منهج استرشادي لطفرة اقتصادية هائلة
الإمارة الإسلامية انتصرت، فأجدر وأولى بالنهوض من تحت الأنقاض طالما أمم نهضت رغم خسارتها في الحروب
“منهج استرشادي لطفرة اقتصادية هائلة”
المهندس فراس أبوحمدان
إنني أكتب هذا المقال في وقت تتوقع BBC في تقرير لها أن يهبط النمو الاقتصادي لدول أمريكا واليابان وألمانيا خلال ثلاثين سنة، وأن يشهد العالم صعود دول أخرى ذات الاقتصادات الضعيفة نسبيا، مثل فيتنام والفلبين ونيجيريا، لتكون ضمن أكبر اقتصادات العالم في العقود الثلاثة المقبلة.
هذه التوقعات نشرتها مؤسسة “برايس ووتر هاوس كوبرز” (PricewaterhouseCoopers) للخدمات المهنية الدولية في تقرير بعنوان “العالم في عام 2050”. فهل نعلم أن فيتنام والفلبين ونيجيريا كانت من أكثر الدول فقرًا وبؤسًا وعانت حروبا كبرى، وأزمات سياسية وعسكرية، ثم نهضت نهضة اقتصادية لتنافس أكثر الدول تطورًا وغنى، وهل سنرى أفغانستان يضرب بها المثل في التطور الاقتصادي كما يضرب بها المثل في هزيمة الإمبراطوريات، وهي أجدر تحت ظل الإمارة الإسلامية.
إن ما نسعى إليه في هذا المقال – وهو أشبه ببحث مختصر – لمنهج استرشادي تطبقه الإمارة في بلدنا أفغانستان الغالية، الإمارة الإسلامية التي صارت مصدر إلهام وأمل لكل المسلمين، لتنهض باقتصاد البلد وترفع الفقر والبؤس والجهل بكل أنواعه عن كاهل الشعب الذي عاناه، وعانى ويلات الحرب لأكثر من أربعين سنة.
هذا المنهج الاسترشادي قد تم تطبيقه في بلاد عانت الفقر المدقع والمرض والجهل والجوع ورزحت تحت الفساد السياسي والاجتماعي، بل كانت خاضعة لاستعمار غشوم أو حرب لم تبق وتذر، أمم ريادية استطاعت بهذا المنهج أن تحقق قفزات هائلة خلال زمن قياسي، لتصعد من قاع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى قمة التقدم الاقتصادي والرفاهية والاستقرار السياسي والاجتماعي، وتتحول إلى لاعب رئيسي في الساحة العالمية. فحققت نهضة زراعية وصناعية واجتماعية وثقافية وتقنية، وبنت صرحًا من الخدمات الأساسية الهامة لمجتمع يعيش فيه الشعب حياة كريمة. وما نأمله من الإمارة أن تسترشد بالتجارب السابقة لتختصر الزمان وتحفظ الموارد والجهد من الهدر الخاطئ وترفع البؤس في أقرب وقت عن شعبها، فهي أجدر بذلك لما نراه من نجاحات هامة في معظم المجالات رغم قرب استلامها للحكم في أفغانستان.
ولا يتطلب الأمر ثروات طبيعية ضخمة أو موقعا جغرافيا مميزًا بقدر ما يتطلب الإرادة واستنباط نموذج اقتصادي هو الأصلح لظروف أفغانستان، من أجل التحول من الفقر والبؤس إلى الحياة الكريمة التي ينعم فيها المواطن بالسعادة ويشعر أن له انتماء لوطن يقدره كمسلم وإنسان.
هذا المنهج الاسترشادي هو منهج سهل ممتنع: سهل في تطبيقه لكل الدول مهما كان مستوى الفقر وانعدام الموارد، وممتنع إذا لم يتوفر قيادة مستنيرة تسعى جاهدة لتطبيقه.
وللعلم ففي أغنى دول العالم خصوصًا دول النفط، لما انعدمت القيادة المستنيرة لإدارة البلد عانت هذه البلاد الفقر وانعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي، وكانت سببًا لانتشار الفساد الإداري في مؤسسات وأجهزة الدولة، وانتشار الجريمة والانحلال الأخلاقي على مستوى الشعب كلّه، فقد كانت قيادتها تصنع الانهيار وتخطط له بفسادها. والأغرب من ذلك تحوّلت هذه الدول النفطية إلى دول مديونة نتيجة فساد القيادة، فاستغلّها قراصنة الاغتيال الاقتصادي مستخدمين مؤسسات الأمم المتحدة المتمثلة في صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية لتتردى أوضاعها أكثر وتنزلق للحضيض، فهدم اقتصادها وتحكم به، كما جرى بالبرازيل واندونيسيا ومصر، والسعودية بامتصاص ثرواتها (كتاب الاغتيال الاقتصادي للأمم – جون بيركنز).
وللعلم فإنّ الإمارة الإسلامية بدأت من لحظة استلامها الحكم تطبيق أسس كثيرة من هذا المنهج الاسترشادي لتطوير اقتصاد البلد، وفاقت كل الدول في محاربة الفقر مقارنة بالفترة القصيرة منذ استلامها لبلد يعمّه الفساد والخطف والقتل والفقر والجهل وفوق ذلك الخروج من حرب مدمرة.
وسنوضح هذا المنهج الاقتصادي لعدة دول لنخرج بما يجمعها وينطبق على أفغانستان في الأمثلة التالية:
■ فيتنام
سنبدأ بفيتنام قاهرة الإمبراطوريات، وما أشبهها بأفغانستان قاهرة الإمبراطوريات:
فيتنام (ديكتاتور صنع نهضة، وحول فيتنام من الشيوعية إلى السوق الحرة، والتجارة المفتوحة، والاقتسام العادل للثروات):
(من أدبيات مجتمع الاقتصاديين الدوليين: “لتصبح طبيبًا جيدًا؛ كن طبيبًا أثناء أي حرب، ولتصبح اقتصاديًا جيدًا؛ كن اقتصاديًا في فيتنام”).
إرث ثقيل من حروب واستعمار، واجه الشعب الفيتنامي فيها فرنسا ثم اليابان ثم فرنسا مرة أخرى ثم الولايات المتحدة وأخيرًا الصين، لأكثر من قرن، فكانت حصيلة الخمسين سنة الأخيرة فقط، ما لا يقل عن خمسة ملايين قتيل، وأزمات اقتصادية ومجاعات أهلكت ما يزيد على أربعة ملايين، وقصف وتدمير شامل لكل مقدرات البلد وكانت النتيجة بعد التحرير مباشرة عشرة ملايين لاجئ فيتنامي ومليون أرملة و880 ألف طفل يتيم، و362 ألف طفل بلا آباء وثلاثة ملايين عاطل، وبلغت نسبة التضخم بسبب سياسة الحزب الشيوعي الحاكم بعد الحرب 900%. فكيف نفضت فيتنام عن نفسها أنقاض الحرب والدمار وكيف حاربت الفقر بنفس القوة التي حاربت بها المحتل؟ وكيف أزالت الجهل والأمية، لترتقي في العلوم التقنية، فمن بلد متخلف إلى بلد تقني ينافس الصين في مجالات التقنية والنمو الاقتصادي:
- حاكم ديكتاتور “فان لين” لكنه مستنير، ورجل اقتصاد أدرك أن قوة اقتصاد البلد بوقف احتكار الدولة، وتحرير التجارة وإقامة اقتصاد السوق الحر. وأن سياسة الحزب في احتكار موارد البلد والسلع الرئيسية هو السبب الأساسي في زيادة التضخم ليصل إلى 900% (معدل تضخم لم تنفع معه المساعدات الدولية) وسبب زيادة شريحة الفقراء وسبب محو طبقة متوسطي الدخل وسبب انتشار الفساد الإداري.
- وضع فان لين خارطة سياسات التجديد المعروفة عالمياً باسم “دوي موي (Doi Moi)”، وهي استراتيجية خمسية لأهداف تنموية محددة مسبقا، تشمل حزمة إصلاحات وتعديلات التي بدأت معها تجربة فيتنام الاقتصادية في السطوع، وهي كالتالي:
- إصلاح القوانين الخاصة بتملك الأراضي الزراعية، إذ منحت الحكومة الشيوعية للمرة الأولى الحرية للفيتناميين في استخدام أراضيهم وزراعتها وفقا لرغباتهم، مع الاحتفاظ بحق الدولة في استرجاع الأرض إذا ما هجرها أصحابها أو توقفوا عن زراعتها، فمنحت الحكومة الحق لكل أسرة بتملك ثلاث هكتارات ضمن عملية ضخمة لتوزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين، وهي عملية اعتُبرت تحوّلا جذريا في سياسة وأيديولوجية الحزب الشيوعي التي لا تعترف سوى بملكية الدولة لكل شيء على أرضها.
- إنهاء العمل فيما عُرف بـ “المزارع الجماعية” بشكل كامل عام 1990، وهو نظام كانت تتبعه الحكومات الفيتنامية الشيوعية في زراعة أراضيها لضمان جني ضرائب أكثر، فكانت النتيجة أن أصبحت فيتنام ثالث أكبر مصدر للأرز على مستوى العالم بحلول عام 1989، أي خلال ثلاث سنوات من توزيع الأراضي على الفلاحين وتوقف العمل بنظام المزارع الجماعية.
- في نفس الوقت شملت التعديلات القوانين الخاصة باستثمارات رأس المال الأجنبي والتجارة الحرة، ففتحت الباب على اتساعه للنمو الاقتصادي الهائل الذي بهر العالم أجمع خصوصا بعد أن رفعت أمريكا الحظر التجاري عن فيتنام.
- سن قوانين التملك الخاص وقبول القطاع الخاص في الاقتصاد الفيتنامي عام 1992، الذي بدوره ساعد بشكل رئيسي -بجانب الاستثمارات الأجنبية- في النهضة الاقتصادية الفيتنامية.
- وقعت فيتنام اتفاقيات للتجارة الدولية المتبادلة أسهمت بشكل فعّال في تخفيض التعريفة الجمركية على الصادرات والواردات، وبسبب انخفاض متوسط الأجور ووفرة العمالة في فيتنام أصبحت هانوي العاصمة بمرور السنوات قِبلة للاستثمارات الأجنبية المباشرة التي أصبحت تُمثّل الآن ما يُعادل 90% من قيمة صادرات الصناعات الفيتنامية للعالم.
- وبسبب ما حققته الخطوات السابقة من نهضة اقتصادية، قامت (وحدة إدارة المشروع 18) التابعة لوزارة النقل الفيتنامية التي خصص لها ميزانية ضخمة من ميزانية الحكومة وبدعم من بعض الدول المانحة والبنك الدولي وبعض الإدارات الحكومية الفاعلة بمهمة الإشراف على إنشاء عشرات من مشاريع البنى التحتية للنقل والمواصلات كالطرق السريعة والكباري والجسور، مما ساهم في زيادة نمو القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي.
- حارب الفقر بالدرجة الأولى وذلك برفع مستوى دخل الفرد الفيتنامي بدعم شريحة المزارعين التي تمثل 85% من السكان، فخصصت ميزانية كبرى لتطوير قطاع الزراعة وتقديم مساعدات على شكل أدوات وآليات زراعية وحبوب وأدوية وبناء مختبرات لتطوير علوم الزراعة ومعاهد لتخريج مهندسي زراعة عملهم الأساسي إرشاد الفلاحين لأفضل سبل الزراعة، وشراء المحاصيل بأسعار مربحة للشعب، فارتفع مستوى دخل الفرد الفيتنامي، فوفر سوقا شرائية من 100 مليون شخصا، ووفر سوقا غنية للاستثمار الأجنبي الذي شغل أيد عاملة كثيرة، وهو ما سعت إليه الحكومة.
- حاربت فيتنام الأمية بشراسة بين شعب نسبة الأمية فيه أكثر من 90% فانخفضت إلى 20% خلال ثلاث سنوات. ففتح ذلك باب الإقبال على المعاهد والجامعات. وارتفع جودة التعليم وخصوصا جودة تدريس الرياضيات والفيزياء في المدارس الفيتنامية لتقترب من مستوى التدريس في دول متقدمة كألمانيا وفرنسا.
- اتبعت فيتنام استراتيجية سياسية تراقب فيها التوترات العالمية بين القوى العظمى بحرص شديد، تجعل فيتنام الرابح الأكبر من هذه التوترات السائدة، ويحرص فيها النظام الفيتنامي بحذر وحساسية شديدة أن ينتفع من كل الأطراف ويتجنب الانحياز حتى لا يخوض معركة قد تضره أكثر مما تنفعه إن قررت قوى عظمى التخلي عن فيتنام لصالحها الشخصي، أو قررت عدم التدخل في أي صراع قد يحدث مستقبلا بين فيتنام وأي دولة عظمى.
■ ماليزيا
(كانت كفاءة القيادة هي التي لعبت الدور المحوري في تطور ماليزيا اقتصادًا وشعبًا وتعليمًا ورفاهية خصوصًا إبان فترة حكم مهاتير محمد):
لم تكن كوالالمبور عاصمة ماليزيا، في تطورها الحالي قبل 40 عامًا تقريبًا. كانت مدينة متخلفة غير نظيفة، يعاني شعبها المزارع من الفقر وقلة التعليم وفساد سياسي واجتماعي. واليوم، هي مدينة الأبراج الطويلة، وواحدة من أهم مدن التسوق في العالم، مدينة يرتبط اسمها بالحضارة والتمدن والقدرة على التطور ومحاربة الفساد، تعد ثالث أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا. فكيف نهضت من الحضيض؟
- قيادة مستنيرة حازمة ذات كفاءة عالية، ترى أن أساس النهوض والتطور هو بعث الأمة بحفظ مواردها من السرقة وضرب الفسـاد، ولعبت الدور المحوري في تطور ماليزيا اقتصادًا وشعبًا وتعليمًا ورفاهية.
- الاهتمام بالتعليم والتركيز عليه، وجعله شاملا بالمجان بحيث تم رصد ميزانية كبيرة له (تقريبًا ربع الميزانية).
- نقل البلاد من الاقتصاد الزراعي إلى الصناعي والتجاري والتقني، ووضع خطة تنمية مستدامة، ووضع نظام إداري يجذب الفـرص الاستثمـارية العالمية، فانخفض معدل الفقـر من 50 % (أي نصف الشعب الماليزي كان يصنّف بأنه فقير منذ 50 عاما) إلى أقل من 5 % فقط.
- محاربة الأميّة لكل الأعمار فهبطت نسبة الأمية من أكثر من 70 % إلى أقل من 4 % فقط خلال الألفية الجديدة.
- الاعتماد على الكفاءات وتطويرها وبحيث تكون قادرة على تأهيل معارفها بشكل مستمر.
■ سنغافورة
(قائد مستنير “لي كوان يو” اعتمد على الثروة البشرية أساسًا والاستثمار فيها، وتفضيل ذوي الكفاءات):
كيف يمكن لدولة “الشوارع القذرة” في ماضٍ غير بعيد ومتخلفة تعليميًا وصحيًا وضعيفة الإمكانيات والكفاءات، كانت تعيش تحت استعمار مستغل، ينخر فيها الفساد، ويقطن معظم شعبها الصفائح المتهالكة، وينتشر فيها الفقر بأسوأ أشكاله على الإطلاق، أن تتحول إلى دولة عصرية تعتبر محط أنظار رؤوس الأموال والمستثمرين، ويقترن اسمها دائمًا بالرفاهية والتميز والإبداع والكفاءة والجودة في كل ركن من أركانها. فكيف نهضت من الحضيض:
- محاربة الفساد بكل أشكاله بصرامة منذ بداية عهدها وسن قانون عقوبات صارم، مستعينة في ذلك بنظام قضائي عادل، ما جعلها تتبوأ اليوم مرتبة متقدمة في تقارير منظمة الشفافية الدولية – ترانسبرانسي (Transparency International) كأقل دول العالم فسادا بعد الدول الاسكندنافية.
- استلمها قائد مستنير مهووس بالتعليم.
- حرص هذا القائد على تطوير التعليم في البلاد، واستدعاء الكفاءات.
- حرص على توفيـر الموارد المالية من خلال ضرب الفساد وإحلاله بفرص اقتصادية واستثمارية كبـرى يمكنها جذب رؤوس الأموال الأجنبية وإطلاق حركة تنمية شاملة في البلاد.
■ كوريا الجنوبية
(قائد دكتاتوري “بارك تشونغ هي” لكنه مستنير ومبدع سياسة “التصنيع للتصدير“):
عانت احتلالا يابانيا في النصف الأول من القرن الماضي، ثم صارت مسرحا للصراع بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، تم على إثر ذلك تقسيم كوريا إلى شمالية وأخرى جنوبية. فكانت كوريا الجنوبية واحدة من أفقر دول العالم، بلد شحيح الموارد، عانت دمارًا اقتصاديًا وفوضى سياسية، ثم جاءت الحرب مع شقيقتها الشمالية ، لتقضي بشكل شبه كامل على كوريا الجنوبية، إذ خلفت هذه الحرب خسائر اقتصادية وبشرية هائلة، جعلت كوريا الجنوبية تعيش أسوأ مراحل تاريخها، وتقتات على المساعدات الخارجية بشكل شبه كامل حتى استولى عليها دكتاتور مستنير سعى لتطوير اقتصاد بلده حتى قفز متوسط الدخل السنوي للفرد إلى 30 ألف دولار بعدما كان في حدود 80 دولار في الستينات، وقد بنى هذا الدكتاتور منهجه الاسترشادي على الخطوات التالية:
- ركز في إصلاحاته العاجلة على إطعام الأفواه الجائعة بشكل ملحوظ (هذا أصل في الإسلام)، رغم أن “بارك تشونغ هي” استحوذ على كافة وسائل الحكم، لكنه ديكتاتور مستنير.
- دشّن عددًا من الإجراءات الإصلاحية في البلاد التي تستهدف تخفيض معدلات البطالة وتنشيط الحركة الاقتصادية للبلد الفقير الذي يعاني من أزمات كبيرة، ووضع البنية التحتية لمستقبل باهر حصدته كوريا الجنوبية لاحقا.
- تأسيسه مؤسسة “مجلس التخطيط الاقتصادي”، مهمة هذا المجلس تطوير كوريا الجنوبية اقتصاديًا وإداريًا وثقافيًا، من خلال تحديد الأهداف ووضع الرؤى ورسم السياسات لحل مشكلات التنمية والفقر والقضاء والتعليم، مع سهر لجان المجلس المنتشرة في كل الوزارات على تطبيق الاستراتيجيات المرسومة وتتبع سيرها.
- وطالما كوريا الجنوبية شحيحة الموارد، علمت أنه ليس لديها خيار سوى الاستثمار في رأس مالها البشري الذي سينجيها من براثن التخلف، فعكفت على تدريب مئات الآلاف من الطلاب في مدراس التعليم والتدريب المهني، مركزة على العلوم والتكنولوجيا، حيث وصل حجم الطلاب في الشعب العلمية إلى %70 سنة 1980، كما أرسلت الكثير من بعثات الطلاب والموظفين إلى أمريكا وأوروبا من أجل الدراسة والتدريب، بالإضافة إلى إنفاق ما يقارب ربع الميزانية العامة على التعليم في تلك الفترة.
- وعلى المستوى الاقتصادي، حققت الحكومة حماية أمنية للقطاع الخاص وحماية من الإفلاس، ووفرت له امتيازات من قروض ومساعدات تحصلت عليها من أمريكا حيث كان لها دورًا قويا في هذا المجال، مقابل تحقيق تنمية اقتصادية للبلد، مما سرع وتيرة التنمية بشكل هائل، حتى أنّ معدل النمو لكوريا الجنوبية تصدر دول العالم منذ السبعينات إلى حدود نهاية القرن العشرين.
- تفعيل الحركة الاقتصادي وديمومة تنشيطها، عبر الاستثمار الحر بدون قيود، وسوق مفتوحة بدون ضرائب.
وبذلك من خلال استقراء استراتيجيات هذه الدول وغيرها للتنمية نجد عوامل مشتركة كثيرة، فأي قائد مستنير صادق في تنمية اقتصاد بلاده ورفعها من قاع الحضيض والفقر والمجاعات والجهل والتخلف فما عليه إلا بدراسة استراتيجيات هذه الدول وينتفع منها كما عملت هذه الدول بدراسة تجارب الدول الناجحة اقتصاديا وإداريا وعلميا للاستفادة من تجارب غيرها.
ونوجز أهم وأكثر هذه الاستراتيجيات المشتركة في كل التجارب السابقة:
- قيادة مستنيرة ذات كفاءة عالية، ترى أن أساس النهوض والتطور هو بعث الأمة بحفظ مقدراتها من السرقة، والتعليم الشامل بالمجان ورصد ميزانية كبيرة له، والمشاركة في إبداء الرأي وقبول النصيحة، وتشجيع المبادرات الشعبية بل والتنافس بين المناطق في إطلاق المبادرات الخلاقة للنهوض بالتعليم والاقتصاد والتصنيع خصوصا التقني.
- وإن العامل المشترك في كل هذه الدول التي نهضت من الحضيض للقمة السعي ابتداء في إطعام الأفواه الجائعة، وتخصيص 20% من مواردها للصحة والنظافة وكل ما يختص في نشر الثقافة بين الشعب التي توضح أهمية التعليم والصحة.
- وتأهيل الشباب وإيجاد فرص التعليم للشباب خصوصًا في المناطق البعيدة عن المدن فأصبح هؤلاء الشباب بعد ذلك هم تروس الاقتصاد الحديث، وهاجروا إلى المدن بمعدلات غير مسبوقة، وقد أدى هذا التوسع العمراني إلى إنشاء مدن وتوسيع أخرى، من أجل تلبية احتياجات الطبقة المتوسطة الجديدة.
- وتحرير الشعب البسيط من الإقطاع الجائر (نعني بالإقطاع الجائر الاستيلاء على الأرض باستغلال حاجة الناس وفقرهم وإيقاعهم في الديون أو الغصب أو استغلال بساطة الناس والجهل والاستيلاء على أملاكهم – محاربة مصطلح القانون لا يحمي المغفلين) فصار ممكنا للشعب البسيط توفير رأس مال بعد تحريرهم من الإقطاع الجائر ومع تيسر التعليم والصحة زادت الطبقة المتوسطة التي هي علامة على استقرار الاقتصاد والعدل في تقاسم الثروات.
- وفتح باب التجارة الحرة والاستثمار الأجنبي الموسع، خصوصا الاستثمار الصناعي التقني الأجنبي – استثمار بلا شروط – لمن يقدم خدمات التعليم والصحة، ويهيئ معاهد تقنية تطور أفراد الشعب في المنطقة للعمل في هذه المصانع لتصل نسبة العاملين من الشعب 51% خلال خمسة سنوات و75% خلال عشرة سنوات.
- ونجد قاسم آخر مشترك وهو تقاسم الثروات لكفاية الفقراء وتحسين المستوى المعيشي، ولذلك نجد القائد المستنير يفرض رواتب لقادة الحكومة فيها كفاية وغنية لهم وليس لبناء ثروة وبناء القصور كما يحدث في البلاد التي تعاني من الفساد الإداري والفقر وسرقات موارد البلد.
- العناية القصوى بالموارد البشرية لحماية المؤسسات الحكومية والخاصة من الإخفاقات التنظيمية التي تهدر الجهود المخططة للحفاظ على موارد الدولة. إن الدول والمنظمات التي تجهد لتحقيق سياسات نموّ اقتصادي مستدام، تحمل في ذاتها بذور نجاحها وبذور فشلها. والبذور هي الموارد البشرية التي تنجح حين تصلح، وتفشل حين تفسد.
ومن خلال استقراء ما سبق نجد أن الدول التي نجحت في النهوض الاقتصادي والإصلاحي اتبعت طرقا هي بعض من أركان قيام الدولة الإسلامية العادلة، مثل: إطعام الجائع وتوفير المال لهم وتقاسم الثروة وغيرها…
_______________
■ الدمار لا يعني النهاية.. أمم نهضت رغم خسائر الحروب – عماد أبو الفتوح – الجزيرة – ميدان
■ معجزة هانوي.. كيف صعد الاقتصاد الفيتنامي من تحت الصفر؟ هند محمد يونس – الجزيرة – ميدان
■ ثلاث تجارب لدول انتقلت من براثن التخلف والدكتاتورية إلى أنوار الرفاهة والديموقراطية – خالد بن الشريف – موقع ساسة بوست
■ دولة أفريقية بين القوى العظمى التي ستتحكم في اقتصاد العالم عام 2050 – BBC NEWS
■ نهضة فيتنام قصة نجاح فشل فيها العرب – فريق ماكتيوبس – موقع ماكتيبوس
■ ملاحظات في عمق الاقتصاد البيئيّ – محمد سيف الدين – موقع الميادين نت