من نتائج الاحتلال: ظاهرة اختطاف الأطفال
بقلم: أبو محمد أمين
وصلت الأوضاع الأمنیة المتوترة في أفغانستان في الآونة الأخيرة إلى مرحلة خطیرة مهلكة. إن إلغاء إقامة الحدود الشرعية والقصاص وانتشار الرشاوى وإفساح المجال لأصحاب القدرة والمال، جرّأ اللصوص والقتلة وقطّاع الطرق علی السرقة والقتل والاختطاف والتعدي على حقوق الشعب.
وفي باكورة حكم النظام الجدید، كانت قضیة اختطاف الأطفال بسیطة وعادیة، لأن مثلها يحدث في جمیع البلاد الإسلامية التي أُلغیت فيها الحدود الإلهیة التي فیها حیاة للإنسانیة. ولكن القضیة تعقدت وازدادت خطورة بعدما تنامت ظاهرة الاختطاف في بعض الولایات، تجرّأ المختطفین فیها علی قتل الأطفال بشكل مفجع مؤلم یندی له جبین الإنسانیة. وبمرور الوقت تغیّر الأسلوب وبدأ المختطفون بقتل الصغار والكبار بأبشع الطرق، حتى استحضر الإنسان معها عصر الجاهلیة وحوادثها المؤلمة من وأد البنات والمظالم التي تعودها الطبع الإنساني آنذاك. وإن فجاعة هذه الاختطافات كانت آلم وأشد.
إن التاریخ الأفغاني في عمره الطویل لم يسجل لنا ولو نموذجاً من هذه التصرفات الجاهلیة وغير الإنسانیة، بل على العكس من ذلك، كان المجتمع الأفغاني يعيش في جو من العطف والرحمة والعنایة البالغة بالطفل.
فمالذي حدث حتى تغیرت طبائع بعض الأفغان إلی موجودين یملكون قلوباً قاسیة، لا یرحمون الصغیر بل یئدونه، ولا یرحم النساء بل یضربونها ضرباً قاسیاً؟!
ولماذا أقبلت فئة من الشباب الأفغاني علی الفسق والفجور والتعدي على حیاة الآخرین؟ ألیس هؤلاء هم أحفاد الأبطال الذین اسشهدوا في سبیل الدفاع عن المظلومین، والذين اقتلعوا جذور المحتلین من البلد وأعادوا إلی البلد الأمن وجعلوه بیتاً آمنا لكل طفل وشیخ وامرأة؟
وقبل أن نخوض في بیان العوامل الرئیسیة التي أدت لتصاعد جرائم الاختطاف الوحشیة، سنلقي الضوء فيما يلي علی بعض حوادث الاختطافات لیتضح الأمر وخطورته:
1 – في إحدی الولایات، اختُطِف طفل صغیر لا یتجاوز عمره الستة سنوات، فذهب المختطفون بالطفل إلی مكان مجهول، وبعد مدة، عرف الطفل أحد المختطفین وناداه: یا عم، أنقذني من براثن هؤلاء فإنهم قد اختطفوني، أنقذني وأعدني إلی أبي وأمي. وعند سماع هذه الكلمة المؤلمة من الطفل المعصوم، غلبت شقوة هؤلاء الوحوش وغلبت علیهم الحیوانیة فبادروا بقتله بأفجع الأسالیب. حيث شنقوه أولاً فلم یمت، ثم كرروا عملهم هذا فلم یمت، وفي الأخیر قتلوه خنقاً ثم ألقوه في بئر للقاذورات. وبقي جسده هناك حیناً. ولما ألقي القبض علی أحد المختطفین، عثروا علی جسد الطفل الشهید المعصوم الذي لم یرتكب جرماً غیر أن أباه كان ثریاً.
2 – وفي نفس الولایة، اختُطف شاب مؤمن رزقه الله تعالی حظاً وافراً من الأموال بإیعاز من القائد الأمني التابع للحكومة العميلة لمنطقه نائیة، فراجع أولیاؤه رجال الدولة العمیلة مراراً وتكراراً، ولكنهم لم یحصلوا علی جواب شافٍ. لذلك بدؤوا بتحقیقات میدانیة في جمیع المناطق التي يظنون أنه موجود بها، وبحثوا عنه في الكهوف والجبال والقری والمدن. وبعد بحث طویل وجدوا أن القائد الأمني هو الذي اختطفه. عند ذلك ضغط الأولیاء علی الحكومة وهددوها بمظاهرات واسعة إذا لم يتم إلقاء القبض علی المباشرین لهذه الجریمة النكراء. فأجبرت الحكومة علی إلقاء القبض على بعض المجرمین وإيداعهم في السجن. ولما یئِس أولیاء الشاب المؤمن من الحكومة العمیلة التي كانت تسوّف وتعدهم كذبا وزوراً. عند ذلك لجؤوا للإمارة الإسلامية فلم تمض مدة طویلة إلا وعثرت الإمارة علی أحد المختطفین، وقد اعترف صراحة بتدخل القائد الأمني، واعترف بالمكان الذي دُفن الشاب الشهید فیه، فقام الأولیاء بحفر الأرض في منطقة نائیة، فوجدوا ابنهم شهیداً مشدود الیدین والأرجل وفي جنبه وسادة. واعترف المجرم أنهم أنزلوا الشهید في بئر عمیق وأعطوه وسادة لیستریح فیه، ثم بدؤوا بإلقاء البرامیل علی رأسه، ثم ألقوا التراب علیه، وهو حي یتنفس.
والله إنها جریمة تقشعر منها جلود الذین لازال فيهم بقية من الشعور والإنسانیة. ومما یثیر العجب أن الإمارة الإسلامية أعدمت المجرم المقبوض علیه، في حين أن الحكومة لم تعدم المجرمین المباشرین إرضاءً لسادتهم المحتلین، ووفروا لهم جمیع وسائل الرفاهیة في السجن.
3 – وهذه قصة اختطاف أباسین زازي في كابول حيث قام المختطفون بدایة بقطع بنانه، ثم قتلوه، بعدما لم یسلم أبوه المبلغ الذي طلبوه.
إنها مقتطفات من مئات الاختطافات التي تحدث یومیاً في أفغانستان. والشعب المسكین يستنكر ويشجب، ولكن لیست هناك آذان صاغیة تسمع صوته.
وبعد هذا نتساءل: ماهي العوامل والأسباب التي مهدت الطریق لهذه الأعمال الجاهلیة التي سلبت الأمن من الشعب؟
في رأیي المتواضع یمكن أن نلخص العوامل والأسباب في النقاط التالیة:
الأول: إلغاء الحدود الإسلامية:
لا شك أن للحدود الإسلامیة رعباً رادعاً یمنع الإنسان من ارتكاب الجرم والتعدي على حقوق الآخرین.
والأمن الشامل والطمأنینة التي عمّت أفغانستان إبان حكم الإمارة الإسلامیة، ماهي إلا حصیلة تطبیق الحدود الإلهیة. فجاء المحتلون وألغوا جمیع الحدود والقصاص التي فیها حیاة للناس، وطبقوا القوانین الغربیة التي فیها رضی للشیطان. وهاهي القوانین الغربیة أخفقت في إرساء قواعد الأمن في بلادهم، فكیف تحقق الأمن في بلادنا؟
إن تعطيل إقامة الحدود الشرعية على المجرمين جرّأ اللصوص والمتعطشين لدماء الإنسانیة أن یرتكبوا أبشع المجازر، وأن یلعبوا بدماء الشعب. ومن عاش في أفغانستان، یری بأم عینیه أن السارق فیها یرتكب كل عمل خبیث ولا یعاقب علی ذلك من قبل الحكومة، إلا سارق مسكین لیست لدیه مكنة مالیة، فإنه یمكن أن یبقی في السجن سنة.
الثاني: الفقر وضعف الإیمان:
من المعلوم أن الأكثریة والغالبیة من الشعب الأفغاني یعیش تحت مخالب الفقر الشدید. ومن حكمة النبي المصطفی صلی الله علیه وسلم قوله: “كاد الفقر أن یكون كفراً” أي إذا غلب الفقر وضعف الإیمان فربما یرتكب الإنسان الفقیر الكفر. لم تستطع الدولة العمیلة توفیر العمل والمشاغل المفیدة للشعب، وإلى جانب ذلك تزید في فرض الرسوم المالیة التي تكسر ظهر الشعب.
قال أحمد ذكي، مسؤول إحدی الجمعیات الاجتماعیة في أفغانستان: إن أفغانستان من أفقر البلاد في العالم. وإذا لم تعتن الدولة بها، فسوف تؤدي إلی آثار سیئة في البلد. وأضاف ذكي: وحالیا یوجد في أفغانستان 11.59 ملیون شخص یبحثون عن العمل، ومن هذا العدد الضخم يشتغل 8.11 ملیون شخص. [وكالة صدای أفغان]
وقالت شفیقة سائس، من الناشطات الاجتماعیات: 75 بالمائة من الشعب الأفغاني أصیب بهستریا روحیة نتیجة لعدم تواجد أشغال مفیدة في البلد. وهذا تسبب في إقبال أكثرهم على المخدرات.
وهذا الفقر المنسي ساق ضعفاء الإیمان إلی ارتكاب جريمة الاختطاف وإراقة الدماء.
الثالث: مشاركة رجال الدولة:
إن الاختطافات الأخیرة في بعض الولایات حدثت بمشاركة من رجال الحكومة فیها، وهذه المشاركة تارة تكون مباشرة وتارة تكون غیر مباشرة. ففي المناطق النائیة یقوم بعض رجال الشرطة بأسر الأفراد واختطافهم. وفي المدن يكون التدخل غیر مباشر بحمایة المختطفین.
لقد أدت جرائم الاختطاف إلى ضياع الثروات من البلد؛ لذلك نری كساداً اقتصادیاً علی صعید البلد. والمتضرر من هذه الأزمة الأمنیة هم عامة الناس.
ولكن ما هو الحل لكي نرفع هذه الأزمة؟
إن العنایة بالعوامل الثلاثة السابقة تضمن لنا الأمن، والقضاء على مثل هذه الجرائم، وجمیع المفاسد التي تعاني منها أفغانستان.
ولاحول ولاقوة إلا بالله.