نظرة إلی حیاة الملا (الله داد طبیب) رحمه الله تعالی
تُوفِّي بتاریخ 15/2/1437هـ عضو مجلس وزراء الإمارة الإسلامیة والمجاهد المعروف في الجهاد ضدّ القوات الروسیة الملا (الله داد طیب) إثر إصابته بسرطان المعدة في دیار الهجرة رحمه الله تعالی وتغمّده بواسع رحمته.
كان المرحوم الملا (الله داد) من الشخصیات الأولى في الإمارة الإسلامیة، وكان قد عمل وزیراً للإتصالات لعّدة سنوات أیام حكم الإمارة الإسلامیة في أفغانستان. كان رحمه الله تعالی یتصف بمیزات شخصیة مؤمنة، وقد حزن لوفاته الكثیرون، ولنكون قد أدینا شیئاً من حق الوفاء له نذكر في السطور التالیة نبذه من حیاته وجانباً من أعماله:
من المیلاد إلی الوفاة:
كان الشیخ الملا الله داد طیب بن الملا ولي محمد بن سرفراز ینتمي إلی عشیرة (كاكر) البشتونیة، وكان من سكاّن قریة (سرده) بمدیریة (أرغنداب) من ولایة (قندهار).
كان میلاد الشیخ في عام 1377هـ في قریة ( اڅكزو سوزنِي) بمدیریة (شاولیكوت) حیث كان والده إمام مسجد في تلك القریة. درس الشيخ العلوم الابتدائیة علی والده رحمه الله، ثم دخل مدرسة المولوي عبدالأحد في قریة ( ویان) من مدیریة (شاه ولیكوت) وواصل دراسته الدینیة في تلك المدرسة إلی الخامسة عشر من عمره، وبعدها انتقل إلی مدینة (قندهار) وبدأ یدرس في مدرسة الحافظ عبدالكریم.
كان الشیخ الحافظ عبدالكریم عالماً واعیاً للأوضاع السائدة في البلد، وكان صاحب فكر جهادي، ولذلك كان من أوائل من بدأ الجهاد المسلح ضدّ الشیوعیة في (قندهار)، فكان لشخصیة وأفكار الحافظ عبدالكریم تأثیراً عمیقاً علی نشأة الملا (الله داد) الجهادیة.
في بدایة الجهاد ضدّ الشیوعیة في أفغانستان حین لم یكن الجهاد قد قويِ في الولایات الجنوبیة أُرسِل الملا (الله داد) من قبل أستاذه الحافظ عبدالكریم إلی ولایة هرات للقیام ببعض الخدمات الجهادیة. وفي عام 1357 هجری شمسي، حین انتفض سكان ولایةهرات في انتفاضة جهادیة عارمة ضدّ الحكومة الشیوعیة والتي استشهد فیها آلاف الناس، كان الملا (الله داد) أحد المشتركین الشباب في تلك الانتفاضة، وكان قد أصیب فیها بجروح نُقِل علی إثرها للعلاج إلی (إیران) من قِبَل إخوانه المجاهدین.
وبعد فترة العلاج التي استمّرت ثلاثة أشهرعاد الملا (الله داد) إلی ولایة (قندهار) وواصل جهاده في جبهة أستاذه الحافظ عبدالكریم والتي كان قد فتحها في مدیریة (أرغسان).
وبعد العملیات القویة الناجحة في تلك المدیریة الحدویة حین انتقل الشیخ عبدالكریم بجبتهه إلی مدیرية (أرغنداب) واستشهد في إحدی المعارك في قریة (گل كلاچه) كان الملا (الله داد) مشاركاً لأستاذه في تلك المعركة.
وبعد استشهاد الشيخ عبدالكريم واصل الملا (الله داد) جهاده في جبهة الملا (شیرین) ومن بعده في جبهة الملا عزیزلله بصفة مسؤول الشؤون العسكرية.
في تلك الفترة كانت مراكز المجاهین في مدیریة (أرغنداب) المغطّاة ببساتین الرمّان الواسعة، وكانوا یقومون بعملیاتهم العسكریة ضدّ الروس والحكومة الشیوعیة في المناطق التابعة لمدیریة (دامان) ولمركز مدینة قندهار، وكذلك علی طریق (قندهار– هرات). یقول أخو الشیخ (الله داد) ورفیق دربه الجهادي الملا (داد الله) إنّ الملا (الله داد) كان من المجاهدین الشجعان، وكان قد أحرق في إحدی المعارك ثلاث دبابات للروس بمفرده.
كان الشیخ الملا (الله داد) رحمه الله تعالی مسؤول المحكمة الشرعیة للمجاهدین في مدیریة (أرغنداب) أیام الجهاد ضدّ الشیوعیین. وبعد سقوط الحكومة الشیوعیة حین بدأت الحروب الأهلیة بین المنظمات الجهادیة انعزل الشيخ عن العمل العسكري في تلك الفتنة وانشغل بالتجارة إلی أن نشأت حركة طالبان الإسلامية التي انضم إلیها في بدایة أیامها، ومن ذلك الوقت استمرّ كجندي مخلص ووفيٍّ للإمارة الإسلامیة إلی أن فاضت روحه إلی الله تعالی بعد أن قضی زمناً طویلاً في الجهاد في سبیل الله تعالی.
في بدایة نشأة حركة طالبان الإسلامیة كان الملا (الله داد) عضوا للشوری العالي ومسؤولاً عن الشؤون المالیة، وفیما بعد عُیّن مسؤولاً عن الجمرك في مدینة قندهار وبعد ذلك في جمرك ولایة (هرات).
قبل فتح العاصمة (كابل) كان الملا (الله داد) مدیر إدارة الإتصالات في ولایة قندهار. وبعد أن سیطرت الحركة علی (كابل) وأعلنت عن تأسيس الإمارة الإسلامیة عُیِّن رحمه الله تعالی وزیراً لوزارة الإتصالات، وفي فترة أخری مساعداً للوزیر إلی أن هجمت أمریكا علی أفغانستان.
تولّی الملا (الله داد) رحمه الله تعالی مسؤولیة وزارة الاتصالات في الزمن الذي كان فيه 80% من نظام الاتصالات قد تهدّم في أفغانستان بسبب الحروب الأهلیة، وكانت وسائل هذه الوزارة وأعمدة الأسلاك قد قُطّعت وبیعت بقیمة الحدید التالف، فبدأ رحمه الله تعالی العمل في هذا المجال من الصفر، وفي المرحلة الأولی قام بتأمین الاتصال الداخلي بین الولایات بعد ترمیم الأجهزة الموجودة في هذا القطاع، وبعد ذلك قام بتوصیل نظام اتصالات أفغانستان بالعالم الخارجي بتشغیل نظام (مایكرویف) القدیم عن طریق ولایة ننجرهار في شرق أفغانستان ومنها إلی مدینة (بیشاور) الباكستانیة.
وفي زمن إدارته لوزارة الاتصالات أُعطِيَ الجواز بتوزیع أجهزة اتصال (ستیلایت) وكانت تعتبر خطوة قویة في مجال تقدیم خدمه الاتصالات آنذاك.
وكذلك في زمن وزارته تمّت الاتفاقیة بین وزارة الاتصالات وبین إحدی الشركات الأمریكیة الخاصة في مجال تقدیم خدمة الاتصال اللاسلكي والتي تعهدت في المرحلة الأولی بتوزیع ثلاثمئة ألف شریحة في شركة بإسم (أفغان بیسیم) بمعدّل 20% من قبل وزارة الاتصالات و80% من قبل تلك الشركة الأمریكیة إلا أنّ فرض العقوبات الاقتصادیة من قبل أمریكا وهيئة الأمم المتحدة ضدّ إمارة أفغانستان الإسلامیة حال دون تنفیذ ذلك المشروع مثل بقية المشاریع التنمویة الأخری، واستمرّ الوضع علی ذلك المنوال إلی أن احتلّت أمریكا هذا البلد ونُفذ ذلك المشروع بعد الاحتلال بنفس تلك التسمیة السابقة، وكان ذلك المشروع أساس التقدّم في مجال الاتصال اللاسلكي الموجود الیوم في أفغانستان والذی یُنسب فضله زوراً إلی وزیر اتصالات حكومة كرزاي العمیلة (أمیرزای سنگین). والحق أنّ الفضل في هذا المجال یرجع إلی الملا (الله داد طیب) رحمه الله تعالی.
شخصیته والسنوات الأخیرة من حیاته:
بعد احتلال أفغانستان من قبل التحالف الغربي بقیادة أمریكا اضطر إلى الهجرة وصار یعیش حیاة المشقّة والتخفي في المهجر، إلا أنّه كان في اتصال دائم بالمجاهدین، وكان یقدّم خدمته للمجاهدین حسب المستطاع.
في السنوات الأولی من الاحتلال الأمریكي حین كان يُضَیَّق الخناق علی المجاهدین في أفغانستان والبلاد المجاورة وكان المجاهدون یعیشیون في ظروف الملاحقات، والاعتقالات، والتهديد ، والتعذيب، والتسليم للأمريكيين كان الشيخ الملا (الله داد) رحمه الله تعالی یعیش نفس الظروف والأوضاع، ولم یرض بالعیش في ظل الاحتلال أو المشاركة في الحكومة العمیلة، ولم یقبل العروض التي كانت تقدّم له من قبل الحكومة العمیلة. وقد حدث أن وجد العمیل كرزاي رقم جوال الشیخ (الله داد) رحمه الله تعالی فاتصل به وعرض علیه بكل مكر ودهاء العودة إلی المنطقة وقال له بأنك قد قدّمت خدمات جلیلة لأفغانستان فإن أتیت إلی (كابول) مرّة أخری فإننا سنسلمك وزارة الاتصالات مرّة أخری، وستعیش في حیاة آمنة مطمئنة. إلا أنّ الشیخ رحمه الله تعالی ردّ علیه وقال له بأنك أخطأت في معرفتي، إنني لم أجاهد لأجل الوصول إلی الوزارة في ذلّ الاحتلال الكفري، إنني أفضل الموت في العزِّ علی الحیاة في الذلّ، وإنني حین كنت أخدم البلد كان ذلك في إطار النظام الإسلامي. إنّ العمل في نظام الاحتلال الكفري لیس بخدمة للبلد، وإنّما هو غدر كبیر للدین وللشعب.
وفیما بعد اعتقل الشيخ الملا (الله داد طیب) من قبل الحكومة الباكستانیة لمدّة ست سنوات وشهرین في (كویتا) و(إسلام آباد) ولم تعلم عنه أسرته أي خبر لاعن حیاته ولا عن مماته لمدة ست سنوات كاملة. وفي زمن اعتقاله أصیب بسرطان المعدة، وبعد خروجه من السجن بدأ یتعالج من مرضه ولكن العلاج لم ینفعه وتوفي رحمه الله تعالی بعد خروجه من السجن بثلاث سنوات یوم الجمعة بتاریخ 15/2/1437هـ ودفن في قریته في مدیریة (أرغنداب) بولایة (قندهار) رحمه الله تعالی وتغمّده في واسع جنانه.
یقول الأخ الأصغر للملا (الله داد) الملا (داد الله) في معرض حدیثه عن شخصیة أخیه رحمه الله تعالی: كان الملا (الله داد) رحمه الله تعالی طیب النفس مجاهداً وقد حباه الله تعالی بنعمة الذاكرة القوية والعلم. وكان رحمه الله تعالی أصیب ثلاث مرّات بالجروح في الجهاد في سبیل الله تعالی. كان زاهداً في متاع الدنیا، أمینا على أموال ووسائل الجهاد. كان في أیام الجهاد ضدّ الروس والشیوعیین مسؤولاً عن الأمور العسكرية لجبهة الملا (عزیز الله)، وحین أراد أن یذهب من هذه الجبهة إلی الجبهة الأخری سلّم جمیع ما في عهدته من الأسلحة والوسائل، ولم یرض بأن یأخذ معه مسدساً واحداً ولا طلقة واحدة، وقال لقائده: إني جاهدت في هذه الجبهة ابتغاء رضا الله تعالی ویكفیني من هذه الجبهة إن شاء الله تعالی أجر جهادي عند الله تعالی. وكما كنت قد أتیتكم في بدایة أمري خالیاً من كل شيء سأرحل عنكم خالیاً من كل شيء. ولن أصطحب معي أي شيء من أسلحة الجبهة أو وسائلها.
ویقول الشیخ الملا سعدالدین سعید الوزیر السابق في الإمارة الإسلامیة والمستشار الحالي للجنة الإعلامیة عن شخصیة الملا (الله داد) رحمة الله علیه: كان الملا (الله داد) رحمه الله تعالی كثیر العبادة، وكان رحمه الله تعالی یواظب علی أداء الصلوات الخمس مع الجماعة في المسجد في زمن وزارته وفي المهجر، ولم یكن یتخلف عن الحضور إلی المسجد مهما كانت الظروف. كان يواظب علی قیام اللیل والأذكار، والصلوات النافلة، وكان عفیف اللسان متجنبا الغیبة والحديث عن ما لا یعنيه.
وجاء في بیان الإمارة الإسلامیة الرسمي الصادر بمناسبة تعزیة ذویه به: ( تلقّینا ببالغ الحزن خبر وفاة الملا (الله داد) رحمه الله تعالی وزیر الاتصالات السابق إثر إصابته بسرطان المعدة. والإمارة الإسلامیة إذ تقدّر خدماته رحمه الله تعالی تشارك أهله في حزن فراقه وتسأل الله تعالی للمرحوم جنّة الفردوس كما تسأله الصبر والسلوان الجمیلین لأسرته وأقربائه. آمین).
ونحن أيضا لایسعنا إلا أن نقول إنّ لله ما أعطی، وله ما أخذ، وكل شيء عنده بأجل مسمّی. إنّا لله وإنّا إلیه راجعون.