ملف معالجة إدمان المخدرات في أفغانستان بين التلاعب والمكافحة!
قضية المدمنين تعتبر من أسوأ القضايا التي تعاني منها أفغانستان منذ عقدين، وهي أزمة فشلت الحكومات المتتالية إبان الاحتلال الأمريكي طيلة عشرين عاما في احتوائها والقضاء عليها، وبلغت ذروتها في الأيام الأخيرة للاحتلال؛ الأمر الذي وضع علامة استفهام على حقيقة الجهود التي أعلنت تلك الحكومات أنها تبذلها في معالجة هذا الملف.
فقد كانت نسبة ضئيلة جدا من الأفغان أدمنوا المخدرات قبيل 2001م، أي قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان. وقد استطاعت الإمارة الإسلامية في أيام إمارتها الأولى أن تقضي على المخدرات وتُخرج أفغانستان من هذا المستنقع بشكل كامل نتيجة سلسلة قرارات صارمة أصدرتها في تلك المرحلة؛ ومنها قرار أمير المؤمنين الملا محمد عمر (رحمه الله) بمنع وحظر جميع ما يتعلق بالمخدرات زراعةً وبيعًا واستهلاكًا، وكادت تُنهي مشكلة المخدرات لولا الغزو الأمريكي لأفغانستان.
وبعدما اجتاحت القوات الأجنبية بقيادة الجيش الأمريكي أرض أفغانستان عام 2001 بحجة محاربة “الإرهارب”، واضطرت الإمارة الإسلامية إلى الانحياز للجبال لإعادة ترتيب صفوفها لقتال ودحر الاحتلال وتحرير البلد، عادت ظاهرة الإدمان تفتك بآلاف الأفغان، وهذه المرة أشد فتكا وأكثر انتشارا حتى تفاقمت بشكل كبير وأصبح الأطفال والنساء ضحايا هذه الأزمة لأول مرة في تاريخ أفغانستان.
جسر “بل سوخته” اشتهر أيام الاحتلال الأمريكي كـوَكْرٍ أساسي لمدمني المخدرات، ويقع غربي العاصمة الأفغانية كابل، حيث سُمي بـجسر الموت، وكان يُعتبر الوكر الأشهر للإدمان لفترة طويلة، كما أن هذا الجسر كان وسط العاصمة على مرأى ومسمع من السلطات الأفغانية العميلة والجنود والمسؤولين الأمريكيين الذين كانوا يقطنون كابل في تلك الفترة. وتعود الذكرى بالأفغان حين يُذكر هذا الجسر إلى النهايات المأساوية لحياة آلاف الشباب والقصص والحكايات التي يندى لها الجبين.
وادعت الولايات المتحدة الأمريكية وحكومتها الموالية في أفغانستان أنها أنفقت مليارات الدولارات على ملف المخدرات والقضاء على تجارتها ومعالجة الإدمان، إلا أن الواقع يكذّب ادعاءاتهم، ففي فترة تواجد الأمريكان ارتفعت نسبة الإدمان ووقع ملايين الأفغان في هذا المستنقع المر.
وبحسب الإحصاءات الحكومية والأممية فإن عدد الذين أدمنوا المخدرات في أفغانستان بلغ 3.5 ملايين مدمن، 40% منهم من النساء، في حين يشكل هذا العدد الضخم 10% من مجموع السكان البالغ عددهم 40 مليون شخص.
هناك أدلة كثيرة تشير إلى تورط الحكومة السابقة في الترويج للمخدرات والتلاعب بهذا الملف؛ منها أنها لم تتخذ قراراً صارماً في هذا الإطار، كما أن المخدرات كانت في متناول الجميع في فترة حكمها في أماكن عامة منها العاصمة الأفغانية كابل، حيث الدوائر الحكومية ومقار السفارات الأجنبية، كما أن الحرب المعلنة على المخدرات كانت مجرد وسيلة لكسب وجلب مزيد من الدولارات، وكانت تذهب معظم تلك الدولارات إلى جيوب كبار المسؤولين المحتلين.
واستهدف الاحتلال الأمريكي الشباب الأفغان بهذا السلاح الفتاك؛ حيث مهّد الطريق أمام تجار المخدرات دون أية رقابة تُذكر، ودون أدنى عقاب للمتورطين في هذا الأمر. ونعرات مكافحة المخدرات التي صاح بها الاحتلال والحكومة الموالية له لم تكن إلا شعارات وحبر على الورق، لا وجود لأي أثر لها على الساحة الأفغانية. وكانت التركة التي أبقاها الاحتلال للشعب الأفغاني هي 3.5 ملايين مدمن، قرابة نصفهم من النساء! وهم الذين أصموا آذاننا ليلا ونهارا بالدفاع عن حقوقهن وإعادة كرامتهن!!
إضافة إلى ذلك كانت صفوف الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة السابقة مكتظة بالجنود والأمنيين الذين أدمنوا أنواعا من المخدرات، واستغلتهم الإدارة العملية حيث دفعت بهم إلى ساحات الحرب، وأوقعتهم في مستنقع المعارك الدامية خلال عشرين عاما؛ من أجل بقائها وحماية دوائرها في مختلف مناطق أفغانستان من نيران المجاهدين.
وفي المقابل شمّرت الحكومة الحالية بقيادة الإمارة الإسلامية عن ساعد الجد لمكافحة المخدرات، وعمدت إلى احتواء هذه الأزمة بشتى الوسائل، وهرولت إلى معالجتها من خلال عمل دؤوب ونزاهة وشفافية؛ فأنشأت المراكز لمعالجة المدمنين وإعادة تأهيلهم ودمجمهم في المجتمع، كما حولت الجسر المحروق -أيقونة بيع وتعاطي المخدرات في كابل “بول سوخته”- إلى منتزه ومعرض للكتب يرتاده عشرات الأفغان يومياً، بعدما كان محطة أخيرة لموت آلاف الشباب الأفغان.
ورغم الأزمة الاقتصادية التي شهدتها أفغانستان بعد هروب الأمريكان، إلا أن الحكومة الأفغانية تعهدت بالقضاء على المخدرات. وأصدر زعيم الإمارة الإسلامية قرارا يحظر تعاطي جميع أنواع المخدرات وزرعها وبيعها وتهريبها. واستطاعت الإمارة خلال سنتين فقط أن تطهر معظم الأراضي الأفغانية منها، كما أنها تمكنت -بفضل الله- من معالجة شريحة كبيرة من المدمنين، تقدر أعدادهم بعشرات الآلاف. إلى جانب ذلك، عملت على تأمين بيئات علاجية لمساعدة المدمنين للإقلاع عن الإدمان.