حوارات وتقارير

مواقف ومآثر من حياة أمير المؤمنين الراحل..!!

بقلم: موسى فرهاد

يصادف اليوم (الرابع من شهر ثور 1399 من التقويم الهجري الشمسي) الذكرى السابعة لرحيل أمير المؤمنين. فقد رحل الملا محمد عمر رحمه الله قبل سبع سنوات في نفس هذا اليوم من هذه الدار الفانية إلى الحياة الأبدية، تغمده الله برحمته الخاصة في جواره العظيم.

لقد قيلَ وكُتِبَ الكثير عن سيرة حياة ‘عمر الثالث’ سماحة أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد رحمه الله وجوانب من حياته الشخصية، نمر عليها هنا فنشارككم بعض الذكريات القصيرة عنه، تاركين لكم حرية المقارنة والحكم عليه.

توضيح: يسمي الأفغان الملا رحمه الله بعمر الثالث من باب الثناء على حكمه بعد عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما.

لكن قبل ذلك أود أن أذكر بعض سماته المعروفة، فقد كان حقاً شخصية فريدة وصادقة وطاهرة في هذا الزمان، كما قال التابعي الشهير سفيان الثوري رحمه الله “من عرف نفسه لا يضره ما يقوله الناس فيه”.

ويبدو أن الملا عرف نفسه وطريقه جيداً، ولهذا انهزم أمامه العدو المتغطرس المتجبر بصواريخه الكروز، وبطائراته المُسيرة التي تقصف بلا رحمة، وبمكينته الإعلامية التي تضخ سمومها على مدار الساعة.

وكما شابه الاسم الاسم، شابه الخُلُق الخُلُق؛ فقد تميز الملا عمر بالصدق التام مثل عمر فاروق، فلم يكن بالخِبّ ولا الخب يخدعه حتى نهاية حياته، بحسب ما ذكر الملا عبد السلام ضعيف المعتقل السابق في غوانتامو.

وقد تميز سماحة الملا بعدة صفات:

فقد كان منقاداً لشريعة رب العالمين، وتقي النفس، وحسن الخلق، وعفيف اللسان. كان يبغض الكذب والخداع والغش، ولم يكن يتحدث بلا ضرورة ودون داعٍ، وكان يستمع باهتمام إلى كلام الآخرين، وقلّما تشاجر في الكلام مع أي أحد، وفياً بوعده، تخرج منه الكلمات بعفويةٍ من قلبه، وكان يکره العصبيات العرقية واللغوية والمناطقية كرهاً شديداً، ولم يكن يحب الظلم أو يفعله، وكان صاحب إرادة قوية ويعمل في جميع أموره بحسم.

وهنا نذكر بعض مآثره العظيمة وقصصه الباهرة:

1- سأله مراسل قناة البي بي سي: إذا كنتم متعاطفين مع مسلمي الشيشان، هل ستساعدونهم بالفعل وهل أنتم مستعدون للقيام ذلك؟
فأجابه بعبارة ريفية قصيرة وبسيطة لكنها شاملة وذات معزى: “إن أقدامنا متعثرة في أحذيتنا” ويعني بأنّنا نعاني من مشاكل داخلية، فكيف بنا نساعد المسلمين الآخرين وخاصة الشيشان.

2- يقول أحد الأصدقاء المقربين من الملا: ذات مرة كان الملا في مكتبه بقندهار، إذ أُحْضِرَ له الغداء –وكان الطعام لحم خروف – فعندما رآه بدأ يفكر واستغرق في التفكير دون أن يمدّ يده للطعام، فسألته بماذا تفكر؟ فأجابني الملا: هل يجوز لنا أن نأكل من هذا الطعام؟ فلربما لا ينال المجاهدون وعامة الناس مثل هذا الطّعام إلا القليل منهم.

يقول لي هذا الصديق، أنا قلت له: رُوِي عن العلامة الهندي الشهير المولوي أشرف علي تهانوي رحمه الله -عاش قبل مائة سنة تقريباً- أنه كان يتفطر كل صباحٍ بطعام قيمته خمسين روبية هندية –وكانت كثيرة آنذاك- لكنه كان كان يعتبره مناسباً لنفسه لأنه كان يخدم المسلمين، ويمكنكم أيضاً تناول هذا الطعام المتميز نسبياً، لأن الإرهاق الزائد يضعفكم ويؤذيكم عن أداء مهامكم، فعندئذ ارتاح.

3- يقول سائق الملا: خرجنا ذات يوم إلى المقبرة الأثرية لشهداء ميوند، وبينما نحن عائدون قبيل غروب الشمس إذ نزلت أمطارٌ غزيرة، ومن قلب الصحراء البعيدة لاحظ الملا خيالاً كأنه لرجلٍ يمشي، فقال الملا: أرى في الأفق خيالاً كأنه لرجلٍ، فماذا عساه يفعل في هذه الأمطار وسط الصحراء؟ ثم أمرني بالتوجه نحوه، فلما وصلنا إليه تبين لنا أنه بدوي وكان ذاهباً لخيمته في الطرف الآخر من ذاك الجبل، فقال له الملا: اركب معنا! وأوصلناه إلى خيمته والمطر الغزير يهطل علينا، ومن كثرة الطين والوحل تأخرنا كثيراً حتى وصلنا إلى مكتبنا حوالي منتصف الليل.

4- يروي لنا شهود عيان حضروا حادثة اختطاف طائرة هندية مليئة بالركاب. حيث كانت تحلق فوق مطاري قندهار وكابل بينما كانت تحاول نيل الإذن بالهبوط، إلى أن وصل الأمر إلى الملا. وبما أنه لم يكن أحد يعرف حقيقة ما يجري، لذلك كان من الصعب علیهم اتخاذ القرار بحقها؛ لكن الملا قال حين تشاور مع الشيوخ: “دعونا نسمح لهم بالهبوط بنية صافية، فإن كانوا مسلمين قدمنا لهم المساعدة على أساس الأخوة الإسلامية والبشرية، وإن كانوا غير مسلمين ساعدناهم كذلك على أساس البشرية، وطالما فعلنا ذلك بحسن نيةٍ، سيحمينا الله سبحانه وتعالى من كل مكروه، وسيمنحنا الكرامة والنجاح.” وبعده سمح للطائرة بالهبوط وفعلا انتهت الصفقة بنهاية مُشرفةٍ للأفغان.

توضيح: تبين أن مطالب من خطفوا الطائرة الهندية كانت تنص على إطلاق سراح أسرى مسلمين لدى الحكومة الهندية مقابل اطلاق سراح الركاب الهندوس، وانتهت القضية بتبادل الأسرى.

5- أما قصة أسفنديار ولي خان الشهيرة، حيثُ ذكر أن وزير الداخلية الباكستانية-في حكومة بو نظير بوتو- نصير الله خان بابر حكى له بنفسه: “ذهبت إلى قندهار والتقيت بالملا محمد عمر، وعند تناول الطعام قلت له، سيد الملا! لو تعترفون رسمياً على ديورند (الخط الحدودي بين أفغانستان وباكستان والذي رسمه الاستعمار البريطاني قبل مائة سنة وهو يغْبن حق أفغانستان في الكثير من المناطق الباكستانية القبلية والتي تتبع عرقيا لأفغانستان) سيتم حل جميع المشاكل معها. يضيف بابر أن الملا قال لي بنبرة قوية للغاية فوراً: انهض من هنا على الفور، لن أسمع منك هذا الكلام مرة ثانية!.

6- يقول مبعوث الإمارة الإسلامية في الأمم المتحدة إبان حكمها على أفغانستان عبد الحكيم مجاهد: “أتيت من نيويورك ببعض المقترحات عن أسامة بن لادن وعرضتها على السيد الملا، وأخبرته أنه يجب علينا إيجاد حلٍ لهذه المسألة، لأن الضغط الأمريكي آخذٌ في الازدياد” يقول عبد الحكيم فرَدّ عليّ السيد الملا: “نحن مسؤولون أمام الله وليس الولايات المتحدة الأمريكية، اذهب إلى كابل واعمل مع القادة الآخرين لإيجاد طريقة لا تضر بديننا وشرفنا الوطني، أنا أتفق معك.”

7- خلال فتح مدينة مزارشريف شمال أفغانستان، قُتِل ثمانية دبلوماسيين إيرانيين دون علم الملا ورضاه، فقدّم اعتذاراً لإيران لكنهم لم يقبلوا، وأعطوا إنذار حرب، فخاطبهم الملا عبر الإذاعة على النحو التالي: ” المولوية الإيرانية لا يقبل بها المسلمون كمسلمين، ولا يقبل بها الكفار ككفار، وأضاف: إذا هاجمتنا إيران فستدخل قواتنا الأراضي الإيرانية بعمق ثلاثين كيلو متراً.”

8- يروي أحد حراسه أنه أتى الجفاف ذات سنة واشتد بحيث لم تكن هناك أمطار، ونضبتْ المياه في الكثبان الرملية في قندهار وهلمند، فعانى البدو ومواشيهم من فقدان المياه، فعندما علم الملا بهذا الخبر، قال لأصحابه هلموا! لنتفقدهم بأنفسنا، فلما وصل إلى هناك كان وضع الناس مؤلماً للغاية، وذهب الملا بنفسه إلى بعض الخيام دون أن يتعرفوا عليه، فتكلم معهم. وعند الرجوع أمر والي قندهار ومسؤولي المطار عبر اللاسلكي برعاية المتضررين، وأنذرهم بكارثة إنسانية على وشك الوقوع، وأمرهم بنقلهم عبر الطائرات والسيارات إلى مكان توجد فيه المياه، وإيصال المياه للحيوانات عبر الصّهاريج. وبتقديم هذه الخدمات أُنقِذ البدو المتضررون ومواشيهم.

9- يقول المولوي وكيل أحمد متوكل: قد عُرِضَ مرارا وتكراراً على الملا زرع عين اصطناعية بدلاً من عينه اليمنى التي ذهبت في الجهاد لكن إجابته كانت: ” إنني إذا كنت في الآخرة سأواجه رب العالمين بعين واحدةٍ، فلا بأس بأن أعيش مع المخلوقين بعين واحدةٍ، ماذا عساني أن أفعل بمواد زائدة”.

والحوادث المذكورة أعلاه ما هو إلا غيض من فيض.

رحم الله القائد الراحل السيد الملا محمد عمر وتغمده برحمته الخاصة، وأن يديم بركاته خلفائه وأولاده وعائلته.

آمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى