اتسع الخرق على الراقع!
مع بداية احتلال بلادنا كان المحتلون يحسبون أفغانستان لقمة سائغة ويزعمون أن كل ما في الأمر أنهم يحتاجون إلى ستة أشهر لإرساء الديمقراطية الغربية وبسط الأمن والاستقرار في ربوع البلاد، كما ظن الكثيرون أن تجربة هذا الاحتلال ستكون على عكس تجربة السوفييت، والدليل أن المحتل حصل هذه المرة على دعم دولي امتد من الشرق إلى الغرب واكتسب المساندة الاقليمية من دول الجوار والمسايرة المحلية للعملاء المتمثلة بالتحالف الشمالي الذي سخر كل ما في وسعه للغازي المعتدي في سبيل إسقاط نظام الإمارة الإسلامية في أفغانستان.
يُقال إن من أقسى ما تتعرض له النفس البشرية أن يُقدم لها الزائف في صورة الأصيل، وأن يعرف مقدِّم الزيف أنه أعجز بكثير مما يتصور نفسه رغم أن بين يديه من الإمكانيات ما يستطيع أن يسحق به جماجم الناس، وتبقى هذه المعادلة العرجاء قائمة حتى يدخل إلى الساحة عامل جديد ليبوح بالحقيقة الأصيلة.
ومؤخراً، وبعد مرور خمسة عشر عاماً تقريباً على احتلال أفغانستان؛ حذر المفتش الأمريكي العام – لما يسمى – إعادة إعمار أفغانستان في تقريره للكونجرس في أمريكا أنه «بعد مرور عام على تسليم قوات التحالف مقاليد مسؤولية إرساء الأمن في البلاد لقوات الدفاع الوطني، وقوات الأمن الأفغانية، وجدت القوات الأمريكية والبريطانية نفسها مضطرة لتقديم الدعم للقوات الأفغانية، في قتالها ضد حركة «طالبان» التي تسيطر الآن على المزيد من الأراضي أكثر مما كانت تسيطر عليه في أي وقت مضى منذ عام 2001».
وأضاف أن «ثمة تقديرات تشير إلى أن نحو 30% من مساحة البلاد تخضع لسيطرة طالبان، رغم عدد المرات التي تتغير فيها اليد العليا بين قوات الأمن الأفغانية وطالبان، مما يعني أن هناك الكثير من الأراضي «المتنازع عليها» في أي وقت، لذا لا يمكن تحديد نسبة دقيقة». وأشار المفتش إلى تبديد عشرات المليارات من الدولارات وانعدام الأمن بصورة عامة، محذراً من أن الوضع في أفغانستان يزداد سوءاً بكل المقاييس.
كما أكد القائد الأعلى للقوات الأطلسية في أفغانستان أو ما يُعرف بقوات الدعم الحازم الجنرال الأمريكي «جون كيمبل» المنتهية ولايته أن القوات الأفغانية تواجه أوضاعاً ميدانية صعبة لا يمكن لها السيطرة على الوضع الميداني لوحدها وسط زيادة خسائر القوات الأفغانية.
وتابع هذا الجنرال أن خسائر قوات الأمن الأفغانية ازدادت في عام 2015م بنسبة 42% مقارنة بعام 2014م. وكان العام الماضي أعنف عام في أفغانستان، حيث فقدت القوات الأفغانية في العام 2015م نحو (8000) عنصر مما يرفع نسبة القتلى اليومية للقوات الأفغانية إلى 22 قتيل.
هذا وميدانياً اعترف حاكم إقليم هلمند مؤخراً أن 65 جندياً أفغانياً على الأقل انشقوا وانضموا إلى حركة «طالبان» مع أسلحتهم وعتادهم، بينما قتل 88 آخرون في قتال عنيف استمر أياماً في إقليم هلمند المضطرب في جنوب البلاد. وخاضت الشرطة والجيش معارك شبه مستمرة مع الطالبان في الأسابيع الماضية في مناطق لشكركاه ومارجة ونادعلي في هلمند.
وأقرّ حاكم هلمند بـ «انضمام جنود من لواء بالجيش في المنطقة إلى طالبان بمعداتهم وأسلحتهم»، موضحاً أن فريقاً أرسل إلى بلدة سانجين للتحقيق في الواقعة. وقال الناطق باسم الإمارة الإسلامية في بيان، أن خمسة قياديين و65 جندياً في الجيش «تابوا عن خطاياهم واستسلموا للمجاهدين»، وسلموا خمس ناقلات جنود مدرعة وأسلحة وذخيرة. وبتاريخ 2 فبراير استسلم 11 من الجنود في نفس الإقليم وبحوزتهم أسلحة وعتاد.
وهناك عوامل شتى لتسليم الجنود أنفسهم، فبعد 15 شهراً من الانضمام للجيش، هرب لفتنت أمان الله من الخدمة ليصبح واحداً من آلاف الجنود الذين سئموا الحرب وشعروا بالإحباط، فما كان منهم إلا أن خلعوا الزي العسكري، الأمر الذي أضعف قوة الجيش العميل في منازلة الجند الأحرار.
وبالنسبة لأمان الله، تغير كل شيء في أواخر العام الماضي عندما وجد نفسه يقاتل ومعدته خاوية من دون أن يتقاضى راتبه، بينما كان المجاهدون بقذائف صاروخية ومدافع رشاشة يهاجمون قاعدته من كل الاتجاهات في معركة استمرت ثلاثة أيام. وجاءت القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير عندما تجاهل قادته طلبات إرسال تعزيزات إلى موقعه النائي، ونزف زملاؤه حتى الموت من حوله بسبب نقص الرعاية الطبية، وعندما انتهى الكمين انضم إلى ثلاثة من أصدقائه فخلعوا أرديتهم العسكرية وهجروا القاعدة الواقعة بالقرب من قندهار.
ليست هذه الحادثة الأولى والأخيرة بل تحدث يومياً حوادث مثلها في المحافظات الأخرى مثل بادغيس، فارياب، أرزجان، بدخشان وغيرها من محافظات البلاد. لقد أدرك هؤلاء الذين اغتروا بجبروت المحتلين أن الوقت قد حان لفرارهم، وأن لا فائدة في قتل إخوانهم من بني جلدتهم من المؤمنين المخلصين الذين اجتازوا مرحلة اختبار الصدق والأمانة إبان حكومتهم قبل احتلال البلاد.
لقد أدركوا أن موالاة الكفرة والمعتدين ذنب لا يغفره التاريخ والشعب أبداً، وقد عرفوا أن مصيرهم المحتوم هو الهلاك والبوار، وقبل أن يحدق بهم البلاء انسلوا من صفوف الجيش وانضموا إلى إخوانهم المجاهدين، وهذه بشائر النصر والتمكين تلوح في الأفق. لقد أحسن هؤلاء بصنيعهم؛ لأن النصر للمجاهدين آتٍ بمشيئة الله، ولا فائدة في التعنت والعناد، فغيروا ولائهم واصطفوا جنب إخوانهم لطرد المحتل وكسب الحرية.
ومن جانب آخر، هناك جنود مجاهدون لما أحسوا إصرار رفاقهم العملاء على القتل والدمار والنهب والفساد؛ قتلوهم وانضموا إلى قافلة الأحرار على سبيل المثال:
في الأسبوع الأول من العام الحالي قُتل ثلاثة من أفراد الشرطة العميلة بينهم قائدهم بهجوم نفذه زملاؤهم في نقطة للتفتيش في حادث ليس هو الأول من نوعه، ووقع الحادث في منطقة خاكريز التابعة لولاية قندهار الواقعة في جنوب شرق أفغانستان، واستولوا على أسلحة الشرطة وتمكنوا من العودة إلى مراكزالمجاهدين.
كما اعترف مسؤولون حكوميون أن شرطياً، يشتبه في تعاونه مع الطالبان، بتاريخ 26 يناير 2016م خدّر عشرة من زملائه وقتلهم بإطلاق النار عليهم في ولاية أرزجان جنوبي البلاد. وأضافوا أنه غنم أسلحتهم ثم أشعل النار في مخفرهم. وقد قتل أكثر من 100 من الجنود ورجال الشرطة في هجمات المتعاونين مع المجاهدين الذين تسللوا إلى هذه الأجهزة الأمنية في العام الجاري.
وفي السياق نفسه أفادت تقارير أن أربعة من رجال الشرطة أطلقوا النار على تسعة من زملائهم في ولاية أرزجان بمنطقة تشار تشينو ثم انضموا إلى حركة طالبان الإسلامية مع أسلحتهم ومعداتهم.
نعم إنهم يتقنون تكتيكات تبديل الولاءات والقدرة على الاندماج في صفوف الأعداء ثم العودة إلى المعسكر الذي ينتمون إليه أصلاً. وفي السابق انشق الجنود الأفغان عن الجيش البريطاني عندما دقّت ساعة الحسم في الحرب الأفغانية البريطانية الثانية 1878-1880، ثم حدث ذلك ثانية إبان 1979-1989، واليوم يعيد التاريخ نفسه حيث يوجه العسكر الأفغاني فوهات بنادقهم إلى صدور عناصر الأعداء متى ما سنحت لهم الفرصة المناسبة، ولقد اتسع الخرق على الراقع كما يقولون.