مقالات الأعداد السابقة

نموذج من المجاهدات المغمورات

سعدالله البلوشي

 

جهاد ريّان نموذج من المجاهدات المغمورات، والأمة الإسلامية زاخرة بالمجاهدات المغمورات، إنها لم تصبح عقيمة أبدا، لا زالت تنجب من أمثالها، إنّها أمّة الإسلام، الأمة الولود، الأمة المعطاء. نعم؛ إنّها جندية من جنود الإسلام، جندية لا تعرف الملل والكلل في سبيل غايتها، وسهم من كنانة الأمّة الإسلامية، تعمل من أجل إعلاء راية الإسلام، جندية يطيب لها أن تجلس دوما خلف بندقيتها وتقاتل، بندقيتُها حاسوبُها، إنها جنديّة في الظلّ، جندية لا يعرفها إلا الله، نسأل الله تعالى أن يحفظها من كل مكروه، ويُبارك في عمرها وجهادها، وما تبذل من الطاقة الجبارة في خدمة الإسلام والمسلمين.

 

نعم؛ لا تعرف الأمّة الإسلامية عن أختها، جهاد ريّان شيئا، و طبعا لا يضرّها ذلك، كفاها ربّ عمر لأنه يعرفها، ويُسجّل حسناتها ليومٍ لا ينفع المرءَ شيءٌ سوى مثل هذه الحسنات الخفية، ولولا التحفيز والتشجيع لم نطرق باب الحديث عنها، وتركناها وحساباتها مع ربها، ولكن امتثالا لقول الله تعالى: «وحرّض المؤمنين» نذكر شيئًا من خدمات هذه المجاهدة في سبيل الله تعالى تشجيعًا وتحريضًا حتى تكون نبراس هدى، وقدوةً صالحة للمسلمات الأخريات حتى يقمن بدورهنّ الجهادي في عصر الغربة والمذلة والصغار.

 

إنّ الله سبحانه وتعالى قد هيّأ الآن للمسلمين والمسلمات سواء بسواء فرصةَ الإسهام في الجهاد في سبيل الله إن استغلوها واستفادوا منها وعرفوا لها قدرها، فهي نعمة غالية، مَن أوتِيَها فقد أوتي خيرا كثيرا. فبإمكان الرجال أن يحملوا البنادق، ويشاركوا في ميادين القتال، ويدفعوا المحتل الغاصب من بلاد المسلمين، ويطردوه، وأما المسلمات فبإمكانهن أن يجاهدن إعلاميًا ويملأن الفراغ الهائل في هذا المجال، وذلك بالجلوس في بيوتهنّ والعمل عبر النت لصالح الجهاد والمجاهدين، فإن الجهاد ليس مقتصرا على جهاد الجبهة، ومن ظن ذلك فقد جانب الصواب، بإمكانهن أن يخدمن الإسلام بأقلامهنّ أو بالإسهام في منصات التواصل الاجتماعي بتأييد المجاهدين، والتكاتف معهم، وصناعة الأفلام والمقاطع الجهادية، أو تصميم المجلات والكتب الجهادية التي تحرّض النشء الجديد أو ما إلى ذلك من نشاطات تصب في صالح الجهاد الإعلامي، ويَكُنَّ نبراسًا تهتدي به الشابات المسلمات. وما أحوج الأمة في الظروف الراهنة إلى هؤلاء المجاهدات الإعلاميات!

 

ولا غرو بأنّ الأخت المجاهدة ريّان اقتنصت هذه الفرصة الذهبية كي تكون مصمّمة مجلة الصمود الإسلامية الجهادية منذ ستة أعوام، فعلاوة على أنها تصمم المجلة تقوم بأعمال شاقة أخرى تعجز عنها العصبة أولو القوّة من الرجال والكوادر، فهي تراجع كلمات مقالات المجلة، وتبذل جهدًا وافرًا في التصحيح والتنقيح، ثم تقوم بتصميم المجلة على سليقتها الرّائعة العالية ثم تخرج المجلة في أبهى حلّتها.

 

وعلاوة على ذلك لها خدمات جليلة مرموقة في موقع مجلة الصمود، فالقصاصات من إبداعاتها، وهي التي ترفع مقالات المجلة على الموقع، لها خدمات جليلة واسعة تحتاج إلى مجموعة من الكوادر المحترفة، إنه الجهاد في سبيل الله، الجهاد الذي يزيد الإنسان قوةً ونشاطا سواء كان رجلا أو امرأة، صغيرا أو كبيرا، إنه الجهاد الذي يصنع من مجاهد عادي خامل الذكر عبقريا صنديدا قد يساوي جنرالا عسكريا قضى حياته في الفنون العسكرية في دائرة حكومية وفّرت له جميع الإمكانيات.

هذا هو الجهاد الذي يجعل من سيّدة ضعيفة مَن تقوم بدور مجموعة بكاملها لأجل مرضاة الله تعالى لا تبغي جزاءًا ولا شكورًا. سبحان الله! نقول لأختنا الكريمة! اثبتي ثبتكِ الله على طاعته وجهادٍ في سبيله، وواصلي طريقك، طريق السعادة في الدنيا، طريق الفوز يوم القيامة.

اثبتي وافعلي هذا الخير حتى ينشر الإسلام ظلاله على ربوع الإسلام، ويقمع الاحتلال ويطرد، وحتى تقوم راية إمارة الإسلام خفّاقة على ثرى الوطن الحبيب. اثبتي وافعلي هذا الخير العظيم لوجه الله – كما نحسبك الآن تفعلين والله حسيبك ولا نزكي على الله أحدًا- ولا تنتظري المكافأة إلا من الله، ولا تستعجلي الثواب على هذا الخير العظيم، فإن مثقال حبة من عمل صالح لا يضيع عند الله قال تعالى: «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره»، (سورة الزلزلة).

اثبتي وافعلي هذا الخير العظيم، واحرصي عليه في زمان عمّت وطغت فيه الأثرة، وسيطرت على الناس المنفعة الذاتية، وتحكّمت في النفوس الأنانية، ولم يبق هناك مُحرّك للناس في أعمالهم سوى المصلحة الشخصية. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ (77)).

فجدي في سبيل الله والزمي ثغرك واصطبري ولا تعبئي بالمتاعب واعلمي بأنّ الراحة مع التعب، والفوز مع الدأب، ورحم الله أبا تمّام:

 

بَصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها *** تُنال إلا على جسر من التعب

 

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنَّ بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همَّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة، والله المستعان، ولا قوة إلا بالله.

وكلما كانت النفوس أشرف والهمة أعلى، كان تعب البدن أوفر، وحظه من الراحة أقل، كما قال المتنبي:

 

وإذا كانت النفوسُ كبارًا *** تعبت في مرادها الأجسام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى