من يضع العقبات في طريق السلام؟
أبو يحيى البلوشي
العبودية الفكرية هي من أشد أنواع العبوديات خطرًا على الإنسان وعلى تقدم المجتمعات وتطورها بشكل عام، فهي التبعية الفكرية للآخر دون تفكر وتدبّر، حيث يكون الإنسان تابعًا لغيره فكريًا، ويصبح مسلوب الإرادة والتفكير، لا يفارق بصره شراك نعله، فتجده غير قادر على الاستقلالية في صياغة أفكاره وأفعاله، ولايستطيع استعمال عقله ليحكم في موضوع مما يدور حوله من الأحداث.
وإن العبد الفكري إذا تولى أمرًا وحكمًا على الناس وأخذ بزمام الأمور في بلد، فسيقوم بأحداث تغاير المنطق السليم بمراحل، ويتسبّب بأهوال جسام تندهش من هولها العقول وتتزلزل من وقعها القلوب.
فإن العبد الذي ارتضع لبان الذل والخنوع، تعوِّد على أن يتولى الغير أمرَه ويحكم عليه وعلى حياته وعقله ويستخدمَه في مصالحه ويستفيد من قدراته، ويستعمل مواهبه بسخاء لتحقيق أهدافه الخاصة. والنفس الدنيئة ترضى بالذل والدون، وتعاف أي طموح أو أمل حقيقي ترتفع به إلى المعالي، مع أنها ربما تملك قدرات معنوية، ويكون المجال واسعا أمامها للتقدم والازدهار، ولكن لطبيعة ما نشأت عليه، فهي مصابة بمركب النقص، ترضى بالقليل وتحب أن يرأسها أحد؛ فتحرم أبدا من النجاح والازدهار والرقي، ويضعف تأثيرها وينحل سلطانها.
إن العبيد المنتمين إلى إدارة كابول وفي طليعتهم “أشرف غني” وشرذمته؛ تلقّنوا درس العبودية والعمالة عند الغرب عن أساتذتهم الغربيين، وامتزج حب العبودية بالدم واللحم، فعندما احتضنهم الغرب، بذر في قلوبهم بذرة الخنوع، وفي صدورهم أساس العبودية؛ ليعلِّمهم الاستكانة أمام الغرب، وليستعبدهم ويلقّنهم بأنهم ضعفاء، وأن الغرب رئيسهم وأرقى منهم في الحضارة والثقافة والقوة، فنشأوا على هذه الفكرة إلى حد صارت العبودية لحمتهم وسَداهم ومبدأهم ومنتهاهم.
فمنذ أن تولّوا زمام القدرة وتربّعوا على كراسي الحكم التي ولّاهم إياها المحتل، استُعملوا كأداة لامتصاص دماء الأبرياء وإزهاق النفوس الزكية وقلع جذور الرجولة من القلوب، ونُهبت برضى ومساعدةٍ منهم المواردُ الاقتصادية للبلد وانتشرت الفوضى والفقر والخلاعة والمجون والفساد في طول البلاد وعرضها، فكانوا هم السواعد والأيدي العاملة لحماية العدو المحتل، وكانوا هم البلاء بعد محنة الاحتلال.
في الآونة الأخيرة عندما هبّت رياح التغيير، وآذنت أمريكا بالرحيل، وتمّ توقيع الاتفاقية بشأن خروج القوات المجرمة، قامت إدارة كابول بمعية ذيولها وعلى رأسهم «أشرف غني» بالهجوم على هذه الاتفاقية وبجهود خبيثة لإيجاد العراقيل في طريقها، ومن الأمارات البارزة على سخطهم بشأن الاتفاقية، أنهم بدأوا يتأخرون في تنفيذ بنود الاتفاقية من «فك أسرى المجاهدين» و«بدء المفاوضات الداخلية» بشهور. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنهم لن يرضوا باتفاقية سلام تنتهي بانقطاع أرزاقهم من الدولارات التي جادت بها لهم أمريكا طيلة سني الاحتلال، وتذهب بمكانتهم وكراسيهم.
وليلفتوا نظر أسيادهم قدّموا أعذارا واهية -هي في الحقيقة مؤامرة من جهازهم الاستخباري- سعياً لإرضاء الاحتلال بالبقاء، حيث تذرّعوا بمؤامرات عميقة ومخططات عنجهية لنيل أمنيتهم هذه. فمن الأعذار التي قدّموها لأسيادهم و يأملون من خلالها أن يعيد الغرب النظر بشأن خروجهم من بلاد الأفغان: شن حملات متفرقة من قبل جنود داعش على الناس والأماكن العامة بكابول، ولا يخفى على البصير بأحوال داعش أنه اجتثت جذوره في أفغانستان وبقيت منهم حثالة قليلة وجنود مرتزقة آوتهم سلطات إدارة كابول ليستخدموهم في مؤامراتهم ضد اتفاقية الدوحة.
وأخّروا المفاوضات الأفغانية شهوراً عن موعدها المحدّد، وما مضت على مفاوضات السلام أيام حتى عاد «أشرف غني» وشرذمته إلى أفعالهم القديمة وأعمالهم الصبيانية؛ فأخذوا في إنشاء العراقيل في طريق المفاوضات، ولا يمّر على المفاوضات يوم إلّا ويزيد رجال الإدارة العراقيل أمام مواصلة المفاوضات، وجرياً خلف إرادتهم الخبيثة هذه، يشنون هجمات إعلامية على الإمارة الإسلامية بين فينة وأخرى، ويعلنون على مرأى من وسائل الإعلام ومسمع منها بأنّ الإمارة الإسلامية هي من يعارض السلام!
وأخيرًا بعد أن قطعت عملية المفاوضة بين الفريقين الأفغانيين أشواطًا مباركة وكادت أن تثمر بنتائج، خالف أشرف غني مواد الاتفاقية وصار حجر عثرة أمام مواصلة المفاوضات، كما صرحت بذلك بعض السلطات الأفغانية إثر موقفه هذا.
وهنا تنجلى شمس الحقيقة، ويبدو للشعب الأفغاني ولكل من يتبع الحق، مدى خوض سلطات إدارة كابول في العبودية الفكرية وخذلانهم لهذا الشعب، مقابل الحفاظ على كراسيهم ومصالحهم الذاتية، ويظهر للجميع أن الإمارة الإسلامية تسعى عن صدق وإخلاص لإحلال السلام والسعي الدؤوب للوصول إلى حلّ حاسم واتفاقية تقام بها حكومةٌ إسلامية وتبشر بزوال دولة المماليك والعبيد، ليستريح الناس في ظل شريعة الإسلام الغرّاء.
وأخيرًا فليعلم كل عميل وعبد ذليل من سلطات إدارة كابول، أن الشعب الأفغاني الأبيّ لن يغفر لمن يتلاعب -على حساب مصالحه- بمستقبل هذا الشعب، بعد أن أثخنته الجروح التي سبّبتها هذه الإدارة المزيفة المجرمة، ولن ينسى من يعارض إحلال السلام في بلاده المنكوبة، وإن المعارضين سينتقم منهم الشعب في هذه الدنيا وهم يوم القيامة عند الله أخزى وهم لا ينصرون.