مقالات الأعداد السابقة

هذا ما شاهدناه في ولاية (أرزگان)

أعدّه: زبير مجاهد

 

ولاية (أرزگان) من الولايات المرکزية في أفغانستان، وتحيطها ولايات: (غزني) و(زابل) و(دايکندي) و(غور) و(هلمند) و(قندهار). وهي الولاية التي ظهر فيها تمرد (حامد کرزاي) لأول مرة أثناء هجوم القوات الأمريکية علی أفغانستان قبل خمس عشرة سنة من الآن، وبعد ذلک بذل الأمريکييون والهولندييون والأسترالييون جهودهم الکبيرة لإحکام سيطرتهم الجائرة على هذه الولاية بإحداث القواعد العسکرية وإيجاد المليشيات المحلية وبارتکاب الجرائم البشعة في المعارك والعمليات العسکرية. ولکن بعد مرور عدّة سنوات، هاهي ولاية (أرزگان) تعود بفضل الله تعالی لسيطرة الإمارة الإسلامية نتيجة جهاد المجاهدين المستمر.

قبل أسابيع زارت مجموعة من الإعلاميين من قبل لجنة الثقافة والإعلام في الإمارة الإسلامية ولاية (أرزگان) لمشاهدة الأوضاع والإطلاع علی الحقائق علی أرض الواقع هناک. وبعد المسح الإعلامي للمنطقة، أعدت المجموعة تقريراً عن مشاهداتها للأوضاع والحقائق، وها نحن نقدّمه لقراء مجلة (الصمود) الأکارم:

بدأنا زيارتنا لهذه الولاية من مديرية (خاص أرزگان) وهي من أکبر مديريات هذه الولاية من ناحية الکثافة السکانية، ولها حدود مع کل من ولايات (غزني) و(زابل) و(دايکندي). في السنوات الماضية کانت للعدو في هذه المديرية قوات کبيرة، وإلی جانب القوات الغربية المحتلة، کانت هناک مليشيات محلية للقائدين (حکيم شجاعي) و(عبدالصمد) تحکم ساحات وشعاب هذه الولاية. إلا أن المجاهدين بفضل الله تعالی، ثم بفضل دعوتهم وجهادهم، حرّروا هذه المناطق کلها من سيطرة تلک القوات. وتخضع الآن أهم المناطق السكنية الواسعة مثل (شالي ناوه) و(سلطان محمد ناوه) ومناطق أخری لسيطرة المجاهدين.

أما قوات العدو في هذه المديرية فتعيش في مرکز هذه المديرية في حصار المجاهدين منذ ثمانية عشر شهراً، وتنحصر سيطرتها علی مساحة کيلومتر مربع واحد ويأتيها التموين والإمداد عن طريق الجوّ فقط.

بعد زيارتنا لمديرية خاص (أرزگان) ذهبنا إلی مديرية (دهراود) التي تقع في غرب مرکز الولاية مدينة (ترينکوت). هناک منطقة استراتيجية جبلية هامة بإسم (کوتل مورچه) تفصل مديرية دهراود عن مرکز المدينة. هذه المنطقة کانت فيما مضی تحت سيطرة العدو، وکان قد أنشأ فيها قاعدة عسکرية وأربع نقاط أمنية لإحکام سيطرته، وبذلک لم يکن العدو قد أمّن سيطرته علی الطريق الممتد بين المديرية والمرکز فقط، بل کان قد سدّ طريق تنقّل المجاهدين من وإلی ولاية (هلمند) أيضاً. فکان الجاهدون مضطرين أن يسيرو راجلين علی طريق آخر لمسافة يومين وليلة. إلا أنّ هذه المنطقة الهامة فُتحت بفضل الله تعالی بيد المجاهدين في العمليات العمرية في هذا العام، وبذلک وقع العدو في (دهراود) في حصار المجاهدين من جانب، ومن جانب آخر اتصلت ساحات المجاهدين بين ولايتي (هلمند) و(أرزگان).

کان المجاهدون في العام الماضي قد فتحوا مناطق واسعة في مديرية (دهراود) في عمليات العزم، وفي هذا العام أيضاً فتحوا أربع قواعد کبيرة في أطراف مرکز المديرية، وبذلک أطبق المجاهدون حصارهم حول مرکز المديرية، وانحصر تواجد العدوّ في مرکز المديريَة.

ومنطقة (ناوه درويشان) في ولاية (أرزگان) هي المنطقة الجهادية الأخری التي تقع في شمال مدينة ترينکوت وتمتدّ لمسافة أربعين کيلو متراً إلی جهة مديرية (چوره) ويمتدّ عبرها طريق (گيزاب) إلی ولاية (دايکندي).تتبع بعض ساحات هذا الوادي لمرکز الولاية، وبعضها الآخر يتبع مديرية (چوره). يخضع وادي (درويشان) بشکل کامل لسيطرة المجاهدين، وتعيش قوات العدو في مرکز مديرية (چوره) تحت حصار المجاهدين.

عشرات القواعد العسکرية للعدو في المناطق التابعة للمرکز في هذا الوادي قد فتحت بيد المجاهدين بما فيها قواعد (سجاول) و(کيپتو) و(محمد هاشم خان). والمجاهدون يسيطرون علی الطريق العام. سيطر المجاهدون علی قاعدة سجاول نتيجة القتال، وبقية القواعد والمراکز استسلمت للمجاهدين بغير قتال. والقائد (قاهرخان) الذي کان يتولی مسؤولية 32 مرکزاً في تلک المنطقة استسلم للمجاهدين مع جميع أفراده.

وأثناء تجوالنا في المنطقة التقينا بجنود الحکومة الذين استسلموا للمجاهدين مع کامل أسلحتهم وعتادهم. وقال لنا القائد المستسلم من قاعدة محمد هاشم خان الحکومية: (حين کنا في معسکرات الإعداد الحکومية، کان يُقال لنا إن المجاهدين هم غزاة باکستانييون جاؤوا من (بنجاب) واعتدوا علی أفغانستان، ويرتکبون الجرائم ضدّ الشعب الأفغاني، ولکننا حين شاهدنا المجاهدين وعايشناهم، وجدناهم مُثُلاً عليا في الأخلاق الحسنة والتعامل الحسن. فلم يعاملونا معاملة سيئة، بل يطعموننا مما يأکلون، ويزورنا الوالي والمسؤولون الکبار زيارات تفقدية ويستمعون إلی شکاوينا. إنني بالنظر إلی هذه المعاملة الحسنة من قِبَل المجاهدين أشعر بالندم علی قتالي للمجاهدين وانخداعي بإشاعات الکفار السيّئة عنهم، وإن تيسّرت لي الفرصة مرّة أخری فسأقاتل المحتلين إلی جانب المجاهدين، أو سأعيش کشخص عادي وسأساعد المجاهدين).

وحين تحدّث إلِينا أحد الأسری الآخرين وهو من قومية (الهزارة) ومن سکان ولاية (کندز) قال: (کان المدرّبون الأجانب والأفغان يقولون لنا أثناء التدريب إنّ الطالبان هم أعداء الشعب الأفغاني، ويحملون في صدورهم تعصباً قومياً ولسانياً شديداً. وإنکم إذا دخلتم معهم في المعرکة فکّروا في کلّ شيء إلا في الانضام إليهم والاستسلام لهم، لأنهم إن ظفروا بکم أحياء فإنهم سوف لا يقتلونکم بالرصاص، بل سيذبحونکم بخيط الإسکاف الذي تُخاط به الأحذية. ولکننا حين وقعنا الآن أسری بأيديهم لم نر منهم أية معاملة سيّئة، بل ذبحوا لنا الخرفان، وأعدّوا لنا ضيافة کبيرة. إنهم لا يظلمون الأسری، ولا يعاملونهم معاملة سيّئة. إنني بعدما شاهدت طالبان من خلال تعاملهم معنا أدرکت حقيقتهم. إنهم کما يرفعون شعار الإسلام بأفواههم هم في الأعمال أيضاً مسلمون حقيقيون وملتزمون بأحکام الإسلام. وإنني من هذا المکان أهيب بالجنود الحکوميين ألا يتخوّفوا من الطالبان، وأن يستسلموا لهم بکلّ ثقة واطمئنان لينجوا أنفسهم من الهلاک).

لقد سيطر المجاهدون خلال ما يقرب من الشهرين الماضيين علی مناطق واسعة في أطراف مدينة (ترينکوت) مرکز ولاية (أرزگان) وحاصروا العدوّ في حدود سوق المدينة. يقول مجاهدوا ولاية (أرزگان) إنّ مراکز العدو ونقاطه الأمنية التي فتحها المجاهدون في المناطق التابعة للمرکز يصل عددها إلی 150 نقطة. ومعظم هذه النقاط قد فُتحت عن طريق الحرب، وبعضها استسلمت للمجاهدين بدون قتال.

کان من بين القواعد المفتوحة في المناطق التابعة للمرکز قاعدة (کرنا) العسکرية التي کان يتمرکز فيها القسم الرابع لجنود النظم العام، وکان الأمريکييون قد أنفقوا علی بنائه أربعة عشر ملين دولار، وکانوا قد عمّروا فيها بنايات حديثة. استسلم للمجاهدين في هذا المرکز القائد شيرمحمد مع 73 من جنوده، وکذلک سلّم للمجاهدين 28 دبابة همفي و30 ناقلة للجنود من نوع (رينجر) ومئآت القطع من الأسلحة الخفيفة والثقيلة بالإضافة إلی مستودعين مملوءين من الذخائر والعتاد العسکري. وقد نقل المجاهدون جميع الأسلحة والدبابات والسيارت والعتاد العسکري إلی المناطق الآمنة، وحافظوا علی المباني سالمة لکونها من الممتلکات العامة ليستفاد منها في الوقت المناسب لصالح الشعب والبلد.

إن قوة العدو کما قلنا قد اضمحلت في ولاية (أرزگان)، وتواجده انحسر إلی مراکز المديريات، والمنطقة الوحيدة التي للعدوّ فيها بعض السيطرة هي مرکز الولاية مدينة (ترينکوت) التي يحاصرها المجاهدون من جميع الجهات من مسافات قريبة جدّا تُقدّر بنصف کيلومتر تقريباً. ومن مشاهدتنا للأوضاع ومن استماعنا لمکالمات جنود العدوّ في اللاسلکي، أدرکنا أنّ جنود العدوّ قد خسروا الروح القتالية ضدّ المجاهدين. لقد سمعنا قادة العدوّ يتبادلون الشتائم في اللاسلکيات، ولم يکن بينهم أي تضامن وتنسيق.

ومن الحقائق المُرّة التي شاهدناها في ولاية (أرزگان) هي ارتکاب قادة العدوّ للجرائم ضد المدنيين واستهداف قراهم ومنازلهم بالمدفعية الثقيلة بشکل مستمرّ. کان سکّان المناطق المحررّة يحکون لنا قصصاً وذکريات مؤلمة جداً عن جرائم العدوّ في قراهم وأريافهم. حکی لنا أحد الشباب من قرية (خرما) التابعة لمرکز الولاية قصّته، وقد کانت آثار الجراح بادية علی جسمه، فقال: ذات مرة اکتشف جنود العدوّ لغماً مزروعاً للمجاهدين، فأمرونا نحن ثلاثة شباب بإخراج اللغم من حفرته، ولکننا رفضنا الاستجابة لأمرهم، فهدّدونا بالقتل واضطررنا لتلبية الأمر، وحين بدأنا بإخراج اللغم انفجر علينا وأُصيب اثنان منا بجروح بالغة.

کانت قوات العدوّ لازالت تقصف المناطق المحيطة بالمدينة قصفاً عشوائياً مستمراً بالمدافع الثقيلة من مطار المدينة، ويومياً کانت هناک خسائر في صفوف المدنيين.

ومن جرائم الحرب التي ارتکبها العدوّ مؤخراً في صفوف المدنيين هي مجزرة قاعدة (محمد هاشم خان) في وادي (درويشان). حيث استسلم قائد القوات الحکومية في تلک القاعدة مع جميع جنوده في الساعة التاسعة من الليل، وکان المجاهدون قد نقلوا جميع الجنود المستسلمين مع جميع أسلحتهم وعتادهم العسکري في ظلام الليل إلی المناطق الأخری. وفي الصباح حين علم أهل المنطقة باستسلام القاعدة للمجاهدين وخُلوّها من الجنود، ذهبوا لزيارة القاعدة ومشاهدة الوضع فيها، وکان فيهم الأطفال من البنين والبنات أيضاً. أمر المجاهدون هؤلاء الناس بالابتعاد عن ذلک المکان وخوّفوهم من قصف الطائرات الأمريکية، إلا أنّ الناس لم يأخذوا توصية المجاهدين على محمل الجدّ، وقالوا نحن مدنييون وفينا الأطفال والطفلات، فلماذا سيقصفنا الأمريکيييون؟ وبعد مرور وقت قصير وصلت المروحيات الأمريکية وحلّقت فوق القاعدة، وبعدها علی الفور جاءت القاصفات الأمريکيية وأمطرت الناس المتواجدين في المکان بالقنابل الثقيلة، وأسفر ذلک القصف الوحشي عن مقتل 35 شخصاً وإصابة 15 آخرين بالجروح.

بعد القصف صرّح المسؤولون الحکومييون، وعلی رأسهم قائد الأمن العام للولاية (ولي جان سرحدي)، للصحفيين أنّ الحکومة قصفت القاعدة، وأنّ المقتولين جميعهم من مسلّحي (طالبان)، ولکن حين اتضحت الحقيقة وعُرفت هوية القتلی وأنهم جميعاً من الأطفال والمدنيين، صمتت الصحافة الغربية والموالية لها، ولم تنشر أيّ خبر عن الحادثة، إلی أن نشر استوديو الإمارة الجهادي فلماً وثائقياً عن الحادثة.

إن الوضع العام في ولاية (أرزگان) کان يبعث علی الإطمئنان إذا استثنينا المظالم الواقعة علی الناس من قبل المحتلين وعملائهم. وأما الذين تخلصوا من أذی الاحتلال ودخلت مناطقهم تحت سيطرة المجاهدين فکانوا مرتاحين إلی الوضع الجديد. کان الأمن مستتبّاً في المناطق المحرّرة، والأسواق کانت مکتظة بالناس، وکان المجاهدون يهتمّون بالخدمات المدنية أيضا، فعلی سبيل المثال کانت المراکز الصحية للمجاهدين تقدّم الخدمات الطبية لعامة الشعب أيضاً.

وطريق (أرزگان-زابل) الذي کان طريقاً فرعياً ووعراً فيما مضی قام المجاهدون الآن بإصلاحه وتوسيعه، حيث يمکن الآن للشاحنات والسيارات الکبيرة أن تسير عليه بسهولة. وهذا الطريق الذي يمتدّ من مرکز ولاية (أرزگان)عبر (خاص أرزگان) ومديريتي (خاک أفغان) و(أرغنداب) إلی ولاية ( زابل) يعتبر فتحه وإصلاحه من قبل المجاهدين خدمة عظيمة لعامة أهالي تلک المناطق.

هذا کان ملخص ما شاهدناه في زيارتنا الإعلامية لولاية (أرزگان)، وقدّمناه لقراء مجلة (الصمود) علی أمل غلبة الحق علی الباطل إن شاء الله تعالی.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى