مقالات الأعداد السابقة

من أعلام بلاد الأفغان: شيخ الإسلام الإمام البغوي

إعداد: أبوسعيد راشد

 

هو شيخ الإسلام، الإمام، الحافظ، الفقيه، المجتهد، العلامة، القدوة، محيي السنة، المفسر، ركن الدين، أبومحمد الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي الشافعي، ولد في بغشور من هراة، وتوفي سنة 516هـ بمرو الروذ (بالا مرغاب) من بادغيس، أفغانستان.

قال شعيب الأرنؤوط رحمه الله: البغوي رحمه الله نشأ شافعيَّ المذهبِ بحكم البِيئة التي عاش فيها والعلماء الذين التقى بهم، وأخذ عنهم، وكانت له يدٌ مشكورة في المذهب الشافعي، فقد ألف فيه كتابه “التهذيب” نحى فيه منحى أهل الترجيح والاختيار والتصحيح، إلا أنه رحمه الله لم يكن يتعصب لإمامه، ولا يندد بغيره، بل كان ينظر في جميع المذاهب وآراء الأئمة، ويطلع على حججهم ودلائلهم، ويأخذ غالبا في كل باب ما يراه أبلغ في الحجة، وأوفق للنصح على أنه حين استوت له المعرفة، وبلغ مرحلة النضج، كان يدعو إلى الاعتصام بالكتاب والسنة.. ويؤلف في نشر علومهما، وبث معارفهما، وإحياء مآثرهما التآليف النافعة الماتعة، حتى استحق بحق لقب ” محيي السنة ” من أهل عصره وممن جاء بعده. (سير أعلام النبلاء:19/439)

قال الذهبي: هو الإمام، الحافظ، الفقيه، المجتهد، محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء الشافعي، صاحب “معالم التنزيل” و”شرح السنة” و”التهذيب” و”المصابيح” وغير ذلك.

روى عنه أهل مرو..ولعل محيي السنة بلغ ثمانين سنة، ويلقبونه أيضًا ركن الدين، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو المكلام فضل الله بن محمد النوقاتي، شَيْخٌ حَيٌّ إلى حدود الستمائة، وأجاز لشيخنا الفخر علي المقدسي. (تذكرة الحفاظ: 4/37)

وقال الذهبي أيضا: هو العلامة، القدوة، شيخ الاسلام، محيي السنة، المفسر، صاحب التصانيف، تفقه على شيخ الشافعية القاضي حسين بن محمد المروروذي، صاحب ” التعليقة ” قبل الستين وأربع مئة.

وسمع منه، ومن أبي عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي، وأبي الحسن محمد بن محمد، وجمال الاسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وأبي الحسن علي بن يوسف الجويني، وأبي الفضل زياد بن محمد الحنفي، وأحمد بن أبي نصر الكوفاني، وحسان المنيعي، وأبي بكر محمد بن أبي الهيثم الترابي، وعدة.. وعامة سماعاته في حدود الستين وأربع مئة،وما علمتُ أنه حج.

حدث عنه أبو منصور محمد بن أسعد العطاري عرف بحفدة، وأبو الفتوح محمد بن محمد الطائي، وجماعة..

وكان البغوي يُلَقَّبُ بمحيي السنة وبركن الدين، وكان سيدا إماما، عالما علامة، زاهدا قانعا باليسير، كان يأكل الخبز وحده، فعذل في ذلك فصار يأتدم بزيت، وكان أبوه يعمل الفراء ويبيعها.

بورك له في تصانيفه، ورزق فيها القبول التام، لحسن قصده، وصدق نيته، وتنافس العلماء في تحصيلها، وكان لا يلقي الدرس إلا على طهارة.

وكان مقتصدا في لباسه، له ثوب خام، وعمامة صغيرة على منهاج السلف حالا وعقدا..

وله القدم الراسخ في التفسير، والباع المديد في الفقه، رحمه الله. توفي بمرو الروذ -مدينة من مدائن خراسان- في شوال سنة ست عشرة وخمس مئة، ودفن بجنب شيخه القاضي حسين، وعاش بضعا وسبعين سنة رحمه الله.

ومات أخوه العلامة المفتي أبو علي الحسن بن مسعود بن الفراء سنة تسع وعشرين، وله إحدى وسبعون سنة، روى عن أبي بكر بن خلف الأديب وجماعة. (سير أعلام النبلاء: 19/39- 42)

ابن الوردي:سنة عشر وخمسمائة، وقيل: سنة ست عشرة وخمسمائة، توفي بمروروذ أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي، الفقيه، المحدث، المفسر، بحر العلوم، له التهذيب في الفقه، والمصابيح في الحديث، والجمع بين الصحيحين، وشرح السنة في الحديث، ومعالم التنزيل في التفسير، وكان لا يُلقى الدرسَ إلا على طهارة.. والفراء: نسبة إلى عمل الفراء، والبغوي: نسبة إلى بلدة بغشور من خراسان .. (تاريخ ابن الوردي: 2/23)

 

تصانيفه:

1 – شرح السنة: قال شعيب الأنؤوط رحمه الله في تعليقه على السير: هو كتاب عظيم في بابه لا يستغني عنه طالب علم، فإنه من أجل كتب السنة التي انتهت إلينا من تراث السلف ترتيبا وتنقيحا، وتوثقا وإحكاما، وإحاطة بجوانب ما ألف فيه، وأنشئ من أجله، وهو يبين عن سعة اطلاع مؤلفه رحمه الله على الحديث الشريف ونقلته، ودرايته بالروايات وعللها، ومعرفة مذاهب الصحابة والتابعين، وأئمة الأمصار والمجتهدين، ولا أعلم كتابا من كتب السنة يغني غناءه، وكان من توفيق الله عَلَيَّ أن قمتُ بتحقيقه، ومقابلة أصوله، والتقديم له، وتخريج أحاديثه، والإبانة عن درجة كل حديث مما لم يرد في ” الصحيحين ” أو في أحدهما، وشرحِ ما أغفله المصنف من الغريب، وتنقيد المسائل التي يظن أنه أخطأ فيها، وتقوية بعض الآراء التي يعرض لها بأدلة لم ترد عنده..والنية متجهة إن شاء الله تعالى إلى مزيد من التحقيق والتخريج، وجمال الإخراج. انتهى قوله رحمه الله.. (سير أعلام النبلاء:19/439).

2 – معالم التنزيل: قال شعيب: وهو تفسير متوسط جامع لأقاويل السلف في تفسير الآيِ، مُحَلًّى بالأحاديث النبوية، التي جاءت على وفاق آية، أو بيان حكم، وقد تجنب فيه إيرادَ كلِّ ما ليس له صلة بالتفسير، وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله كما في ” الفتاوي “: 2/193، فقال: وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها، فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة البغوي.

وقد طبع أكثر من مرة، وجميع طبعاته لا تخلو من تحريف وتصحيف وسوء إخراج، وهو جدير بأن يعنى به، ويطبع طبعة علمية محررة موثقة تُيَسِّرُ الانتفاع به، والإفادة منه..

3 – المصابيح: قال شعيب رحمه الله: جمع فيه طائفة من الأحاديث مما أورده الأئمة في كتبهم محذوفة الأسانيد، وقسمها إلى صحاح وحسان، وعني بالصحاح ما أخرجه الشيخان أو أحدهما، وبالحسان ما أخرجه أصحاب السنن..طبع عدة طبعات، وقد اعتمده الخطيبُ التبريزيُّ، وزاد عليه، وهَذَّبَهُ في كتابه ” مشكاة المصابيح“..

4 – التهذيب في المذهب: وهو تأليف محرر مهذب، مجرد من الأدلة غالبا، لخصه من تعليقة شيخه القاضي حسين، وزاد فيه، ونقص، وهو مشهور متداول عند الشافعية يفيدون منه، وينقلون عنه، ويعتمدونه في كثير من المسائل، والإمامُ النوويُّ رحمه الله يُكْثِرُ النَّقلَ عنه في ” روضة الطالبين ” وكتاب التهذيب يقع في أربع مجلدات ضخام، يوجد منه المجلد الرابع في ظاهرية دمشق تحت رقم (292) فقه شافعي، يرجع تاريخ نسخه إلى سنة 599 هـ.

5 – الجمع بين الصحيحين .

6 – الأربعين حديثا “.. وأشياء.

 

مدينة “مرو الروذ”:

مرو، معنا الحجارة البيضاء، والروذ، معناه النهر، وأصله “رود”، يعرف باسم “مرو” مدينتان في التاريخ، مرو الشاه جهان، وهي “المرو” المعروفة، وتقع في تركمنستان. ومرو الروذ، وهي في ولاية بادغيس في جنوب أفغانستان، ويسمى اليوم مرغاب، أو بالامرغاب، لأنها على نهر مُرْغاب، على بعد عشرة أميال فقط من حدود تركمنستان.. قد فتحت كلتيهما في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه،بقيادة الأحنف بن قيس رحمه الله.. قال الدكتور علي البار: وقد اندثر اسم مرو الروذ واشتهر بالامرغاب، لأنها تقع على نهر مرغاب، ولايكاد يعرف اسم مرو الروذ إلا القليل..

وكانت مرو الروذ هي الوحيدة من بلاد خراسان التي لم تنتقض في عهد عثمان رضي الله عنه والتي التجأ إليها المسلمون، وبعثوا يطلبون النجدة من عثمان.. (أفغانستان لعلي البار ص 380)

القزويني: مرو الروذ: ناحية بين الغور وغزنة واسعة، ينسب إليها القاضي الإمام العالم الفاضل حسين المروروذي، عديم النظير في العلم والورع:

عَقَرَتْ حواملُ أن يَلِدْنَ نظيرَه إنّ النّساءَ بِمِثْلِهِ عُقُمٌ

حكي أن رجلاً جاء القاضي حسيناً وقال له: إني حَلَفْتُ بالطلاق ثلاثاً! ليس في هذا الزمان أعلم منك! فماذا تقول وقع طلاقي أم لا ؟ فأطرق رأسه ساعة ثم رفع رأسه وبكى.. وقال: يا هذا! لا يقع طلاقك، وإنما ذلك لعدم الرجال لا لوفور علمي! (آثار البلاد، لزكريا بن محمد القرزويني:1/186)

الحموي: مدينة قريبة من مرو الشاهجان بينهما خمسة أيام وهي على نهر عظيم، فلهذا سميت بذلك، وهي صغيرة بالنسبة إلى مروَ الأخرى، خرج منها خلق من أهل الفضل.. النسبة إليها: مروروذي ومروذي.. ومات المهلب بن أبي صفرة بمرو الروذ .. (5/112)

مُرغاب: murghab نهر طوله(852) كم، ينبع في أفغانستان، ويجري في تركمانستان، ويغور في صحراء كاراكوم قرب مدينة ماري، وكان يُصَبُّ قديما في بحر قزوين. (المنجد ص 529)

 

مرو الشاهجان:

“مَرْوَ الشاهجهان: مدينة في تركمنستان على مصبّ مُرغاب في قناة كاراكوم، هي اليوم “ماري”.. (المنجد ص 530).

 

بغشور:

يشهد التاريخ أن بغشور كان مركز العلم والحديث، يفد الناس إليه، وكان أهله معروفون بالعلم والفضل،لكنها خربت في حملة المغول كباقي المدن، ثم لم تقم لها قائمة.. وقد زارها الحموي، ورأى الخراب فيها:

الحموي: بغشور بضم الشين المعجمة وسكون الواو وراء، بُلَيْدَةٌ بين هراةَ ومرو الروذ.. منها:

الفراء البغوي.. وأخوه الحسن وكان من أهل العلم،وقال: كان رحمه الله رقيق القلب، أنشد رجل:

 

وَ يَومَ تَوَلَّتِ الأظعانُ عَنَّا *** وقُوِّضَ حاضرٌ وَ أَرَنَّ حادِي

مَدَدْتُ إلى الوداعِ يَدِيْ وأخرى *** حَبَسْتُ بها الحياةَ على فُؤَادِيْ

 

فتواجد الحسنُ والفراءُ، وخلع ثيابَه التي عليه، ومات الحسن سنة 525هـ. (معجم البلدان:1/647)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى