
موقف “إمارة أفغانستان الإسلامية” من المنظمات الدولية الإنسانية
د. مروان شحادة
تواجه المنظمات الدولية الإنسانية، العاملة في مناطق النزاع المسلح غير الدولي مخاطر وتحديات ومعوقات متعددة الصور، تتراوح ما بين عدم تنفيذ الخطط والبرامج والمشاريع التي وضعتها، والتهديد الذي يرافق العاملين، سواء بالتضييق على الحركة أو الاختطاف أو القتل، وغير ذلك من مخاطر تساهم في توقف نشاطات تلك المنظمات.
خلال العقدين الماضيين؛ ساهمت “إمارة أفغانستان الإسلامية” إبان سيطرتها الأولى والأخيرة على السلطة في أفغانستان، في التخلص من المعوقات والتحديات التي تواجه المنظمات الدولية الإنسانية الطبية والإغاثية العاملة في البلاد، والتخفيف من المخاطر التي تتعرض لها تلك المنظمات والعاملين لديها بسبب طبيعة العمل وبيئة النزاع المسلح.
وقد بينت “إمارة أفغانستان الإسلامية”، موقفها الإيجابي من عمل المنظمات الدولية الإنسانية بشكل عام، على الرغم من أنها تتحفظ على نشاطات بعضها في ظروف محددة، حيث ذكرت في هذا الصدد: “وإن موقف الإمارة الإسلامية تجاه المؤسسات الدولية التي تقوم بفعالياتها وأنشطتها في المجتمع بحيادية، وليس لها أهداف سيئة، وأنها ستدعم فعالياتها قدر استطاعتها، ومن أجل إزالة الشكوك والملاحظات فإننا نأمل من هذه المؤسسات بأن تواصل فعالياتها بشفافية، وتنسيق مع الإمارة الإسلامية”[1].
وكانت حركة طالبان الأفغانية – يطلق عليها اسم الحركة بعدما فقدت السلطة- من أولى الجماعات التي وضعت دليلا لقواعد السلوك، خاصا بعمل المنظمات الدولية الإنسانية والشركات الخاصة، بينت فيه الشروط العامة والخاصة لممارسة نشاطات تلك المنظمات والشركات الخاصة، والتصاريح اللازمة التي تصدرها الإمارة لبدء العمل وتنظمه داخل حدود الإمارة، وبعد انتهاء أعمالها[2].
وقد تضمن هذا الميثاق، الشروط العامة والخاصة والجهة المعنية بإصدار الرخص والتصاريح للمنظمات الدولية الإنسانية والشركات الأجنبية الخاصة التي تنوي القيام بنشاطات داخل أفغانستان، وضوابط قانون الحرب المتعلقة باستخدام القوة، ومعاملة الأسرى والجواسيس، وكذلك معاملة المدنيين، وبما يتوافق مع الشريعة الإسلامية الغراء.
كما وضعت الحركة، في البند التاسع من نظامها الداخلي، شروط عمل المنظمات الدولية غير الحكومية والشركات الخاصة ومراقبتها [3]، وقد نص هذا البند على شروط الحصول على ترخيص مسبق لعمل تلك المنظمات أو الشركات الخاصة، من الجهة التي تحددها الحركة، ونص البند على ما يلي: “فيما يتعلق بشؤون المنظمات غير الحكومية والشركات الخاصة، يجب على المسؤولين الإداريين اتباع إرشادات اللجنة لترتيب ومراقبة الشركات والمؤسسات بطبيعة الحال، إذا نشأ خلاف بينما يتشاور المسؤولون واللجان من جهة أخرى حول شيء ما، تطلب اللجنة توجيهات القيادة، ولا يحق لمسؤولي المقاطعات والمجموعات وممثلي المنظمات والشركات في مقاطعاتهم اتخاذ قراراتهم الخاصة بشؤون المنظمات غير الحكومية والشركات الخاصة”.
حركة “طالبان الأفغانية” واستهداف المدنيين:
منذ الاحتلال الأمريكي لأفغانستان عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، تولت حركة طالبان الأفغانية عملية مقاومة الاحتلال بتزعمها الثورة الأفغانية، وقد آلت على نفسها أن تبقى حركة أفغانية وطنية لا تقاتل الدول التي شاركت في قتالها خارج حدودها.
وقد تداول الإعلام المحلي والأجنبي في أفغانستان، أخباراً تتعلق بقيام الحركة باستهداف المدنيين، وقامت الحركة بالرد على تلك الاتهامات في البيان الذي أصدرته، إذ استنكرت اتهامها باستهداف المدنيين من العاملين في منظمة أمريكية دولية غير إنسانية، مشيرة إلى تحفظها على عمل بعض المنظمات الدولية الإنسانية، وتوقفها عن توفير الحماية للعاملين فيها، بسبب ما وصفته عدم رضاها عن بعض نشاطاتها، وأوضحت ذلك في دليل المجاهدين الذي يشرح قواعد السلوك أثناء العمليات العسكرية، والذي تناول جانباً من عدم استهداف المدنيين.
وأن ذلك ليس من سياستها، ومما جاء في بيانها: “خلال الأشهر الأخيرة ارتفعت نسبة استهداف الأهداف المدنية من قبل القوات المحتلة، والإدارة العميلة وخاصة في المناطق التي تخضع لحكم الإمارة الإسلامية، ونتيجة لذلك وقعت خسائر مادية وبشرية في صفوف المدنيين، واستهدفت مراراً المستشفيات، والمساجد، والمرافق العامة”[4].
“.. ولم تكتفِ قوات التحالف الدولي بذلك؛ بل في شهر رمضان المبارك استهدفوا المعتقلين العزل، وأطلقوا عليهم النيران في سجن “بلتشرخي”، حيث راح ضحية ذلك العدوان ما يقارب 15 ما بين قتيل وجريح، وإضافة إلى ذلك قطعوا عنهم الطعام، والشراب، وغيرها من لوازم المعيشة، وذلك من أجل أن يضغطوا عليهم لكي ينقادوا لمطالبهم غير المشروعة… والإمارة الإسلامية لا تؤمن بالثأر والانتقام خاصة عندما يتعلق الأمر بالخسائر المدنية، أو المرافق والمنشآت العامة. وأن ديننا وعقيدتنا وسياستنا لا تسمح للمجاهدين بأن ينحطوا إلى مستوى العدو، ويستهدفوا المدنيين في المناطق التي تحت سيطرتهم، أو يعاملوا أسرى العدو المعاملة نفسها، ويعلم الأفغان جيداً بأنه بشكل يومي يتم استهداف المنازل، والمساجد، والمدراس، والسجون، والمستوصفات في المناطق التي تخضع لحكم الإمارة الإسلامية، وجنود إدارة كابل العميلة لمجرد أن المجاهدين باتوا في قرية؛ يقومون بقصفها ويبيدونها بالكامل”[5].
من الواضح؛ أن “إمارة أفغانستان الإسلامية” سواء كانت في السلطة أو خارجها – أثناء عمليات مقاومة الاحتلال الأجنبي-، حرصت على توفير البيئة الآمنة وتقديم عهد الأمان للمنظمات الدولية الإنسانية وللعاملين فيها، طالما أنها لم تخالف التعليمات التي وضعتها والشروط التي سمحت لها بالعمل في الأراضي الأفغانية.
وأن سلوك “الإمارة” من الممكن أن يكون أنموذجاً يحتذى به من قبل الجماعات الإسلامية المسلحة الأخرى، التي تنشط في مناطق أخرى من العالم وتشهد نزاعات مسلحة غير دولية.
__________________
[1] بيان إمارة أفغانستان الإسلامية بعنوان: “استهداف الأهداف المدنية ليست من سياسة الإمارة الإسلامية”.
[2] Kate Clark. “The Taleban Code of Conduct”, English version, page 2, http://theirwords.org/media/transfer/doc/ut_af_taliban_2010_2009_2006_03-770d9eb55e1984c68f4c994e8c354204.pdf
[3] http://theirwords.org/media/transfer/doc/ut_af_taliban_2010_2009_2006_03-770d9eb55e1984c68f4c994e8c354204.pdf
[4] بيان إمارة أفغانستان الإسلامية بعنوان: “استهداف الأهداف المدنية ليست من سياسة الإمارة الإسلامية”.
[5] المرجع السابق.