من خزي البرلمان الحقیقي إلی البرلمان الطلابي
بقلم: عماد الدين الزرنجي
انعقد “البرلمان الطلابي” أو “البرلمان التعلیمي” بتاريخ 14 أغسطس المنصرم داخل قاعة مجلس الشیوخ في كابل. بحضور ۱۳۰ شاباً أفغانياً من جمیع ولایات أفغانستان. وقد شكل حضور المرأة ۳۳% من أعضاء هذا البرلمان. وحضر هذا البرلمان الذي یهدف إلى إرساء قواعد الدیموقراطیة والتدریب علیها، أشرف غني ورئيس مجلس الشيوخ فضل هادي مسلمیار.
إن المحاولات الغربیة لتمویل مثل هذه المشاریع لتنمیة الدیموقراطیة في أفغانستان، تكثفت مؤخراً. وهذا دأب الغرب في جمیع البلدان الإسلامیة لتعوید الشباب علی الدیموقراطیة منذ نعومة أظفارهم. وذلك بدعوتهم إلی مجلس الشعب وتخصیص جلسة لهم للتعبیر عن رؤاهم وطرح أفكارهم تحت قبة البرلمان، ولنشر روح الدیموقراطیة في المحیط الإسلامي. إن تعلیم الشباب الصامت علی مفاهیم غربیة وتعویدهم علی السلوك الذي سوف یهوي بهم في مزالق العلمانیة، مستمر منذ احتلال البلد عام ۲۰۰۱م وحتى یومنا هذا.
المنح التعلیمیة العدیدة من جانب الدول الخارجیة، وإعمال التغيير غیر المسبوق في النظام التعلیمي، وعقد الورشات العدیدة في جمیع الولایات، ماهي إلا خطوات في طريق علمنة شبابنا وتربیتهم علی الفاهیم الغربیة.
كما صار “المجتمع المدني” طریقاً سهلاً لإبعاد الشباب عن الإسلام، ونشر الدیموقراطیة الغربیة بینهم. وقد بات واضحاً للجمیع فساد المجتمع المدني. والصور المنشورة في عالم الانترنت من أعضاء المجتمع المدني خیر دلیل علی ذلك.
والبرلمان التعلیمي یأتي في هذا السياق، حیث یقوم المعنیین به بتعریف الدیموقراطیة كبدیل أحسن وأرقی لحل القضایا بدلاً عن النظام الإسلامي. والواقع عكس ذلك. إذ یری الجمیع فشل النظام البرلماني في أفغانستان. بل منذ قیامه في أفغانستان ازدادت المشاكل والأزمات. ویعلم الجمیع أن البرلمان خدعة للشعب، والنواب فیه یسعون لمصالحهم الحزبیة والشخصیة، وقد صار اليوم محلاً لحضور مافیا الفساد. الشباب المساهمون في البرلمان التعلیمي، لا یمكنهم أن یعتمدوا علیه؛ لأن البرلمان الحقیقي، كنموذج أمامهم، أثبت فشله في حل القضایا الأفغانیة، بل لم یُرَ منه إلا الفساد والخوض في خدمة الأجانب. هذا بالإضافة إلى أن أكثر أعضاء البرلمان الحقیقي يواجهون كثيراً من التهم، منها التجسس لصالح الأجانب وترجیح مصالحهم علی مصالح الشعب، وبیع المخدرات والخمور، والفساد الإداري، وأخذ الرشی من الوزراء. ونواب البرلمان الحقیقي یمثلون في قاعة البرلمان دراما عجیبة لا نظیر لها في كثیر من البلاد. والمواطن الأفغاني عندما یشاهد حفلات البرلمان عبر شاشة التلفاز لا یكاد یصدق أن النواب الحاضرین فیه من الأفغان؛ لأن أكثرهم تربعوا علی كراسي البرلمان بالمال والقدرة، لا باختیار الشعب. وكثیر منهم لا یعلمون آداب الحديث.
إن البلاد الغربیة منذ احتلال أفغانستان إلی یومنا هذا سعت في زعزعة المجتمع الأفغاني، من خلال نشر الفساد والدعارة، وتعوید الشباب علی تعاطي المخدرات، وإهراق الدماء البریئة تحت مسمیات مختلفة، وإهانة المقدسات، وإحیاء العصبیات القومیة البغیضة. وتربیة الشباب الأفغاني علی النظام البرلماني لیس إلا حلقة في سلسلة هذه الجنایات بحق شعبنا.
ووفقا لبعض المصادر، فإن البرلمان الطلابي بحد ذاته كان اختراق للدیموقراطیة ودلیل علی فشل النظام البرلماني؛ لأن المسؤولین اختاروا أبناء حماة غني في الانتخابات الرئاسیة لیصفقوا حیناً بعد حین لكلمات غني الفارغة.
وقد صرح الإعلام أن الحاضرین كانوا یصفقون لكلمات لا تحتاج إلی التصفیق. وهذا إن دل علی شيء فإنما یدل علی الخیانة في اختیار الأعضاء. ألیس فیهم رجل رشید یقوم بالاعتراض على كلمات غني! الذي شهد العالم إخفاقاته العدیدة في سیاسته الخارجیة والداخلیة، منها خلافه مع عبدالله عبدالله، وفشله في میادین الصراع مع الإمارة الإسلامیة في هلمند وغیرها من الولایات.
يُقال أن ثلاثة من أبناء (فضل الهادي مسلمیار) حضروا في هذا الاجتماع، في حین مُنِع شاب هلمندي من الاشتراك لذرائع تافهة. برلمان تعلیمي عُقد لتعوید الشباب علی رعایة حقوق الآخرین وتمثیل الدیموقراطیة، فیه هذه المظالم والاختراقات لحقوق الآخرین! هذا لیس بعجیب؛ لأن الحضارة الغربیة انبثقت منها الدیموقراطیة، حضارة مزدوجة ظاهرها براق وخلاب، وباطنها فساد ودمار وتضییع لحقوق الآخرین.
هذا وشعبنا المسلم قد فقد ثقته منذ أمد في الغرب وشعاراته الرنانة. وعقد مثل هذه الحفلات والبرلمانات لا یزعزع إیمان شبابنا بجدارة النظام الإسلامي للحكم. وسیتجه هذا المشروع نحو الفشل والانهیار كأشقائه السابقين.
والمسؤولیة في توعیة الشباب بأضرار النظام الغربي تقع علی عواتق جمیع من یهمه أمر الإسلام وهذا البلد المبارك. نرجو الله التوفیق والسداد.