نريد السلام ونرفض الإستسلام
بقلم الأستاذ: وصيل
لقد توالت الحروب على بلاد الأفغان وتتالت مظالم الطغاة عليهم، وقد تجشم الأفغان المصائب، وتقحموا المهالك وعانوا من الويلات تلو الويلات، وتجرعوا مرارة الدمار والمجازر التي تتعرض لها أرضهم منذ عقود عديدة، والتي أشعلت نيرانها أنظمة الظلم والطغيان (الاتحاد السوفيتي وأمريكا)، مما جعل الأفغان في أمس الحاجة وأشدها إلى السلام الحقيقي.
وتستغل ملل الكفر حاجتهم هذه استغلالاً سيئاً، حيث تعبث بهم وتستخف بعقولهم، وتريد تضليلهم بترديد شعارات مزورة وخادعة للسلام في أفغانستان.
انتهاكات وجرائم تحت عباءة السلام:
إن أمريكا تمارس الجرائم والانتهاكات في أفغانستان تحت عباءة السلام، فقد شهد الثقلان أن بلاد الأفغان كانت مهداً للأمن والسلام قبل الاحتلال الأمريكي، حتى جاءت أمريكا وشنت حملة صليبية شرسة على أفغانستان بذريعة “إحلال السلام” في المنطقة، وأطلقت على قواتها المحتلة اسم: (قوات حفظ السلام) زوراً وبهتاناً، وأخلّت بأمن واستقرار المنطقة بأكملها، وزرعت الفتن ونشرت الفوضى والحروب والقتل والدمار في أرجائها.
إن أمريكا وعملاءها، وإن كانوا يتشدقون في وسائل الإعلام ويؤكدون على الحل السلمي لقضية أفغانستان، إلا أنهم يبحثون عن الحل الدموي، وحاشا أن يجدوه. إنهم يريدون التضحية بجميع سكان أفغانستان لاستتباب الأمن فيها، وتشهد جرائمهم المتكررة الممنهجة على هذا. وليست هذه السياسة الدموية لأمريكا مقتصرة على أفغانستان فقط، بل هي تشن الحروب في جميع أنحاء العالم الإسلامي بذريعة إحلال السلام.
ولنعم ما قال الأستاذ /صالح بن علي بن الكناني:
باسم السلام يسوقنا جزَّارنا
باسم السلام نسام كالأنعــامِ
استمرار النزيف الدموي خيار الإحتلال في المنطقة:
إن أمريكا لا ترغب بالسلام في المنطقة لأنها ما جاءت لأجله، بل خيارها هو استمرار الحرب فيها، وهذا ما اعترف به عدد من أعضاء البرلمان والشخصيات السياسية الأفغانية في تصريحاتهم لوسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، حيث صرحوا: “بأن أمريكا لا تريد السلام وإنهاء الحرب في أفغانستان، بل خيارها هو استمرار الحرب فيها”.
ويدل على ما قلنا سعيها بكل الإمكانيات المتاحة لإذكاء الفتن الداخلية بين الشعب الأفغاني من إثارة النعرات الطائفية والعرقية والتي قد تؤدي إلى الإنزلاق في وحل الصراعات الأهلية لا قدر الله.
التلاعب بمفهوم السلام:
من مجموعة الألفاظ التي حرّفت أمريكا معانيها لفظة “السلام”، فنحن نرى أنها تتلاعب بمفهومها، فهي تطلقها في غير موضعها وتريد منها معنى مغايراً لها تماماً.
فمعنى لفظة “السلام” في قاموسها هو: الاستسلام وإلقاء السلاح أمام الاحتلال والانصياع لأوامره.
ففي حين يدّعون أنهم سفراء للسلام ويهتمون بانعقاد المؤتمرات باسم السلام هنا وهناك ويرددون شعاراته، تجدهم في نفس الوقت وفي حقيقة أمرهم يقومون بأعمال منافية ومناقضة له، حيث يقصفون ويدمرون ويعذبون وينكّلون ويقتلون الأطفال والنساء والشيوخ بكل حرية والعالم ساكت لا يحرك ساكناً لمنع وقوع هذه الجرائم الوحشية.
والعجب أنها توجه دعوات الاستسلام للمجاهدين، بينما تصرّ على الحرب وتشعل نيرانها وتصب الزيت عليها، وترسل مزيداً من القوات وتمنحهم صلاحيات القصف والمداهمات والمشاركة في الاشتباكات ضد مجاهدي طالبان.
إن أمريكا تريد من سياستها هذه التهرب من المسؤولية، وإلقاء اللائمة على المجاهدين “بأنهم لا يريدون السلام وأنهم تسببوا بدوامة الحرب في أفغانستان”.
نريد السلام ونرفض الإستسلام:
ليعلم العالم أننا نحب السلام ونرفض الإستسلام أمام عدو احتل بلادنا، فلا سلام مع الاحتلال.
لا مهادنة ولا مداهنة مع المحتلين. هذا هو موقف الأحرار الشرفاء من الشعب الأفغاني تجاه الإحتلال.
إننا مضطرون للدفاع عن ديننا وأنفسنا وأراضينا. إننا نقاتل من يسلب منّا حق الحياة الآمنة الكريمة.
إننا نرفض السلام الذي يفرض علينا القوانين الوضعية المعادية لشرع الله.
نرفض السلام الذي يضيع علينا ثمرة الجهاد من تحكيم شرع الله وتحقيق آمال ملايين الشهداء.
واعلموا أن المقاومة الجهادية لا تتوقف باستسلام فلان أو علان.
عجباً! إنهم يريدون من المجاهدين الاستسلام أمام حكومة فاسدة فاشلة عميلة لا تملك من الأمر شيئاً.
لا سلام في ظل الاحتلال:
بعد خضوع بعض الناس واستسلامهم أمام المحتلين وعملائهم بتقديم التنازلات من جانب واحد فقط؛ اشتدت حملة إعلامية على المجاهدين بدعوتهم للاستسلام، وازداد التطبيل والدعاية لهذه الاستسلامات تحت مسمى السلام.
وكما أسلفنا أن أمريكا تريد السلام الذي يتماشى مع مصالحها وأهدافها الاستعمارية المشؤومة في المنطقة.
فعن أي سلام يتحدثون وبلاد الأفغان لازالت تعاني من وطأة الاحتلال الهمجي الوحشي، ولا زالت تشتكي من جرائم أمريكا ومجازرها؟
عن أي سلام يتحدثون وعشرات الآلاف من أبناء الشعب الأفغاني الصادقين لازالوا يقبعون وراء قضبان سجون الاحتلال وعملائه؟
كيف يستسلمون ولازالت أرضنا الطاهرة تدنسها أقدام الكفار النجسة، ولازالت أمريكا تتكبر وتستعلي علينا، ولازلنا تحت عدوان صارخ غاشم؟
كيف يستسلم المجاهدون أمام الأمريكان، وبلادنا لاتزال محتلة من قبلهم، طائراتهم تحلق في جوها، ويمرح جنودهم على أرضها، يقصفون ويرتكبون الجرائم كيفما شاءوا؟.
إن أمثال هذه الاستسلامات تساهم في إيجاد المبررات للتدخل الأجنبي في أفغانستان، وتمنحهم جواز قتل الأفغان واضطهادهم. وليت شعري كيف صار الإستسلام جائزاً أمام الإحتلال الغربي، بعد أن كان محرماً وردّة جامحة أمام الاحتلال السوفيتي؟
هل تناسى هؤلاء الجرائم الصليبية الأمريكية في أفغانستان أم يريدون منا أن نعطي الدنيّة في ديننا بالإستسلام؟
إن ذلك لن يكون، لن نساوم على ثوابتنا ومعتقداتنا؛ بل سنقاوم وسندافع عنها بكل قيمة، ولن نخون دماء شهداءنا الطاهرة الزكية إن شاء الله.
فلا زالت صرخات الثكالى وآهات المستضعفين تستنجد بنا، فهل تريدون منا أن نخذلهم؟
و هل من المعقول أن نضع أسلحتنا على الأرض والظلم لم يرتفع عن المظلومين في أفغانستان.
السلام الحقيقي:
إن تحقق السلام الحقيقي في المنطقة هو مرهون بالقضاء على مسببات الحرب في المنطقة، وبتعبير آخر: تحقيق السلام الحقيقي في أفغانستان مرهون بانسحاب المحتلين منها. وإن بإمكان أمريكا أن تساهم في إحلال السلام الحقيقي في أفغانستان وإيقاف حمام الدم فيها -إن كانت تريد ذلك- بإنهاء احتلال البلاد والكفّ عن التدخل في شؤون الآخرين. والمعادلة واضحة جدا فالحروب بدأت في المنطقة ببداية الاحتلال وستنتهي بنهايته.
وإن أرادت أمريكا الاستمرار في سياستها الاستعمارية، فستكون النتائج كارثية، والمسؤولية ستقع على عاتق من تسبب بدوران رحى الحرب في المنطقة.
فينبغي للعالم أن يدرك مأساة الشعب الأفغاني، ويتركه وشأنه، ويكف عن التدخل في شؤونه.
عيب عليكم أيها الأقوياء أن تدوسوا حق الشعب الأفغاني المنكوب والمضطهد في الحصول على حياة آمنة كريمة مستقرة.