نصّ كلمة أمير المؤمنين المولوي هبة الله اخندزاده (حفظه الله) في الذكرى الثالثة لتحرير أفغانستان
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد: فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، (ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ * ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ * مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ * إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ * ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ * صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ). آمين. صدق الله العلي العظيم، وصدق رسوله النبي الكريم. ونحن على ذلك من الشاهدين والشاكرين، والحمد لله رب العالمين.
أيها العلماء الكرام، والإخوة المجاهدون المخلصون لدين الله، وجميع المشاركين والحضور الكريم في هذا الاجتماع؛ بداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهنئ الجميع بهذا النصر والنجاح الكبير. أبارك لكم ولجميع المسلمين هذا النصر والفتح، وتقبل الله تضحيات جميع المجاهدين، وتقبل الله شهادة الشهداء من جميع المسلمين، تقبل الله جهودكم وجهود كل المخلصين والأتقياء الذين ساروا على هذا الدرب وبذلوا جهودهم لتحقيق الحرية أدامها الله.
أسال الله أن يجعل هذا اليوم يوم بركة وفتح ونصر مبين، وأن يجعل الله هذا اليوم سبباً للفلاح والنجاة للمسلمين. وكما حرر الله مسلمي أفغانستان في هذا اليوم من ظلم الكفر واحتلاله؛ أسال الله أن يحرر جميع مسلمي العالم من ظلم الكفار ووحشيتهم وعدوانهم. وكما نصر الله مسلمي أفغانستان؛ نسأل الله أن يوفق جميع المسلمين للنصر في كل مكان.
أيها الإخوة الكرام، الحرية هذه -بالتأكيد- نعمة كبيرة وعظيمة من الله، ويجب علينا أن نحافظ على هذه النعمة. وحفظ النعمة يكون بشكر الله تعالى والتوجّه إليه، فالتمسوا رضوان الله، واحذروا سخطه، وطبّقوا شرع الله، فإن من أهم واجباتنا؛ تطبيق شرع الله في الأرض، فواجبنا أن نقوم بخدمة دين الله.
لقد أعاننا الله في مثل هذا اليوم ومنحنا الظفر، فيجب علينا أن نقوم بأداء حقوق الله تعالى وشكره على منّته وعظيم إحسانه، وأن لا نُغضب الله تعالى وأن نكون أوفياء مع الله كما صدق الله وعده لنا (إن تنصروا الله ينصركم)، فيجب أن نكون في عون دين الله ونصرته كما أعاننا الله بعونه في النصر، وأن نبقى مخلصين لله ولا نترك دينه.
أيها الإخوة، مسؤوليتنا هي تحكيم الدين، وتنفيذ الدين، حتى الموت؛ هذه مسؤوليتنا، وهذه ليست مسؤولية مؤقتة، فطالما كنا على قيد الحياة سنطبق شرع الله على أنفسنا وعلى الآخرين. نسأل الله أن يهدينا ويهدي الآخرين بنا، ويصلحنا ويصلح الآخرين بنا، وأن يجعلنا سبباً في إصلاح عباده. ونسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمة هذه الحرية.
أيها الإخوة، لقد كان الجهاد والكفاح والنضال ناجحاً بالتأكيد. لدينا تجارب في أفغانستان عندما قدّم المجاهدون تضحيات في عهد الاحتلال السوفيتي، فتقبل الله تضحياتهم وأكرم المجاهدين بالفوز فهزموا القوات السوفيتية مقابل دمائهم وأرواحهم، فالله يأتي بالفرج بعد العسر، وبالتوفيق بعد المعاناة. ولكن عندما جاء الفرج تغيّر المسار فتغيّر الحال لوضع آخر. في كثير من الأحيان قد ينجح الإنسان في العسر، ولكن لا ينجح في اليُسر، وقد يُبتلى الإنسان باختبار آخر في وقت اليُسر فيفشل -لا سمح الله-.
الله وفقنا بفضله وقدّم الناس تضحيات كثيرة؛ فخرجنا من امتحان العسر ناجحين، ونسأله أن يجعلنا من الموفقين الناجحين في امتحان اليُسر.
الحمد لله نحن في حالة جيدة حتى الآن، ونحن راضون عن الله، ونسأل الله أن يرضى عنا، فالنظام الإسلامي هو النظام الشرعي الحاكم الآن، وحقوق المسلمين مصونة تحت ظله، وهناك سلامٌ وأمنٌ مستقرٌ، ورخاءٌ في وطننا، واليوم نعايش الأمن في كل أنحاء أفغانستان. جزى الله خيراً كل المجاهدين الذين جلبوا الأمن والأمان إلى أفغانستان، فهم السبب الظاهري، ولكن في الحقيقة هذا الأمن هو من عند الله سبحانه وتعالى، فنحمد الله على هذه النعمة. والحمد لله الجهود تُبذل من أجل النظام الإسلامي والشريعة. والنظام الإسلامي يزداد قوة يوماً بعد يوم.
وأطلب من جميع المجاهدين والإخوة المسلمين أن لا يتهاونوا في أداء مهامهم، لأن فقدان الحرية مرجعه الإهمال، فلا يمكنك أن تكون مهملاً، انتبه لشرع الله وحدوده جيداً، لا تضعوا في قلوبكم حب المناصب والجاه والدنيا، لا تتنافسوا في الدنيا والجاه وكسب المناصب والمقاعد كما تنافس الذين من قبلكم؛ فبدأوا الحروب وشكّلوا المجموعات والجماعات، وبدأت القومية والإقليمية والتبعيض، وشكّل كل فرد حكومته الخاصة. فابتعِدوا عن هذه الأمور، ووطدوا علاقاتكم، ولِينوا فيما بينكم، لأن في ذلك رضا الله ورضا الشعب. ولا تجعلوا المودة والعداء على أساس القرابة؛ فإن الله يقول لنبي من أنبيائه (إنه ليس من أهلك) لما فسد عمل ابنه وخرج عن طاعة الله. فأولياؤنا وأحباؤنا هم الذين رضي الله عنهم، وأعداؤنا هم أعداء دين الله. وهذا الأمر من أعلى درجات الإيمان؛ أن يوالي في الله، ويعادي في الله، أو يحب في الله ويبغض في الله، فاجعلوا هذه الصفة في أنفسكم، وافعلوا كل شيء لله وفي سبيله.
لا تجعلوا حب القوة والجاه في نفوسكم، وابتعدوا عن حب القومية، ولا يجوز أن يكون بينكم الانحياز المناطقي والجهوي، فلا يصح أن تقولوا: هو من الشمال، وهو من الجنوب، وهو من الشرق، وهو من الغرب، لا يصح أن توجد مثل هذه الأفكار عندكم؛ هذا فارسي، وهذا بشتوني، وذاك طاجيكي، وهذا أوزبكي، وهذا بلوشي. انظروا إن معيار الفضيلة هو الإسلام والتقوى فقط، فاجعلوا الإسلام والتقوى معيار علاقتكم وحافظوا على الأخوة بينكم، كما أمركم الله في هذه الآيه: (إنما المؤمنون إخوة). لو كنتم هكذا وبقيتم على نهج الشريعة؛ فسيبقي الله تعالى هذا النظام -إن شاء الله-. واعتنوا بمزيد من العناية في تطبيق هذا النظام الإسلامي؛ فطبقوه في بيوتكم، وفي قراكم، وفي أنفسكم، وعلى أصدقائكم، وأقاربكم، وحاولوا تحقيق العدالة؛ فالعدالة مهمة جداً. ولا تنسوا أن تطبقوا أمر الله على أنفسكم أولاً، ثم على بيوتكم، ثم على أقربائكم، ولا تفرقوا في تطبيق حكم الله بين الفقير والغني، سواءً أياً كان، واعدلوا في تحكيم شرع الله.
أيها المجاهدون والعلماء والقضاة وجميع الحضور، إذا كان هذا النظام الإسلامي قائماً على العدل، وكان يقضي بين الناس بالعدل؛ فسيكون هذا النظام موجوداً أيضاً وسيظل موجوداً إلى يوم القيامة، وإذا لم يحكم على أساس العدل؛ فسيزول هذا النظام، لا فرق بين الغني والفقير في الحكم، وإذا وقع الظلم ولم يكن هناك من يُنكره فسيزول هذا النظام. إذا كان كل شيء وإجراء يتم بالواسطة والعلاقات، وأُهمِلَت أمور الفقراء، وكان الأقوياء وأصحاب الواسطة في المقدمة؛ ستتدمر العدالة، ولن يبقى هذا النظام أبداً، ثم سيتدمّر هذا النظام، فابذلوا كل ما في وسعكم لتقدير وخدمة الفقراء -وهم المظلومون حقاً-؛ قدّروهم، أكرموهم.
انظروا واعلموا أن هذا البلد؛ أفغانستان، هو موطن المضطهدين، هذا موطن الشهداء، وهو موطن الجرحى، لا يوجد بيت في أفغانستان لم يصبه الحزن، ليس هناك بيت إلا وفيه شهيد أو جريح أو سجين، كل الناس الذين يعيشون هنا هم من المضطهدين والمنكوبين، فاخدموهم جيداً، وقدّروهم، واحترموهم.
وقد منحكم الله هذا النجاح اليوم، وهو نجاحٌ عظيم لم يتوقع أحد أبداً أن ياتي هكذا، لم يكن من المتوقع اقتلاع كل الشرو والفساد الذي زرعه الاحتلال دفعة واحدة بشكل كلي، لكن عندما انتهى الاحتلال انتهى كل الإجرام فالحمد لله، واختفى كل شر بطرد الاحتلال، وكل هذا حدث بعون الله، غلبهم الله، نعم، غلبهم الله بقوته، فاحمدوا الله تعالى، واسجدوا لله تعالى، وارحموا هؤلاء المسلمين.
لقد ارتكب الاحتلال فظائع كثيرة بحق هؤلاء المسلمين، طوال 24 أو 45 عاماً. ظُلِموا ونزحوا وعانوا الآلام والمعاناة. وحان الوقت لتضميد جراحهم؛ فلنخدمهم، ولنسأل الله التوفيق لخدمتهم، حتى نخدمهم في دنياهم ودينهم. أولاً: اخدموا الدين، وقوموا بخدمة دينهم، وعلّموا أولادهم الدين، علّموهم العلم، علّموهم العلم، علّموهم الإسلام. ويجب على جميعكم أن يتولى ويعتنق هذه المسؤولية؛ مسؤولية خدمة الدين وخدمة الإسلام. وفي الخطوة الثانية: عليكم أن تخدموا دنياهم، وتقدموا لهم الخدمات الاقتصادية، وتحافظوا على أموال المسلمين، وتوصلونها إلى مستحقيها من الأيتام والفقراء. وتفقّدوا أحوال الفقراء.
أسال الله أن يديم هذه الحرية، ونسأله أن يثبّت المسلمين على هذا النهج.
أيها الإخوة، ادعوا لمسؤوليكم ولولاة أموركم في صلواتكم، ادعوا لهم هكذا: اللهم ثبّت مسؤولينا، وارزقهم الاستقامة في تحكيم النظام الإسلامي في البلاد، ولا تجعل حب المنصب في قلوبهم يا رب، ولا تجعل في قلوبهم حب الدنيا، ولا تجعل في قلوبهم غِلاّ للذين آمنوا، واجعل اللهم في قلوبهم حبك وحب دينك وحب العدل، واجعل في قلوبهم حب خدمة الشريعة الإسلامية، وحب خدمة الناس. ادعوا لي أيضاً بصلاح أمري فيكم.
أنا قرأتُ في كتاب (الدرّ المختار)، والعلماء جالسون هنا، وقد كُتِبَ فيه أنه يجب على الرعية الدعاء لقادتهم وولاة أمورهم وأمرائهم، وقد وردت كلمة (يجب)، وتعني وجوب الدعاء للإمام، ومن لم يدعُ له؛ يأثم. فكما تدعون لوالديكم وتقولون اللهم اغفر لوالدينا؛ قل: اللهم يا مقلب القلوب، ثبّت قلوب ولاة أمورنا على دينك وحبك وطاعتك، وثبّت أميرنا واجعل اللهم العدل في قلبه. فلا سمح الله، لو تحوّلت قلوب المسؤولين إلى جانب آخر؛ تهلك الأمه كلها. وكما ندعو لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم أجمعين- والحسنين -رضي الله عنهما- وفاطمة -رضي الله عنها- في خطبة الجمعة، رغم أنهم من العشرة المبشرة بالجنة، وهم كانوا ولاة أمور المسلمين؛ فنحن أحوج الناس لدعائكم، نحن حكام آخر الزمان وقادتها، نحن ضعفاء جداً في العلم والتقوى، لا نستطيع أن نتحرك بدون دعوات المسلمين. وادعوا لجميع المسؤولين بالإخلاص، وأن يستقيم حالهم وتثبت قلوبهم على دين الله وطاعته -عز وجل-. إذا تحوّلت قلوبهم، مرة واحدة، إلى الجانب الآخر؛ فسنواجه مصيراً سيئاً وخطيراً للغاية، كما حدث من قبل.
تقبل الله لقاءكم وجَمْعَكم. وفي النهاية، أهنئكم -مرة أخرى- وأهنئ العلماء، وأهنئ جميع الأفغان والمسلمين كافة، أهنئكم من أعماق قلبي، بارك الله في جميع الحاضرين في هذا الاجتماع والحفل المبارك الكريم، بارك الله في المسلمين في جميع أنحاء العالم.
وادعوا الله بالفرج لإخوانكم في فلسطين؛ اللهم حرّر مسلمي فلسطين من بطش اليهود بالفتح المبين. نسأل الله أن يحرر أرض فلسطين من الأعداء كما حرر بلاد الأفغان. نسأل الله أن يحرر مسلمي فلسطين من بطش اليهود ومن ظلمهم وعدوانهم. ونسأل الله أن يحرر المسجد الأقصى وبيت المقدس وأن نشهد فتحه وانتصار المسلمين. نسأل الله أن يعاقب (إسرائيل) بعقابه الشديد الأليم كما عاقب فرعون ونمرود وشداد ابن عاد، واحفظ اللهم جميع المسلمين في العالم من بطش الظالمين ومن مكرهم وكيدهم وعقابهم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
لا أريد أن آخذ من وقتكم أكثر، أردتُ أن أهنئكم بهذا اليوم، وقد كنتُ سعيداً جداً بلقائكم وتجمعكم. خرجتُ من البيت بنية الأجر، بنية أن يكون هناك اجتماع للمسلمين وأن أدعو الله في هذا الاجتماع، لعل الله يتقبل دعائي. نسأل الله تعالى أن يتقبل دعاءنا في مقامه الأعلى. استحضروا الله في قلوبكم، وادعوه يستجب لكم، لأن هذا اللقاء مبارك. أجرى الله الخير على أيدي هؤلاء المسؤولين. آواكم الله. حفظكم الله من كل فتنة، وحفظ مسؤوليكم من فتن الدنيا. وأسال الله أن يحفظ جميع مسلمي العالم من كل فتنة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.