مقالات الأعداد السابقة

نفاق الغرب تجاه جرائم الكيان اللقيط

عبدالسلام فائق

 

جرائم بربرية ووحشية بمعنى الكلمة يرتكبها الكيان الصهيوني اللقيط منذ شهرين متتاليين على أهلنا في غزة على مرأى ومسمع من العالم والغرب الذي يتشدق بحقوق الإنسان والحرية والحق في تقرير المصير، ولكنه يُصاب بالعمى والصمم عندما يتعلق الأمر بحقوق المسلمين الضعفاء.

أجل؛ العالم المتحضر والمجتمع الدولي يقف عاجزًا أمام كارثة إنسانية في غزة، وأمام الكيان الصهيوني الذي يُواصل قصفه لقطاع غزة ليل نهار، برًا وبحرًا وجوًا، بآلاف القنابل التي أدّت إلى استشهاد وجرح الآلاف من الأبرياء، وجلّ الضحايا الذين سقطوا شهداء في قطاع غزة منذ بدء العدوان هم من الأطفال والنساء، وذلك في الوقت الذي تُتهم فيه حماس من قبل إسرائيل وأميركا باستهداف الأطفال والنساء.

والجميع باتوا في انتظار حدوث مأساة إنسانية ربّما تكون غير مسبوقة، فالوضع الإنساني والصحي في القطاع يتدهور سريعًا نتيجة الحصار المطبق على القطاع، والقصف المتواصل بلا هوادة، والذي يستهدف البشر والحجر.

وغارات العدو الصهيوني لم تسلم منها حتى الكوادر الطبية، فهناك استهداف ممنهج للطواقم الطبية وللمسعفين الذي تعرّضوا للقصف وسقط منهم شهداء، وهناك أيضًا التضييق على الصحافيين الذين ينقلون ويوثّقون بالصوت والصورة جرائم جيش الاحتلال الذي قتل وأصاب عددًا منهم.

وجيش الاحتلال يقصف قطاع غزة بالقنابل الغبية التي تدمر مناطق بأكملها وتعرّض حياة المدنيين للخطر، وهذه القنابل أدّت إلى إزالة أحياء بأكملها من الوجود، وقتلت المئات من سكانها، وهدمت الكثير من البيوت على رؤوس سكانها، ودمّرت آلاف المنازل في القطاع.

لا غرو بأنّ هذه الجرائم كشفت السدول والأستار عن وجه الغرب الكالح وفضحته، فالغرب الذي تنعم دوله بالديمقراطية، هو نفسه الغرب الذي يساند الأنظمة الاستبدادية السفاحة في العالم ويدعمها في قمع شعوبها، ويقتل الآخرين باسم الديمقراطية وتحت شعار الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب كما تقول الروايات الغربية عن الأحداث الحالية في غزة.

والغرب الذي يتشدق بشعارات حقوق الإنسان هو أول من ينتهكها، والحربان العالميتان الأولى والثانية خلفت ملايين القتلى من الغربيين ومن غيرهم، وفي ديسمبر من عام 1948م صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتلاه عدد من المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان كالعهدين الدوليين، ومواثيق تتعلق بحقوق المرأة والطفل واللاجئين وغيرها من الوثائق الأممية.

والمتتبع لقضايا حقوق الإنسان يدرك أنه على الرغم من كثرة الوثائق المتعلقة بحقوق الإنسان إلا أن هناك زيادة مضطردة في انتهاكات حقوق الإنسان!

ويدرك أيضًا أن الإنسان المعني والمقصود في قضايا حقوق الإنسان هو الإنسان الغربي حصرًا، أما انتهاكات حقوق الإنسان غير الغربي فلا تدخل تحت هذه المواثيق المنمقة التي تقر بالحقوق والحريات للإنسان بغض النظر عن عرقه ودينه ولونه وجنسه، والمثال الصارخ على ذلك هو ما يحدث الآن في غزة من تقتيل للأبرياء وتهجير للمدنيين، وتدمير شامل للبنية التحتية، ومحاصرة أكثر من مليوني نسمة في مساحة صغيرة من الأرض، وحرمانهم من الاحتياجات الأساسية والضرورية كالماء والدواء لكي يبقوا على قيد الحياة.

لهذا نُسائِل الغرب الذي يُنصِّب نفسه «حارس قِيَم وحقوق الإنسان»، ويتشدّق علينا في خطاباته بـ «حقوق الإنسان» الكونية، أليس الفلسطينيون ناسًا؟! أليسوا بشرًا لهم حق العيش، وحق الحياة، وحق الحرية، وحق العدالة، وحق المساواة، وحق التعبير، وحق الدفاع عن النفس… إلخ؟!

أين الشعب الفلسطيني من مفاهيم الحرية والعدل وحق تقرير المصير؟ لماذا يسود صمت رهيب وردود «باردة»، تجاه ما يلحق هذا الشعب الغارق في دمائه منذ 1948م، من سطوٍ على ترابه، وتهويدٍ لمُقدّساته، وقَصْف لصدور شبابه وأطفاله، وتدمير لمؤسساته المدنية؟ هل مات ضمير العالم يا ترى؟ وبأي معنى نتحدث عن حوار الأديان والثقافات والحضارات وإشاعة السلام العالمي، وثمة شعب أعزل، لا يزال يُذبح ويُقتل ويُنكَّل به، على مرأى ومسمع من «العالم المتحضر»، وهناك أرض ما يزال الاستعمار الصهيوني جاثمًا عليها؟

والغرب الذي يدافع عن حقوق الإنسان ويتشدق بها، قتل الملايين من البشر أثناء فترات احتلاله للكثير من الدول (الجزائر وحدها أكثر من مليون شهيد)، وقتل الملايين في حروبه الظالمة في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها، والغرب يبارك قتل الأنظمة المستبدة لشعوبها التي تطالب بالحرية والكرامة الإنسانية، والغرب يتحمل المسؤولية عن تشريد الملايين من البشر وتحويلهم إلى نازحين ولاجئين.

وكلّ ما حظي به الفلسطينيون من قبل الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى هو تعاطف أجوف وإدانات خجولة لما قام ويقوم به الكيان الصهيوني من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحقهم.

إن حقوق الإنسان ليست سوى «موضة سياسية»، وصناعة غربية تتغيَّا ممارسة نوع من «الاستغمائية على كل مَن يحاول أن يكشف سرّها. فهي تارة قطعة نرد أساسية في استراتيجية المصالح، وهي تارة أخرى مقولة أخلاقية خلاصية طهرية مُوجَّهة لإنقاذ العالم، ولإضفاء طابع رحيم على أنياب السياسة وتغليف مخالب ذئابها بجدائل من الحرير المزركش». وليس الموقف الغربي من إسرائيل وفلسطين إلا تعبير صريح عن هذه الازدواجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى