نظام فاسد يكافح الفساد!
رضوان الكابلي
الخبر الأول: قضت المحكمة الابتدائیة العدلیة بالسجن لعامین وستتة أشهر علی القاضي العسكري (جنرال عبدالحي جرأت)؛ وذلك إثر تسلمه خمسین ألف أفغاني من ضابط متهم بالفرار من الوظیفة وحمل الأسلحة ونقلها غیر القانوني. وقد اعتقل هذا الرجل في الشهر المنصرم بهذه الجریمة. وأیّد المتحدث باسم حكومة كابل (صدیق صدیقي) هذا الخبر.
الخبر الثاني: أعلن جهاز مكافحة الفساد أنه سوف يعلن قائمة بأسماء رجال الحكومة الذین لم یسجلوا حتی الآن مقدار ثرواتهم. وهناك كثیر من رجال الحكم من الوزراء والمدراء وجنرالات الجیش والشرطة لم تحصل الحكومة علی معلومات عن ثرواتهم الهائلة.
الخبر الثالث: أعلن مكتب المفتش الخاص للولایات المتحدة في أفغانستان (سیجار) عام ۱۳۹۳هـ.ش. عن إهدار أكثر من ۷۵۰ ملیون دولار من مساعدات أمریكا لوزارة التعلیم والتربیة الأفغانیة. وقد حذر المكتب من وجود تزویر في عدد المعلمین والمدارس علی صعید أفغانستان.
إن التمعّن في الخبر الأول والثاني والثالث یثبت تغلغل الفساد في داخل الإدارات التي تسمی بأجهزة مكفاحة الفساد، وغيرها من الإدارات التي أثقلت عاتق شعبنا المظلوم. وهنالك ملفات هامة أخرى، مثل: قضیة بنك كابل، والشرطة الوهمية، والمعلمین الوهميين، والاختلاس في الاتفاقیات التي تبرم في جمیع الوزارات. وهذه الملفات غطاها غبار النسیان، وصارت اليوم كومة من التراب، في حين انشغلت الدولة ورجال العدل والقضاء بالقبض علی رجل ارتشی خمسین ألف أفغاني وتصفح ملفه.
هنیئاً لكم هذا الانجاز العظيم! فلیبكِ الإنسانِ علی عقلیة هولاء المجانین الذین یلعبون بهذا الشعب المجاهد الأبي. إن هولاء الخونة يريدون من إعلان هذا الخبر عبر الإعلام؛ خداع العامة وإقناعهم أن الدولة العمیلة تبذل كل جهودها لقمع الفساد وتطهير جمیع الإدارات منه، بما فيها الإدارات عسكریة.
من منا لا یعلم قضیة اغتصاب آلاف الأراضي من قبل رجال الحكم! بدءاً من رئیس الجمهوریة السابق ووزرائه الذين یملكون الیوم مئات أضعاف ما كانوا یملكونه قبل الحكم. والیوم تهدد إدارة مكافحة الفساد أنها ستعلن أسماء المسؤولين الذين لم یعلنوا حتی الآن مقدار ثرواتهم. ندرك من هذه التحركات غیر المحدودة بزمن معين أنها غیر عملية، وأن طرق قمع الفساد أو مكافحته موصدة أمامها.
إن إعلان خبر القبض علی قاضٍ ارتشی خمسین ألف أفغاني نظير تبرئة متهم، يوحي برسالة هامة وهي أن حكومة كابل لا ترید إنهاء الفساد في المناصب العليا. فهناك ملفات ملیونیة تقتضي حلاً سریعاً، منها قضیة بنك كابل التي ما زالت في حیز النسیان، وملفات المعلمین والعساكر والمستشفیات الوهمية، وقضية اغتصاب الأراضي الحكومیة.
إن الفرق الهائل بین ثروات الوزراء والنواب ورؤساء الإدارات الحكومیة قبل وبعد تسلم الوظیفة محیر للعقول، إذ عجزت الحكومة بعد عامین من تسجیل ثروات موظفيها.
إن المحكمة القضائیة التي أوكلت لها مهمة تفحص قضایا الفساد، وغيرها من الإدارات التي اختفت خلف اسم مكافحة الفساد علی صعید البلد، كل واحدة منها تتقاضى الملايين من الدولارات لرواتبها، فهي بحد ذاتها حمل ثقيل علی عاتق میزانیة الدولة.
إن وُجد عزم علی مكافحة الفساد، فهذه الإدارات أولی بذلك وإعادة النظر فیها ضروري، وإن مسؤولیها أحق بالإلقاء في غیاهب السجون. یجب علی حكومة كابل أن تجدد النظر في قضية قمع الفساد، وعلیها أن تتجنب الدعایة الجافة. غير أن الواقع أثبت أن الحكومة لا ترید ذلك، بل من دیدنها تلویث جمیع الإدارات بالفساد وحتی جره إلی خلایا المجتمع. والبادرة الأخیرة من جانب الحكومة في إعادة (محمدامین توخی، مساعد والي غور، إلی عمله، مع اتهامه بالفساد واختلاسه أكثر من ۱۱۸ ملیون أفغاني في مشاریع إدارة الجیش، خیر شاهد علی عدم جدية مكافحة الفساد وتطهير الإدارات منه. وقد واجهت الحكومة اعتراضاً واسعاً من قبل النشطاء المدنیین على بادرتها تلك. یقول محمد حسین حكیمی، أحد أعضاء المجتمع المدني: “كیف یمكن إعادة رجل متهم بالفساد وقد قضي علیه بالسجن إلی الوظیفة!؟ أری أن غور صارت مأمناً للمفسدین، وإننا مجبورین علی تحملهم.”
إن ملف فساد إدارات أفغانستان عریض طویل، لا یمكن إغلاقه في قریب الزمان. لأن النظام فاسد من الأساس. فكیف یمكن لنظام فاسد أن یكافح الفساد! هذا محال. لذلك یجب علی شعبنا أن یقوم بعمل ثوري في إصلاح النظام، وقمع الفساد منه.