من أخلاق المجاهد: خلق الأدب؛ أهميته وضرورته
بقلم: أبو طلحة
إن الأدب من الفضائل الخلقية التي توصل الإنسان إلى درجة الكمال، وحسب الأدب فضيلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أدّبني ربي فأحسن تأديبي، فالنبي صلى الله عليه وسلم عنى الله بتأديبه وتولى تهذيبه، وقد مدح الله نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بخلقه الرفيع، فقال عز من قائل: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ فمعنى هذا أن الأدب ذو أهمية كبيرة في حياة الإنسان والمسلم خاصة.
فالأدب فوق جميع المكارم الأخلاقية، إذ هو مجموعة من الفضائل، لأن الإنسان بالأدب يلتزم ما أمره الله تعالى وينتهي عما نهاه في جميع حركاته وأفعاله وتصرفاته.
الآيات الواردة في “الأدب”:
إذا تتبعنا الآيات القرآنية لوجدنا أن القرآن كله أدب، يخاطب خصومه بلفظ كله أدب، ونأتي بنماذج من هذه الآيات القرآنية:
الأول: الأدب مع اللّه – عزّ وجلّ – والقرآن الكريم:
1 – (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [البقرة: 189].
2 – (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 224].
3 – (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 22].
4 – (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) [الإسراء: 53].
5 – (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 33، 34].
الثاني: الأدب مع رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم -:
1 – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة: 104].
2 – (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 62].
3 – (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].
4 – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الحجرات: 1].
5 – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الحجرات: 2]
الثالث: الأدب مع الناس:
1 ـ (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) [النساء: 86].
2 ـ (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31].
3 ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النور: 27]
4 ـ (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [النور: 28].
الأحاديث الواردة في (الأدب):
1 – (عن عقبة بن عامر- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – يقول: “إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يدخل بالسّهم الواحد ثلاثة نفر الجنّة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرّامي به، ومنبله وارموا واركبوا، وأن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا.
ليس من اللّهو ثلاث: تأديب الرّجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرّمي بعد ما علمه رغبة عنه، فإنّها نعمة تركها أو قال: كفرها”.
2 – (عن معاذ – رضي اللّه عنه – قال أوصاني رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – بعشر كلمات. قال: “لا تشرك باللّه شيئا وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركنّ صلاة مكتوبة متعمّدا؛ فإنّ من ترك صلاة مكتوبة متعمّدا فقد برئت منه ذمّة اللّه، ولا تشربنّ خمرا، فإنّه رأس كلّ فاحشة، وإيّاك والمعصية، فإنّ بالمعصية حلّ سخط اللّه- عزّ وجلّ-، وإيّاك والفرار من الزّحف وإن هلك النّاس. وإن أصاب النّاس موتان وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا، وأخفهم في اللّه”.
3 – (عن الشّعبيّ أنّ رجلا من أهل خراسان سألة فقال: يا أبا عمرو! إنّ من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرّجل إذا أعتق أمته ثمّ تزوّجها: فهو كالرّاكب بدنته. فقال الشّعبيّ: حدّثني أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه أنّ رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – قال: “ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبيّ – صلّى اللّه عليه وسلّم – فآمن به واتّبعه وصدّقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حقّ اللّه تعالى وحقّ سيّده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذّاها فأحسن غذاءها، ثمّ أدّبها فأحسن أدبها، ثمّ أعتقها وتزوّجها فله أجران” ثمّ قال الشّعبيّ للخراسانيّ: خذ هذا الحديث بغير شي ء. فقد كان الرّجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة”.
أنواع الآداب:
وللأدب أنواع، وأعظم أنواع الأدب هو الأدب مع الله في مراعاة حقوقه، ثم الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك أدب الجوار، أدب الحرفة، أدب الطريق، أدب البيت، أدب في العلاقات الزوجية، أدب مع الأبناء، أدب الأبناء مع الآباء، ونفصل بعض أنواع الأدب فيما يلي.
1 ـ الأدب مع الله عز وجل: هو الامتثال بأوامر الله تعالى، وعدم الإشراك بالله تعالى.
2 ـ الأدب مع رسول الله: هو العمل بما جاء به في دقه وجله وقليله وكثيرة دون أن تتبع العلة، وتقدم عقلك وقياسك على أحاديثه.
3 ـ الأدب مع المؤمنين: بأن تحبهم، وألا تسخر منهم، وألا تستعلي عليهم، وألا تشمت بهم، وألا تتمنى أن يصيبهم شيء لا يرضي الله عز وجل، هذا أدب مع المؤمنين.
4 ـ الأدب مع الخلق: بأن تعطي كل ذي حقٍّ حقه، رأى النبي رجلاً يذبح شاة أمام أختها فغضب، فقال: هلا حجبتها عن أختها، أتريد أن تميتها مرتين؟.
5 ـ الأدب مع الحيوانات: كما في الحدیث: (فَإِذا قَتلتُم فأحسِنُوا القِتلة، وَإِذا ذَبحتُم فأحْسِنُوا الذَّبحَ، وليُحدَّ أحدُكم شَفرَته، ولْيُرِحْ ذبيحَته)
6 ـ الأدب مع الأم و الأب: قال عز من قائل: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾. وقال: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾
فهناك أدب مع الله، ومع رسوله، ومع المؤمنين، لا يغتب بعضكم بعضاً، المؤمن لا يغتاب أخاه، ولا يسخر منه، ولا يسفهه، ولا يتمنى أن يصيبه شر، كلها أحاديث كثيرة جداً لو قرأناها وتتبعناها لعرفنا مجمل آداب المؤمن مع أخوانه، ومع الخلق جميعاً.
نماذج من أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم:
1 ـ هذا أبو سفيان بن حرب يسأل زيد بن الدَّثِنة رضي الله عنه حين قُدِّم ليقتل: أنشدك الله يا زيد! أتحب أن محمدًا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي. قال أبو سفيان: ما رأيت في الناس أحداً يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدًا.
2 ـ وهذا عروة بن مسعود الثقفي لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم عند الحديبية ورأى أدب الصحابة مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم وتوقيرهم له، رجع إلى قريش فقال لهم: أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ.
3 ـ ولما وقع من غدر قريش ونقضهم العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعانتهم بكر على خزاعة أرسلوا أبا سفيان معتذرين ومطالبين بتمديد العهد فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان – رضي الله عنها – زوج النبي صلى الله عليه وسلم فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟! قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4 ـ عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة وقالوا: قتل محمد حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار فاستُقبِلت بأخيها وابنها وزوجها وأبيها، لا أدري بأيهم استقبلت أولاً! فلما مرت على آخرهم قالت: من هذا؟ قالوا: أخوك وأبوك وزوجك وابنك، قالت: ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: أمامك، حتى ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لا أبالي إذا سَلِمت مَنْ عطب.
5 ـ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ). جَلَسَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَيْتِهِ وَقَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ! وَاحْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ رضي الله عنه فَقَالَ: “يَا أَبَا عَمْرٍو مَا شَأْنُ ثَابِتٍ اشْتَكَى؟” قَالَ سَعْدٌ: إِنَّهُ لَجَارِي، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ بِشَكْوَى، قَالَ: فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ ثَابِتٌ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْفَعِكُمْ صَوْتًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ! فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ”.
6 ـ عن نافع بن عمر عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ – رَضِي اللَّه عَنْهمَا – رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ – قَالَ نَافِعٌ: لا أَحْفَظُ اسْمَهُ – فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلا خِلافِي! قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ) الآيَةَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ.
النماذج التطبيقية للأدب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجا تطبيقيا للأدب، فحياته كلها أدب، ونأتي بنماذج من أدبه مع الناس ومع أصحابه.
1 ـ عن سهل بن سعد – رضي اللّه عنه – “أنّ رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – أتي بشراب فشرب منه- وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ- فقال للغلام: “أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟” فقال الغلام: واللّه يا رسول اللّه لا أوثر بنصيبي منك أحداً. قال: فتلّه” رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – في يده.
2 ـ عن أنس بن مالك – رضي اللّه عنه – قال: “إن كانت الأمة لتأخذ بيد رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – والعبد، ويجيب إذا دعي”. (وفي رواية) قال: “كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – فتنطلق به حيث شاءت”.
3 ـ عن عبد اللّه بن بشر – رضي اللّه عنهما – قال: كان رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول “السّلام عليكم، السّلام عليكم”، وذلك أنّ الدّور لم يكن عليها يومئذ ستور.
4 ـ عن حنظلة بن حذيم- رضي اللّه عنه- قال: “كان رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – يعجبه أن يدعو الرّجل بأحبّ أسمائه إليه وأحبّ كناه”.
5 ـ عن أنس بن مالك – رضي اللّه عنه – قال: “ما رأيت رجلا التقم أذن رسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – فينحّي رأسه حتّى يكون الرّجل هو الّذي ينحّي رأسه، وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده، حتّى يكون الرّجل هو الّذي يدع يده”. وفي رواية التّرمذيّ قال: “كان النّبيّ – صلّى اللّه عليه وسلّم – إذا استقبله الرّجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتّى يكون الرّجل الّذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه، حتّى يكون الرّجل هو يصرفه، ولم ير مقدّما ركبتيه بين يدي جليس له”.
6 ـ عن أبي هريرة – رضي اللّه عنه – قال: ما عاب النّبيّ – صلّى اللّه عليه وسلّم – طعاما قطّ، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه”.