نص خطاب معالي الشيخ أمير خانْ متقي وزير الخارجية لإمارة أفغانستان الإسلامية في اجتماع صيغة موسكو
التاريخ: ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٣ / ١٤ربيع الأول ١٤٤٥
المكان: قازان، تتارستان
بسم الله الرحمن الرحيم، حامدًا ومصليا وبعد؛
في البداية أودّ أنْ أشكرَ حكومةَ الاتحاد الروسي، ولا سيّما السيّد سيرغي لافروف وزير الخارجية على ترتيبه لهذا الاجتماع، وعلى توجيهه دعوةً إلينا للمشاركة فيه نيابةً عن إمارة أفغانستان الإسلامية حتى نتمكن من التباحث مع المشاركين في هذا الاجتماع حول التطوّرات السياسية والأمنية والاقتصادية الأخيرة في أفغانستان.
أيها الحضور الكرام!
شارَك وفدُنا في اجتماع صيغة موسكو قبل عامين، في 16 أكتوبر 2021، وكان قد انتهى في ذلك الوقت احتلال الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي وإدارته العميلة لأفغانستان، وكانتْ إمارةُ أفغانستان الإسلامية في بداية القيام بأعمالها. في ذلك الوقت كانتْ هناك مخاوف عميقة وتساؤلات جدية لدى بعض الأطراف حول مستقبل الحُكم في أفغانستان، وإحياء المؤسسات الحكومية، وخاصّة تنشيط مؤسسات قطاع الأمن، والأوضاع الأمنية والمخدرات، ولكننا بعون الله تعالى وبدعم الشعب وعزْمنا الراسخ، كنّا نؤمن بأننا سوف نضع عقيب انتهاء الاحتلال، أسس أفغانستان المستقلة والآمنة والمزدهرة، والحمد لله تحقق الآن هذا الأمر، ويستمرّ العمل على تقويته.
نحن أكّدنا خلال العامين الماضيين من هذه الصيغة وغيرها من الصيغ، لدول المنطقة والعالم على الأوضاع الأمنية في أفغانستان، وطمأننا الجميعَ بأنّ إمارة أفغانستان الإسلامية، كحكومةٍ مسؤولة، لن تسمح بأنْ يُوجّه أيّ تهديد من تراب أفغانستان نحو العالم والمنطقة ولا سيّما البلاد المجاورة لأفغانستان، وإنّ هذا الوعد قد تمّ الوفاءُ به على أكمل وجه.
نحن قمنا خلال العامين الماضيين بالتزامن مع إحياء الأسس السياسية والأمنية والاقتصادية لحكومتنا، بتسريع مكافحة مجموعات الفتنة التي تدرّبتْ تحت مظلة المحتلين، وتمكّنّا من العثور على مخابئ داعش وتدميرها جميعا بطرق احترافية في أنحاء البلاد وتحييد آخر محاولات التآمر الكبرى على أمن المنطقة بما في ذلك أفغانستان.
أيها الحضور الكرام!
واجهتْ أفغانستان خلال نصف القرن الماضي أزمةً سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، وخاصة أزمة الشرعية الداخلية، مما أدّى إلى تحديات عديدة؛ وأثبتت التجارب العلمية والعملية أنّ الجذور الرئيسة لهذه الأزمة هو تطبيق نسخ ونماذج وأوامر خارجية في الشؤون الداخلية، تجاهلتْ جغرافيتنا وتاريخنا وثقافتنا وقيمنا الدينية والاجتماعية.
والدليل الجيّد على هذا الادعاء هو حُكمنا على مدى العامين الماضيين، حيث أنهينا الحرب ووفّرنا أمناً مطمئنّا رغم العقوبات ودون دعم مباشر من أي جهة، كما شكّلنا حكومة مركزية قوية؛ وجعلنا الميزانية مستقلة؛ ولم يتعرض أحد للتهديد من بلادنا؛ وحاربنا المخدرات بقوة؛ وقمنا بتوسيع فرص العمل في القطاع الحكومي والخاص؛ ووفرنا نطاق الوصول إلى العدالة ليشمل كل منطقة وقرية؛ وأنشأنا مرافق للتجارة والترانزيت والاستثمار؛ وبدأنا العديد من مشاريع إعادة الإعمار في أجزاء مختلفة من البلاد وتعاملنا بكل شفافية في تقديم الخدمات للطبقة المحرومة من الشعب. وهي إنجازات لم تستطعْ أن تحقق شيئا منها ما كانت تسمّى بالحكومة الشاملة خلال السنوات العشرين الماضية، والتي كانت مدعومة بمئات الآلاف من القوات الأجنبية والمحلية والأسلحة المتطوّرة والدعم المالي الواسع والدعم السياسي من الدول الإقليمية والغربية، حيث كان السبب الرئيسي لانهيارها في النهاية هو فقدان شرعيّتها أمام الشعب نتيجة الخضوع للأوامر الخارجية وانتفاضة الشعب ضدها.
بناءً على هذا، وبالنظر إلى تعاليم دين شعْبنا وتاريخه وثقافته، وخاصة الحقائق السياسية الجديدة، فقد وضعنا الأساس لحكومة تتمتع بالحُكم الرشيد، وبشرعية دينية ووطنية، وآمل أنْ تضعَ بلدان المنطقة والعالم أيضاً ختْم الموافقة على هذه الحقيقة، لأنه خلال السنوات الخمس والأربعين الماضية لم تتمكّن أيّ نسخة خارجية -مثل الحكومة الشاملة الّتي تُطرح ولا يُذكر لها تعريفٌ معقول- من حلّ مشكلات أفغانستان.
نحن نتوقّع من جميع الدول، وخاصة الدول المجاورة لنا، أنْ تبادر إلى التعامل مع الإمارة الإسلامية في كافة المجالات رسميّا بدل أن يقترحوا صفة للحكم في بلادنا، كما أننا لا نقترح صفة للحكم في أي بلد آخر، لنتمكن من قطع أيدي دوائر الشرّ من جهة، ومن جهة أخرى لتنتفع جميعُ الأطراف في هذه الفرصة التاريخيّة لاستقرار المنطقة وازدهارها من مكانة «أوراسيا» التي تضمّ ما يقرُب من سبعين بالمائة من السكان وأغلبية ثروات العالم وثلث موارد الطاقة في العالم.
أيها الحضور الأعزّاء!
أرى في النّهاية أن أشير إلى الأمور التالية بصفة خاصّة:
أولاً: الآن وبعد أنْ زال احتلالُ أفغانستان، وعاد الأمنُ إلى البلاد وهناك إرادة سياسية قوية – لقد حان أيضا موعد تطبيق مشاريع الاتصال الإقليمي بمحورية أفغانستان، واستناداً إلى سياستنا الخارجية بمحورية الاقتصاد، فإننا على استعداد تامّ لتقديم جميع التسهيلات اللازمة للاتصال الإقليمي – سواء في شكل النقل والمواصلات أو في شكل نقل الطاقة – والظروف الآن بعد التطوّرات السياسية الأخيرة، أصبحتْ مواتية أكثر من أيّ وقت مضى، لتنفيذ “الممرّ التجاري بين الشمال والجنوب”.
وهنا نؤيّد تصريحات السيد ميخائيل ميشوستين، رئيس وزراء الاتحاد الروسي حيث قال: “إنّ روسيا مستعدة للتركيز على توسيع طرق التجارة الأوروبية الآسيوية، بما في ذلك أفغانستان وجنوب آسيا”. ويجب أن يكون مهمّا للدول المجاورة لأفغانستان أيضا، كيفيةُ توفير مصالحها واستغلال هذه الفرص.
ثانياً: تتمتع أفغانستان بقدرة قوية على التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، ونحن على استعداد لتوفير التسهيلات اللازمة لمشاريع البنى التحتية والطاقة والمناجم والزراعة وخطوط النقل وخاصة السكك الحديدية التي تقصّر المسافات بين جميع هذه المناطق عبر أفغانستان؛ دون أي نوع من التمييز.
ثالثاً: في مجال التعاونات الحدودية مع دول الجوار، نعلن مرّة أخرى استعدادنا لمنع تحركات المهرّبين وغيرهم من العناصر المخربة، ولا شك أنّ التصدي لمثل هذه التهديدات يتطلّب تعاونا اجتماعيا، ولقد بذلنا جهودا مؤثرة في هذا القطاع، وكافحنا من أجل تصفير زراعة المخدرات والاتجار بها داخل البلاد، ولكننا في قطاع الاتجار بالمخدرات، وهو ما يتطلّب تعاونا ثنائيا، بحاجة إلى تعاون الدول المعنية.
رابعا: شهدتْ أفغانستان خلال العامين الماضيين بداية علاقات سياسية ودبلوماسية واسعة مع العديد من الدول، وخاصة مع دول المنطقة، وكانت دول المنطقة رائدة للغاية في هذا المجال، بحيث نشكرها عليها.
ونحن نعتبر هذا فصلا جديدا في علاقات أفغانستان الدبلوماسية مع المنطقة والعالم. على سبيل المثال، قدّمتْ جمهوريةُ الصين الشعبية رسميّا سفيرا جديدا إلى إمارة أفغانستان الإسلامية، ونأمل أن تكون هذه الخطوة التي اتخذتْها الصين نموذجا جيدا للدول الأخرى وأن يتم قبول سفراؤنا أيضا من أجل تسهيل التفاعل الإيجابي مع مراعاة المصالح المتبادلة.
خامسا: يسافر السيّاح والدبلوماسيون وعُمّال الإغاثة والصحفيون والباحثون من مختلف بلاد العالم إلى أفغانستان بثقة تامة، ويتنقلون بحرّية في جميع أنحاء البلاد، لذلك نعلن مرة أخرى أن كل من هو قلق بالنسبة إلى الأمن أو المخدرات في أفغانستان، عليه أن يسافر إلى أفغانستان، أو يرسل وفدا فيراقب الأوضاع عن قُرْب لتحلّ مشكلته ويزول همّه، وتحصل له طمأنينة بدلاً من الاستماع إلى دعايات الجهات المنحازة المُغرضة والتعبير عن ردّ فعل بناءً عليها.
وفي الختام إذ أتقدّم بالشكر على مبادرة الاتحاد الروسي، أخاطبُ مرّة أخرى البلدانَ المجاورة والمنطقة بأنّ أفغانستان مستعدة للتفاعل بشكل إيجابي مع الجميع على أساس المصالح المشتركة والمشروعة، ونأملُ أن تغتنم جميع البلدان هذه الفرصة، مع الأخذ في الاعتبار مصالحهم الوطنية.
شكراً لاهتمامكم، وأتمنّى لكم أطيَب الأوقات.