونفسياً وسياسياً.
وقد طورت حركة طالبان تلك العمليات وجعلتها تحت قيادة مركزية من ناحية التوجيه العام الذى قامت به على خير وجه القيادة السياسية للحركة متمثلة فى توجيهات الملا محمد عمر أمير المؤمنين الذى أصدر دستوراً دقيقاً يضمن السيطرة على تلك العمليات داخل إطارها السياسى الصحيح بعيداً عن آثارها الجانبية السيئة التى قد تطال المدنيين . كما حدد الأسس الأخلاقية لتلك العمليات ومجالاتها العملية بحيث لا يحدث الإسراف والهدر فى حياة المنفذين الذين هم من بين صفوة الشباب المجاهد من حيث التدريب والمعنويات والأخلاق , وكان ذلك من معايير إختيار أفراد ذلك “السلاح الإستشهادى” الذى تشكل من شباب من مختلف المحافظات والقوميات ، يتم تدريبهم وتجهيزهم تحت إشراف قيادة مركزية , ثم يجرى التوزيع على الولايات حسب الخطة المركزية حيث تتولى القيادات الميدانية الإشراف على مراحل التنفيذ.
# “السلاح الإستشهادى” بذلك الشكل إكتسب ثقلاً استراتيجياً غاية فى الأهمية ، فتخطى الضعف التكنولوجى للمجاهدين وتغلب على القدرات التكنولوجية الفائقة لدى العدو الذى عجز عن مواجهة ذلك السلاح الذى دمر معنويات العدو قبل أن يدمر جنوده وأسلحته ومعداته.
فمنذ المرحلة الثانية للحرب الجهادية فى أفغانستان وحتى المرحلة النهائية الحالية ، والسلاح الإستشهادى يتجسد فى قوة مركزية من صفوة شباب المجاهدين هم عماد الضربات الكبرى ، إلى جانب مجموعات إستشهادية محلية تجهزها القيادات الميدانية من أجل تنفيذ مهام داخل نطاق عملها فى الأقليم المحدد . ولكن جميع المجموعات الإستشهادية محكومة بنفس المعايير والقواعد العملية والاخلاقية التى حددها أمير المؤمنين الملا عمر فى وثيقة مشهورة تضمنت دستور النشاط الجهادى كله.
سلاح المتفجرات
= حرب المتفجرات بصورتها الجديدة التى ظهرت فى وقت واحد تقريباً فى أفغانستان والعراق جعل الإعتقاد قويا بوجود نوع من التنسيق أو على الأقل القدرة على الإنتقال ونقل الخبرات بين الجبهتين . يحتمل صحة ذلك من الناحية الفنية فقط , لأن الجبهة الأفغانية بما تميزت به من إنضباط تنظيمى شديد ومدون فى دستور جهادى ، ويتمتع بتسلسل قيادى موضع إحترام ، وقيادة تاريخية ذات خبرة طويلة ، كل ذلك جعل المسار الاستراتيجي للحرب الجهادية منضبطاً للغاية .
= ملاحظة هامة هنا بأن قيادة طالبان عندما مزجت الأسلوبين ( حرب المتفجرات والعمل الإستشهادى ) نتج عن ذلك أسلوب جديد فى العمل العسكرى مناسب تماما لتحديات المرحلة الثالثة والنهائية لتلك الحرب فى أفغانستان ذات المواصفات غير المسبوقة .
= عودة الى حرب المتفجرات فى أفغانستان فنقول أنها أدت دوراً هاما خطيراً فى ضرب قوات العدو المتحركة على الطرقات وكانت عونا كبيرا فى الكمائن التى نصيها المجاهدون ، وأيضاً كانت وسيلة دفاعية فعالة .
وكما نلاحظ فى العمليات الكبرى ضد القواعد العسكرية الأساسية فى أفغانستان ، فقد تلازم الأسلوبان أو السلاحان الأساسيان خلال تلك الهجمات ، وهما سلاح المتفجرات والسلاح الإستشهادى.
وقد تم تدعيم ذلك المزيج بهجمات تقليدية مترافقه معه ، كما حدث فى أحد الهجمات الكبيرة ضد مطار جلال آباد الذى مزج بشكل رائع بين العناصر الثلاثة , والنتيجة كانت غير عادية هى الأخرى ، فخسائر العدو فى الأرواح والطائرات والمعدات كانت عالية جداً حيث بدأت الهجوم الإستشهادى من بوابة المطار واستمر حتى وصل إلى مضاجع الجنود وعنابر الطائرات , مع اشتباكات قريبة مع الحرس . وبعد كل ذلك تمكن عدد لا بأس به من المجاهدين من الإنسحاب بسلام تحت تغطية هجمات تقليدية شنها أخوانهم على المطار بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة . وربما كانت تلك العملية التى تكررت أكثر من مرة على نفس المطار بداية لظهور (سلاح العمليات الإستشهادية الكبرى) التى لم يلاحظها أو لم يتكلم عنها العدو إلا فى العملية الكبرى على القاعدة الجوية البريطانية الأمريكية فى هلمند ” فى 15/9/2012″ حيث تخوفوا من أن تكون تلك العملية إشارة على ظهور قوات خاصة جهادية لدى حركة طالبان.
= فى أفغانستان وقد بدأ العدو هذا العام فى الإنسحاب نحو قواعد حصينة , وقلل هجمات البرية إلى حد كبير فإن ذلك الموقف يحتاج إلى حلول عبقرية لهزيمة ذلك العدو وإجباره على الإنسحاب الكامل , ولابد من ضربه داخل تلك القواعد الحصينة . ولما كان الهجوم الخارجى المؤثر على تلك القواعد غير متيسر دائما ، فإن ضربها من الداخل يكون هو الحل الأمثل . وأحياناً وكما رأينا فى جلال آباد ومواضع أخرى فإن الهجوم المتزامن من الداخل والخارج معا يؤدى إلى نجاحات كبيرة أيضاً.
= الضلع الثالث فى استراتيجية المرحلة الأخيرة من الحرب هو عملية الإختراق العميق للمؤسسات المسلحة للعدو . وكما قلنا فإن ذلك الإختراق قدم خدمات رائعة للعمل العسكرى فى مرحلته النهائية . فلا يمكن لعمليات كبيرة ومعقدة ضد قواعد العدو الكبيرة ومراكز قياداته فى العاصمة وخارجها أن تتم بنجاح بدون معلومات دقيقة من داخل تلك الأهداف . وهذا ما توفره شبكة استخبارات طالبان داخل تلك الأجهزة على مختلف مراتبها .
سلاح الضربات من الداخل :
= من الواضح أن القيادة السياسية العليا لحركة طالبان تولى أهمية كبيرة لعمليات الاختراق العميقة وتوجيه الضربات من الداخل لقوات العدو ، حتى أن جنود الجيش والشرطة إستطاعوا بعملياتهم توجيه الكثير من الضربات القاتلة ضد عناصر الإحتلال من ضباط وخبراء ، سواء فى ميدان المعركة أو فى ساحات التدريب أو حتى فى المطارات.
خسائر العدو كانت عاليه جداً, وكعادته دوما أخفى معظم تلك الخسائر وأظهر قدراً يسيرا منها . ولكن ردة فعله على تلك العمليات أوضحت فداحة أثرها عليه سواء عسكرياً أو سياسياً أو حتى فى تخطيطه الإستراتيجى المستقبلى . فذلك الأقليم الأفغانى هو الأكثر حيوية جيوسياسية فى كل أسيا من حيث قدرته على التأثير على أهم الكيانات السياسية فى القارة مثل الصين وروسيا والهند وإيران إضافة الى جمهوريات آسيا الوسطى الغنيه بالنفط والغاز والذهب ومعادن أخرى نادرة.
أن دولا أساسية فى العدوان على أفغانستان قررت الإنسحاب المبكر لسبب مباشر ومعلن هو تلك الهجمات التى شنها جنود أفغان ضد قوات الإحتلال . فقررت فرنسا مثلاً أن تنسحب قبل الموعد المقرر مسبقاً, وكذلك فعل وزير الدفاع البريطانى ، ودول أخرى أقل أهمية فى التحالف العدوانى إتخذت نفس القرار . قد يظهر بعضهم تراجعا ثم يعود مرة أخرى للتأكيد على قراره السابق ، وذلك نتيجة مناورات سياسية وشد وجذب مع الأمريكى قائد العدوان . ولكن لا أحد يتكلم الآن بشكل واثق عن تواجد إحتلالى تدريبى طويل الأمد للجيش والشرطة فى أفغانستان بعد الإنسحاب الكامل فى عام 2014 بل أن المتوقع هو إتمام الإنسحاب قبل تاريخه المحدد.
نظرة سياسية على المستقبل
مستقبل ” مصالح” المعتدين فى أفغانستان بعد إنسحابهم منها يعتبر صندوقا مغلقا ، حيث أن قيادة حركة طالبان لم تزل مصرة على إنسحاب كامل غير مشروط وبدون أى جائزة للمعتدى الذى يجب عليه أن يدفع تعويضا كاملا عن عدوانه ، إضافة إلى شروط أخرى ربما يجرى التفاوض حولها بعد إتمام الإنسحاب العسكرى بشكل كامل ونهائى من جميع التراب الأفغانى .
تلك الحالة التى يعيشها الإحتلال فى أفغانستان فى أيامه الأخيرة هى مأزق حقيقى وخطير جعل العدو الأمريكي لا يواجه خطر هزيمة عسكرية عادية , بل يواجه خطر تحول جوهرى فى مكانته الدولية ومكانة كل المعسكر الغربى الذى ساهم فى تلك الحرب , التى سيكون من نتائجها الكونية تحرك الثقل الحضارى من الغرب إلى الشرق , وسيكون الشرق والغرب معاً مدينان للحماقة الأمريكية التى أوصلت العالم إلى تلك النتيجة ، أى سقوط حضارة الغرب , وإنتقال القيادة الحضارية إلى الشرق .
فى ذلك الشرق ستكون الحضارة الأصلية التى مازالت محافظة على جوهرها هى الحضارة الإسلامية . فرغم الإنحطاط السياسى والإقتصادى لمعظم الدول الإسلامية فى آسيا إلا أن الثقافة الإسلامية وقيم الإسلام لم تندثر بالدرجة التى حدثت لباقى الحضارات الأسيوية الأخرى التى تراجعت لصالح النموذج الحضارى الأوروبى الذى يسموا بالمادة على حساب القيم الروحية والدينية . ومن السهل على المسلمين أن يعيدوا تنظيم مجتمعاتهم بعد حصولهم على حريتهم واستقلالهم ، وأن يحصلوا على العناصر المادية اللآزمة لبنيان حضارى قوى ، بينما من الصعب على أصحاب الحضارة الغربية المادية إستعادة القيم الروحية والأخلاقية للدين فى حياتهم مرة أخرى ، كما أنه من الأصعب أن تعيش حضارتهم فى مناخ دولى تسوده عن حق قيم العدالة والحرية والمساواة .
مصطفي حامد :
المصدر: موقع مافا