مقالات الأعداد السابقة

من (سكة الحجاز) إلى مشروع (تابي)؛ المؤامرة واحدة

سيف الله الهروي

 

أركان الاقتصاد ثلاثة؛ التجارة والصناعة والزراعة، ودولةٌ أعمرت الثلاث فهي في القمة، ودولة أفسدت الثلاث فهي في أسفل السافلين. والخطوط البرية والبحرية والمعابر لها دور مهم في تنشيط هذه الثلاث، لذلك لما شعر السلطان عبد الحميد العثماني بأهمية هذا الأمر، أول ما قام به هو مد سكة حديدية، كان يراها الناس في ذلك الوقت مشروعاً شبه مستحيل، لكنه أنجز هذا المستحيل، وكان هذا المشروع فقط يدرّ مائتي ألف جنيه لدمشق من المنافع آنذاك.

مشروع (سكة الحجاز) كان مشروعا منافعه ومصالحه كلها للعرب المسلمين من دمشق إلى المدينة المنوّرة، لكن سرعان ما تعطل هذا المشروع بسبب ثورات العرب أنفسهم، وتقسيم بلادهم. مشروع سكة الحجاز تعطل بمؤامرة بريطانية طبقها العرب أنفسهم!! والسكة اليوم متروكة لا يسير عليها قطار.

من سكة الحجاز نأتي إلى مشروع (تابي) -المسمى بالأحرف الأولى للدول الأربع المشاركة: تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند- مشروع تابي يُمثل أهمية جيوسياسية واقتصادية كبرى للمنطقة، وسينقل 33 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا.

ووفقاً لاتفاقية بين كابل وعشق آباد، ستحصل أفغانستان لمدة 30 عاما على 500 مليون متر مكعب من الغاز سنويًا في السنوات العشر الأولى، ومليار متر مكعب سنويًا في السنوات العشر الثانية، ومليار ونصف المليار متر مكعب سنويًا في العشر الثالثة. إضافة إلى ذلك ستحصل أفغانستان على 400 مليون دولار سنويا؛ رسوم مرور أنابيب الغاز التركماني عبر أراضيها.

مشروع (تابي) يشبه مشروع (سكة الحجاز) في أن المستفيد منه المسلمون، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كانت باكستان هي المستفيد من مشروع تابي، فلماذا يغلق معبر طورخم مع أفغانستان كل مرة بدعاوى وذرائع وهمية، وتُثار مشاعر الحقد والكراهية بين البلدين والشعبين؟

والجواب أن فكرة الإثارة والتصعيد بين البلدين ليست إلا إملاءً غربياً، والجنرالات في المخابرات يطبقون هذه الفكرة امتثلاً لأوامر أسيادهم.

يبدو أن المؤامرة التي جرت ضد مشروع (سكة الحجاز)، يجري الآن تطبيقها حتى لا ينطلق  مشروع (تابي) ولا يتحقق.

في (سكة الحجاز) كانت الفكرة لبريطانيا والمطبقون هم العرب أنفسهم من رعايا الدولة العثمانية، ولكن في مشروع (تابي) المطبق هم عصابة من جنرالات المخابرات الباكستانية باعوا دينهم وأنفسهم ومنافعهم وصاروا أذيالاً عبيداً للأجانب ومخططاتهم، ولا يفكرون إلا في منافعهم الشخصية وليست منافع الشعوب المسلمة.

ماذا سيكون مصير تابي؟ هل سيكتمل أم لا؟

لا يفوت الجانب الحريص على إنجاز هذا المشروع أن المؤامرات الدولية ضده قائمة، فالعالم  الغربي والقوى الاستعمارية الكبرى لا يريدون أبداً أن ينطلق مشروع كبير في الشرق ليس لهم النصيب الأكبر منه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى