مهمة العلماء في مواجهة الأعداء
إن الله تعالی أرسل الرسول صلی الله علیه وسلم فبلغ الشریعة وأدی الرسالة المهمة التي بعثه الله بها وأنقذ البشریة من حافة الانهيار ومن أعماق الجهل والوحشیة واتبعه الصحابة – رضي الله عنهم – وحملوا رسالة الدعوة وتفرقوا في البلدان، ونشروا الدين، وعلموا الناس ما جاء به الرسول صلی الله علیه وسلم من العلم والهدی.
ومن ناحیة الإسلام وهب الله للعلماء الربانیین مكانة ممتازة بين المؤمنین فقال (یرفع الله الذین آمنوا منكم والذین أوتوا العلم درجات) ومن هنا نجد في كتب التاریخ والتراجم وغیرها كتابات مرموقة من دقائق حیاة العلماء مما یدل علی عنایة المسلمین بعلمائهم وكان لهم دور أساسي مهم في الوعي الإسلامي علی مدی التاریخ.
وقصصهم مشهورة ومعروفة مثل الشیخ عز الدین ابن عبد السلام واحمد ابن حنبل وابن تیمیة و…
وإن مكانة العلماء لدی الشعب الأفغاني مشهودة حیث لا یعدلون بنصائح العلماء وتوجیهاتهم كلاما آخر. وهذه الرؤیة والنظرة إلى العلم والعلماء تنبع من العقيدة الدينية ،التي تسعی الاحتلال لاقتلاعها.
فقد شهد الاحتلال ترسَخ هذه المكانة للعلماء في نفوس الشعب من يوم أن رأی العلماء یسلكون سبیلا مخالفا لإعلام الاحتلال ومخططاتها.
وقد أصبحت المیلیشیات في مخططاتهم غير منفصلین عن السیاسة الإحتلالیة التي تسیر إلی مسلك صلیبي علماني غیر إسلامي.
ولذلك بدأت العلاقة بين الشعب والسیاسة الإجرامية التي تنفذها القوات الأجنبية وعملائها تتراخى،لأن الشعب تعوَد بالدین وترعرع بالقرآن والسنة النبویة ومن ثم نری أن طبقة العلماء محبوبة لدى الشعب وإن العلاقة بينهم علاقة قلبية تقوم على مشاعر الولاء الداخلي الصادق النابع من عقيدتهم وإن عامة الناس ازداد التفافها حول علمائها ، وذلك لأنهم كانوا يجدون في العلماء الملاذ الآمن من قسوة المحتلين!
ولا یزالون يلتمسون عندهم الحلول لمشاكلهم ، والنور الذي يهتدون به حينما تشتد عليهم الأحوال الداخلية أو الخارجية ..
و من الواضح أن الشعب یری بعینیه ما تمارسه القوات الأجنبية وعملائها من المیلیشیات من استخدام القوة والإكراه والعنف ضدهم والمحاولة لإخراج الشریعة من الساحة، وزرع لصوص للتسلط على الناس حیث لا یبالون للشعب ولا یقیمون لهم وزنا ویلعبون بكرامتهم.
ففي مثل هذه الظروف أصبحت هيبة العالِم تزداد عند الناس، وأثره يترسخ یوما فیوما بقدر بُعد أصحاب العلم من أبواق هؤلاء العملاء وبقدر إدانة سیاساتهم السيئة وبقدر جهودهم الحثیثة في وعي الشباب والجیل المسلم .
وإن الحرب الدامي في أفغانستان والمحاولات الإحتلالیة لجر الجیل الأفغاني إلی رذیلة العلمانیة یستدعي من العلماء دعوة حاسمة وجهود كبیرة أكثر بكثیـــــر من أی
زمان آخر.
والدعوة الإسلامیة التي یجب علی العلماء العنایة الكاملة بها،تواجه المؤامرات ودعاية الإعلام الأجنبي ولذلك ینبغي للعلماء التركیز علی :
1 بث العلم الصحيح النابع من توجيهات القرآن الكريم ، وما صح من سنة المصطفى – صلى الله عليه وسلم –في أوساط علمیة وتبیینها للعامة والخاصة وإعداد جیل یقومون للدعوة الإسلامیة وعقد جلسات مستمرة دعویة إیمانیة بأسلوب حدیث فیبینون من خلالها مؤامرات العدو العنید وطریق النجاة منها وبناء مدارس شرعیة ومكاتب للأولاد والبنات.
وتحریض الناس للخروج في سبیل الله والاهتمام بالدعوة الإسلامية ونشر الكتب المؤلفة في موضوعات الغزو الفكري والكشف عن المؤامرات الإحتلالیة
2- الإخلاص في نشر الدعوة الإسلامیة، وفي تبليغها، وحینما بیّن بعضُ الإخوة في أیام سیادة حكم الإماره الإسلامیة في أفغانستان؛عن الشیخ العلامة الندوي رحمه الله في أیام الحج (والشیخ كان جالسا في الحرم الشریف بعد أداء صلوة العصر) بنجاح الإمارة الإسلامیة في شتی المجالات؛ أوصاه العلامة الندوي بالدعوة الإسلامیة قائلا إذا أدخلتم الإیمان والدعوة الإسلامية في قلوب الناس فاعلموا أنكم نجحتم في أمركم .انتهی كلامه رحمه الله.
ولذلك نقول إن الحكم لا ینفع إذا لم یوافق بمشاعر الشعب ودیانته وهذا الأمر سهل علی العلماء بقدر ما هو صعب علی دعاة التبشیر والعلمانیة لأن الشعب بحمد لله ومنه یعرفون للشریعة مكانتها ویكرهون غیرها .
3 – الالتصاق بالشعب، فالدعوة الإسلامیة في العصر الراهن لاسیما في أفغانستان توجد أثرها المدوي إذا لم ينعزل الدعاة والعلماء في مدارسهم وبیوتهم وقراهم،ولم یحصروا أنفسهم في حلقات ضيقة ولم یغفلوا مما یعاني الشعب من العملاء والاحتلال ومن القتل والدمار الشامل والفقر والعراقیل والمشاكل، وهذا من فروع المهمة للجهاد في أرض الأفغان وله أثر كبیر في حاضر الشعب ومستقبله.
4- بما أن الاحتلال یهتم بانتشار العقائد المخالفة للإسلام والأفكار المعاندة بمساعدة الإعلام والتبشیر والقوات العمیلة أكثر من اهتمامها بالحرب في ساحة القتال وتشهد أفغانستان یومیا مشروعا أو فكرة أو حملة إعلامیة عمیلة ضد الإسلام فیجب علی العلماء التعرض للفكرة أو الظاهرة المطروحة العمیلة والإحتلالیة ویقوموا بمواجهه تلك الظاهرة الخبیثة ویخبروا الشعب إخباراً دقیقاً من مغباتها حتی تبید تلك الظاهرة ویبینوا جوانبها المظلمة قبل أن تترك في المجتمع أثرها السلبي.
فالعقائد الإحتلالیة لن تترك الساحة خائبة إذا واجهت برد بصورة موجزة أو سكوت علی مضض ولم تواجه بإعصار شدید.
والشعب تبع لعلمائهم إذا رأوا العلماء یؤكدون علی التجنب من تلك الظاهرة أو الفكرة ویبینون الثواب و یردعون من الخطأ فسیتركون الاحتلال والعملاء -كما نری الآن-ویتبعون العلماء.
5-یلزم التركیز بالضبط علی تبیین مفاهیم القرآن لأن فیه المنهج الرباني، ولأنه كلام الخالق ولا یساویه دعایات الاحتلال وحیله وفیه الأمر بالاهتمام بتوحید الله تعالی والاجتناب من الشرك والبدعة والامتناع من موالاة الكفار.
ففي القرآن الكريم الحكمة والجهاد وضوابطه الحسنة، وفيه كیفیة مواجهة الأعداء بالطریقة الممتازة ومن خلال آیاته المنیرة یستطیع العلماء مواجهة الاحتلال ومثل ذلك؛ التركیز علی بیان السنة النبوية،والتركیز بالسیرة النبویة فالرسول -صلى الله عليه وسلم- وإن كان بشراً لكنه بالإضافة إلى ذلك نبي مرسل [ ومَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هُوَ إلاَّ وحْيٌ يُوحَى ] وقد عاش الرسول صلی الله علیه وسلم وكان في حیاته الطواغیت من المنافقین والیهود والنصارى ودسوا من المؤامرات الخطیرة والهجمات
العنیفة .
فتبیان السیرة وتعلیم كیفیة مواجهة النبویة بالطواغیت من الأمور الهامة التي یجب شرحها للناس.
لاسیما في البحر المتلاطم من الشبهات والأفكار المتطرفة المتمردة العمیلة الخاطئة التي جعلت الجیل الأفغاني يتيهون بين الخطأ والصواب ويتعثرون في الاهتداء إلى القيم من غيرها.
وإن العلماء هم السفینة في هذا البحر الهائج وبهم یهدي الحائر من الفتیة والفتیات وغيرهم من الشعب الأفغاني إلى الطريق الصحيح ووكلت مهمة الدعوة الإسلامیة إلی العلماء والدعاة أياً كانت الطريقة، ومهما صعبت الظروف، وهذا ما يؤكد على أهمية الدعوة الإسلامیة.
6-إن مهمة الدعوة الإسلامية تعتمد على خصائص ثابتة حیث تمثل خصائص الشريعة نفسها من ثبات وشمولية وواقعية وصلاحية، وبالتالي فإن مضمون الرسالة ينطلق في هذه الخصائص، ولكن من أسرار نجاح أو فشل الدعوة ارتباطه بمقدار معرفة وخبرة الداعي والعلماء بمن یخاطبونه، وعدمه وهذه المعرفة والخبرة التي تمكن العلماء أن یبرموا للشعب الأفغاني حاجته الملحة عبر الطریقة المفضلة.
والخبرة والفراسة في هذه المعركة هي سر النجاح ، إذن : إن عدم الخبرة والعلم وقلة الزاد العلمي في هذه النقطة تؤدي إلى نتائج عكسية غير ما يتوخاه العلماء.
7- المعرفة الجیدة بمؤامرات الاحتلال وبمخططات العملاء والعمل الجاد على صدها وردها بالأدلة العلمية الدامغة وبالكتاب والسنة وبأية أدلة یرتكزون بها في مواجهة المؤامرات.
فالجیل الأفغاني اليوم بحاجة إلى منهج واعٍ حیث يريح النفس ويقنع العقل، ويواجه العملاء بالأدلة القادرة والبراهين الباترة.
8- معالجة أخطاء الشعب الإعتقادية والفكرية والثقافية بهدوء وبصيرة وبالحكمة الحسنة (ادع إلی سبیل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هی أحسن)
ومن هنا وجب الحذر والدقة في معالجة أخطاء العامة ، والملاحظة بالأسلوب الحسن ((مع وضع قاعدة ( كل ابن آدم خطاء ) بالحُسبان )).
وبالجملة ینبغي لأداء الرسالة المهمة أن نعبر عنها بأسلوب وطریقة رائعة تترك أثراً إیجابیا في نفس المخاطبین، حتی یتحقق للداعي من خلالها الهدف المعين من تعزیز أفكار ومبادئ إسلامية سامیة.
ویستخدمون أی وسیلة یتمكنون من خلالها تبلیغ الرسالة الخالدة كالوسائل الإعلامیة وغیرها وبالجملة یستخدمون الأسلوب والوسائل التي یرونها مناسبا لإيصال الدعوة الإسلامیة إلى عقول الشعب.
فليست مهمة العلماء إلا تبليغ رسالة الإسلام وتوضيح صورته للشعب والذود عنه ضد قوات العمیلة المعادية للإسلام .والرسول صل الله علیه وسلم كان مبلغاً لهذه الرسالة [ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وإن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إنَّ اللَّهَ لايَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ ].
وإن الله تعالی جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة لمن اتبعه فقال [ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ ]
ونحن نُطالب بالاقتداء بالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وفي نشر هذه الرسالة والحفاظ عليها، و ذلك يتطلب منا أن نبذل أضعاف ما نبذل من الجهد، وأن ننهض للذود عن أنفسنا وعن الشعب المسلم الذين تعبث بهم قوات الصلیبیة وأذیالها،
والعلماء مسئولون لا محالة عن علمهم الذي علمهم الله ـ عز وجل ـ إياهم، واستحفظهم عليه لأداء واجبهم تجاه مجتمعهم الإسلامي ودينهم الحنيف.
أحفظوا أم ضيعوا؟ أدُّوا أم فرَّطوا؟ تركوا الساحة للاحتلال أم مزقوا مؤامراته بالدعوة الإسلامية؟