من الموقف الهجومي إلی الموقف الدفاعي
عماد الدين الزرنجي
انتهی عام 2016 المیلادي بجزره ومده، وکان من الأعوام التي لا نستطیع نسیانها وغض الطرف عما نزل بأمتنا خلالها من المصائب والکوارث. ورغم معاناة أمتنا من المصائب والکوارث، إلا أن أبناءها المجاهدین حقّقوا من الانتصارات ما قرت به عینها وجعلتها ترنو لمستقبل زاهر تحت ظل رایة الإسلام.
إن ملف المجاهدین للعام المنصرم مليء بالانتصارات، لکن الانتصار الذي نرید إلقاء الضوء عليه هنا هو ما حققه أبناء الإمارة الإسلامیة، وهو الإثبات للعالم أن موقفها هو موقف الهجوم علی الحكومة العمیلة.
ولا شك أن العدوّ استخدم جمیع الوسائل الإعلامیة علی مدار الأعوام الـ۱۵ الماضیة لتوصیف موقفه بصفة الهجوم. وفي ظل الإعلام العالمي القوي استطاعت أمریکا وعملاؤها إقناع الرؤی العامة بأنها في موقف الهجوم، وأنها استطاعت تنحیة الإمارة الإسلامیة، وأنها سوف تحتفل بنهایة الجهاد والقضاء علی المجاهدین. ولکن العملیات العدیدة التي نفذها أبناء الإمارة أثبتت للعالمین أن الواقع غیر ما وصفه الأمریکیون.
وفي العام الماضي علم الجمیع، لا سيما الأمریکیون، أن لعملیات المجاهدین صدیً کبیر علی مستوی العالم، ما دفع بالمواطنین الأمریکیین للقيام بمظاهرات واسعة للمطالبة بإعادة جمیع الجنود الأمریکیین من أفغانستان.
والحقیقة أنه بسبب تواجد القوات الأجنبية المحتلة علی الساحة الأفغانیة، كانت قواتها تنفذ حملات هجومیة علی المجاهدین، ولکن الیوم -بفضل الله- عُکست القضیة، وصار العملاء في موقف دفاع وحربهم حرب للبقاء.
أما موقف المجاهدین اليوم فهو موقف النضال للتمدد والسیطرة علی البلد. وهذا الموقف الهجومي، زاد المجاهدین جرأة وعزاً، وزاد العملاء خوفاً من الجهاد والمجاهدین؛ لذلك شاهدنا في العام المیلادي المنصرم تمدداً وسیطرة واسعة للمجاهدین.
إن الوقف الهجومي له الأهمیة البالغة في قاموس السیاسة، فوفقاً للعلوم السیاسية فإن اتخاذ موقف هجومي، یعني تحقیق 70% من الانتصار، واتخاذ موقف دفاعي یعني قبول 70% من الهزیمة. لذلك لا ینبغي لنا أن نمر على هذا الانتصار العظیم دون التمعن فیه.
وإن تحلیله من جمیع النواحي سوف یساعدنا علی مواصلة الطریق لتحقیق الانتصار الأکبر الذي ننشده وقد وعدنا الرحمن بذلك. أما تحقیق هذا الانتصار علی مستوی الساسة والخبراء الأکادیمیون، فقد دفع بالجمیع لاتخاذ موقف محاید، وأحیاناً انحیاز إلی جانب المجاهدین. وقد سمعنا کلمة مستشار “بوتین” في شؤون أفغانستان وهو یحدد عشرین سنة كمدة لنهایة النظام الحالي.
أعتقد أن هذا التحدید غیر واقعي، لأن للواقع دلائل وشواهد تنبئ بسقوطه في مدة أقل من ذلك إن شاء الله. إن الفساد الذي تغلغل في أحشاء الإدارات والأنظمة الحکومیة، عامل آخر سیساعد الظروف للإطاحة بهذا النظام. إن التقاریر التي نشرت في الأیام الأخیرة من العام المیلادي المنصرم، دلیل آخر علی هزیمة الحكومة الحالية في بسط نفوذها بین المواطنین الأفغان، وذلك نتیجة طبیعیة لحكومة اتخذت موقفا دفاعیا أمام منافسها.
إن اتخاذ حكومة كابل العميلة الموقف الدفاعي أو القتال لأجل البقاء، یرجع أيضاً إلی الخطط الإعلامیة للمجاهدین، فإن إعلام المجاهدین والقیام بنشر الحقائق وتوعیة الشعب، وحتی توعیة الجنود المقاتلین في صفوف حكومة کابل، جعل الحكومة تشعر بخطر من داخلها.
ویمکننا أن نقول بأن الحكومة تواجه منافسین، أحدهما: المجاهدون، وثانیهما: الشعب والجنود المقاتلون في صفوف الحكومة. والاعتراضات الواسعة من قبل الشعب في الأیام الأخیرة جراء ارتفاع الضرائب، خیر مثال علی نفور الشعب من حكومة کابل، أما ما قام به أحد أفراد الشرطة بإطلاق النار علی رفاقه، فدلیل آخر علی هذا النفور.
إن للموقف الدفاعي أثر عمیق في تخاذل وهزیمة حماة الحكومة، ولذلك بتنا نری أن کثیراً من الوزراء السابقین والمدراء والرؤساء غادروا البلد واختاروا الفرار علی البقاء. مما دفع بعدد كبير من أعضاء الجیش والشرطة إلى ترك الوقوف في صف الحكومة العميلة.
ووفقاً لبعض التقاریر، فإن الجیش فقد عدداً هائلاً من جنوده في العام المنصرم. وبحسب تقریر آخر: رفض کثیر من المقاتلین والضباط الانخراط في مواجهة مع المجاهدین. وهنالك عدد كبير من المقاتلین توقفوا عن القتال وغادروا البلد.
لاشك أن هذا الموقف الدفاعي من جانب العدو العميل والموقف الهجومي من جانب المجاهدین منحة إلهیة ونتیجة لنصرتهم لدین الله تعالی. وقد قال الله سبحانه وتعالی: (إن تنصروا الله ینصرکم ویثبت أقدامکم). وقد قال الله تعالی: (والذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا وإن الله لمع المحسنین).
نرجو من الله النصر العاجل للحق، وقمع الباطل في وطننا الحبیب.