مقالات الأعداد السابقة

مهما يمكر الطغيان فالله خير الماكرين

بقلم: المولوي محمد إسماعيل

ملحوظة: الأخ المولوي محمد إسماعيل (أبو حفص النيمروزي) تخرّج في العام الماضي من إحدى المدارس الدينية، ومنذ شوال العام الماضي إلى الآن وهو ينتقل من معركة إلى أخرى، ومن مديرية إلى أخرى، وبجانب أموره العسكرية ونشاطاته طلبنا منه أن يكتب لنا عن انطباعاته عن بعض المعارك وما فيها من الدروس لقراء مجلة الصمود، فأجاب وأفادنا بمقالات منها هذه المقالة.

(إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) {سورة الأحزاب}.

مشاهد تزیغ فيها الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر، وأمثالها في ساحات النزال کثیرة، وهي فارقة بین المؤمنین والمنافقین، فبمثل هذه المشاهد یُعرف الصادقون الذین مع ابتلائهم وزلزالهم الشدید ینادون من صمیم الفؤاد (هذا ما وعدنا الله ورسوله) بينما يقول الذین في قلوبهم مرض (ما وعدنا الله ورسوله إلاغروراً).

لقد منّ اللهُ علي أن يکون في أول معرکة أخوضها، أحداث من جنس هذه المشاهد، وأن یکون ذلك المشهد بعد التحاقي بصفوف القتال بعدّة أیام.

کان من خبر قصتنا أنّا کنّا في ولایة نیمروز في مدیرية خاشرود، وکان هناك للمجاهدین نطاق حربي يقطع الاتصال بین مديرية “غورغوري” وبین قاعدة معروفة لعملاء الصلیب یسمونها بـ”غندي”؛ والمجاهدون بنطاقهم شدّدوا علی العملاء أمرهم حتی وصل الأمر بهم إلی استعانتهم بالهمرات والدبابات في حال أرادوا إيصال الحاجات الضرورية إلى قاعدتهم.

وبعد مضي أشهر مکر أعداء الله مکرهم، ولو تحقق ذلك المکر لما بقي للمجاهدين سيطرة علی منطقة خاشرود، ولکن مع مکرهم؛ مکر الله، والله خیر الماکرین.

في صباح أحد الأیام وصل خبر بأن الأعداء قد هجموا علی نطاق الطالبان الحربي -الخط الأمامي- وهم في حال تقدمهم نحو مديرية خاشرود، وکنا في ساحة خاصة للإمارة الإسلامیة تسمی بالساحة المنتظرة، فأعدّ أمیرنا 50 مجاهداً من الساحة، ورتّب أمورنا وأرسلنا إلی مكان الاشتباك.

وصلنا إلی المکان المحدد بسرعة؛ لأنه لم يكن يفصل بيننا وبین المکان إلا ربع ساعة بالسیارة، ومع ذلك کانت هناك مشکلة وهي: أنه لابد للسیارات من أن تمرّ من بین قاعدتین کانتا ترشقاننا برصاص الدوشکا رشقاً، ولکن -بحمدالله- لم یصب أحد، وإن كانت أصابت بعضها عجلات السیارات وحطمت زجاجها.

عندما وصلنا رأینا‌ إخواننا الذین کانوا في النطاق، لکن -مع الأسف- حینذاك كان الأعداء قد سیطروا علی النطاق ‌وبدأوا‌ بالتقدم‌ مع الدبابات والهمرات، فسألنا إخواننا: ماذا حدث؟

قالوا: لا ندري من هجم ومن أین هجم! بدأوا بالهجوم من فوقنا ‌ومن أسفل منّا، سقط منا شهیدٌ‌ وانسحبنا.

فالذي لم يكن خبیراً بالحرب وأحوالها -مثلي- کان یقول في فؤاده: (کیف انسحبوا وترکوا جسد الشهید في الساحة؟!)

لکن بعد ساعات علمتُ بحقیقة الحال، وقلت في نفسي: مع مکر الأعداء هذا كان من المستبعد أن ینجو أحد، ‌لكن سقوط شهید واحد فقط هو رحمة وفضل من الله تعالی.

وکان من خبر مکر العملاء أنهم جاؤوا بعشرات الکماندوز ومئتین أو أکثر من المليشيا، وکانت ملابسهم ملابس العوام، وكانوا ذووا لحى وعمائم، وكانوا يُخفون أسلحتهم تحت الملابس، وقد قال من اقترب منهم: إن بعضهم كانوا يرتدون عصائب بيضاء كتبت عليها كلمة التوحيد؛ وأما وقت مجیئهم فکان في منتصف اللیل، جاؤوا مشیاً على الأقدام حتی اقتربوا من النطاق. وعندما صلّى المجاهدون صلاة الفجر، وأسفرت‌ الشمس رأی حارسهم ما جعله في تعجب ودهشة وهو کثرة تردد العوام علی أنحاء مختلفة من النّطاق، فتحیّر، وأثناء حیرته تلك رأى هجوم جمع غفیر وکبير من الأعداء الذین ظهروا في ألبسة مختلفة وبدأوا بالقتال، قاوم من المجاهدین من کان هناك حتی أُجبروا علی الانسحاب من النطاق، خاصة عندما ظهر خلف قوات المشاة عدد كبير من الدبابات والهمرات.

وكان أمر ملابس الأعداء وهیئتهم مجهولاً بالنسبة للمجاهدین، فتحیروا بادئ الأمر، فاستفاد الأعداء من حیرتهم واستطاعوا التقدم إلی حد ما، حتی منّ الله علی المجاهدین وتکشفت لهم الحقیقة، وجعل الله سبحانه وتعالى کید الأعداء في تبار، إنه ولي المؤمنین وإن کان مکر الأعداء لتزول منه الجبال.

وبعد انکشاف مکر الأعداء، بدأ المجاهدین بالدفاع الشدید، وأجبروا الأعداء على ترك دبابتین لهم عدة ساعات.

وكانت رحی المعركة دائرة حتی الخامسة مساءً.

والذي تعجّبت منه کثیراً هو عتاد المجاهدین في ذلك الیوم، لأنّ الأعداء جاؤوا بکل عدتهم وعتادهم، وكانوا يطلقون الهاون كل دقيقة حتى تصیب جانباً منّا، ولم تكن طلقات الدوشكا المنصّبة علی الدبابات تقف لحظة واحدة، بينما كان المجاهدون يقاتلون بما تبقى معهم من رصاصات البیکا وبقاذف آربي جي واحد!

نعم؛ مضی ذلك الیوم بما کان فیه من الوقائع والأحدادث. وأخیراً رجع العملاء بأصنافهم المختلفة مع العشرات من القتلى والجرحى خائبین خاسرین‌. والحمدلله رب العالمین.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى