مقالات الأعداد السابقة

نؤمن بحرية الصحافة ولكن…

أبو أسامة

 

نحن نؤمن بحرية الإعلام والصحافة، لا شك في ذلك، لابد أن يكون الإعلام حراً، ولكن نعني بالحرية الحريةَ المسؤولة، الحرية المنضبطة بأعرافنا الأفغانية، وآدابنا الأخلاقية والدينية والاجتماعية، والمنضبطة بعقائد الإسلام وأصوله. نؤمن بحرية الصحافة، ولكن الحرية التي تهدي ولا تُضل، والتي تنبي ولا تهدم، والتي تُصلح ولا تُفسد، والتي تبني الثقة بين المواطنين والحكومة. نؤمن بحرية الصحافة التي تنير الطريق للمواطنين وتهديهم من الظلمات إلى النور، والتي تسعى جاهدة إلى توحيد صفوف المسلمين ولمّ شملهم، وإصلاح ذات بينهم، التي توجّه الناس دوماً إلى الخير والصلاح والبناء وجمع الصف، وتوحيد الكلمة، وتقريب الفرقاء، والتي لا تفرق وحدة المسلمين ولا تشق عصاهم، ولا تفرق جماعتهم. نؤمن بحرية الصحافة التي تتعاون على البرّ والتقوى، ولا تتعاون على الإثم والعدوان.

 

لا يسمح الإسلام بصحافة تُفسد شبّاننا وشاباتنا، وتضل نساءنا، وتفسد أخلاقنا، وتمس كرامتنا، وتنتهك حرماتنا، وتدوس شرفنا، وتحطم أمجادنا، وتزوّر تاريخنا، وتؤجج بين الشعب حربا أهلية بإشارة من السياسيين المنهزمين الهاربين. لا يسمح الإسلام بصحافة تؤجج مشاعر الحقد والكراهية، وتستحث الناس على الانتقام والثأر، وتثير بين الناس النعرات القومية النجسة، والنزعات الإنفصالية العفنة التي ليس وراءها إلا أعداءنا. لا نسمح بصحافة تدعو إلى الإلحاد والعلمانية واللادينية، وتشكك المسلمين في دينهم، وتزرع في قلوبهم النفاق، وتستحث شبابنا على الشهوة وتدفع شاباتنا نحو الدعارة والفحشاء والتبرج. وشعبنا (طبعا) لا يسمح بصحافة هذه صفاتها، وهذه أفعالها، إنّ شعبنا (بحمد الله رب العالمين) شعب مسلم غيور على دينه وحرماته، غيور على حجاب المرأة وعفافها، محافظ ملتزم بآدابه ومقدساته وأعرافه.

 

لم نُنكر أبدا حرية الصحافة، ولكن اسمعوا وعوا أن ليس في ديننا وفي مجتمعنا وفي أعرافنا حرية مطلقة سقفها السماء (كما يقولون)، وحتى المنادون بحرية الصحافة لا يريدون الحرية المطلقة للصحافة لبلادهم وحلفائهم، وإنما يريدونها لبلاد الإسلام فقط، والحرية المطلقة لها معنى واحد، وهو الجنون المطلق أو الفوضى العارمة التي تُفسد كل شيء وتُخرّب كل شيء وتهدم كل شيء وتحرّف كل شيء. إن الحرية بحاجة دوما إلى حماية، وإلا تنقلب فوضى، تصيب المجتمع في مقوماته وقيمه ومبادئه، وتهدد أمن وحقوق الآخرين، وتضلل الرأي العامّ وتنشر الأكاذيب والأراجيف، وتثير الناس. لذلك فالصحافة حرّة؛ ما لم تخالف عقائد الإسلام وأصوله. الصحافة حرة؛ ما لم تتناقض مع مصالح الوطن والوحدة الوطنية وتماسك المجتمع. الصحافة حرة؛ ما لم تنحرف عن الحياد. الصحافة حرة؛ ما لم تخن ديننا ووطننا وشعبنا. الصحافة حرة؛ ما لم تخدم أعداءنا على حساب دينا ومصالحنا الوطنية.

 

الصحافة لا شك حارسة لحريات الناس وحقوق المجتمع، ولكنها في ذات الوقت بحاجة ماسة لمن يحرسها هي ويراقبها هي، وإلا تنقلب سيفا بأيدي اللصوص، لذلك لابد من وضع حدود فاصلة بين حرية الصحافة والفوضوية المطلقة، (أو بتعبير أكثر صراحة) لا بدّ أن نقيّد حريات الصحافة حتى نصون حريات وحقوق المجتمع. وطبعا للصحافة قواعدها وشروطها وآدابها وأخلاقياتها، لا نستطيع أن نضع حبل الصحافة على غاربها، لتنشر ما تشاء وقتما تشاء أينما تشاء، وإنما يجب أن تستشعر الصحافة مسؤوليتها عن كل كلمة تنطقها أو تكتبها، عن كل نبأ تنشره، لأن الصحافي سوف يُسأل (إن لم نسأله نحن) أمام الله يوم القيامة.

 

وما من كاتب إلا سيفنى *** ويُبقي الدهرُ ما كتبت يداه

فلا تكتب بخطك غير شيء *** يسرُّك في القيامة أن تراه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى