مقالات الأعداد السابقة

هزائم إدارة كابل في عام ١٣٩٩ الشمسي المنصرم

عماد الدين الزرنجي

 

في نهاية العام الشمسي ١٣٩٩ وعلى أعتاب العام الجديد، ينبغي لنا أن نلقي نظرة عابرة إلى الهزائم والانكسارات التي حلت بإدارة كابل؛ ذلك لنرى كيف لعب المحتلون بمستقبل شعبنا الأبي الباسل. إن المتابع لقضايا أفغانستان يذعن أن العام الماضي كان أخزى وأخس عام لإدارة كابل، ليس في المجال الأمني فحسب، بل في مجالات مختلفة كالاقتصاد والسياسة والاجتماع، وغير ذلك من المجالات التي ترتبط بالداخل والخارج.

لاشك بأن ملف إدارة كابل أسود ومليء بالهزائم والانكسارات طوال فترة الاحتلال. فهذه الحكومة العميلة لم تأت بالخير لشعبنا، بل أتت بالمصائب والمشاكل العديدة التي لا يمكن جبرها في المستقبل القريب. حيث كان ملفها في العام الماضي مليء بالمخازي والمواقف التي لا يقبلها إباء شعبنا الذي أرغم أنوف الطغاة والجبابرة الذين أرادوا فرض سيطرتهم على شعبنا عبر التاريخ. العام الماضي لإدارة كابل كان شبيهاً بالعام الأخير الذي أجبر فيه الاحتلال السوفيتي على مغادرة أفغانستان في السبعينات من القرن الماضي.

وفي هذا المقال سنبحث في ملف الإدارة العميلة في العام الماضي في المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية.

 

المجال الاقتصادي:

إن تدني المستوى الاقتصادي للإدارة بدأ منذ سنوات بعدما قلص المحتلون أكثر قواتهم من أفغانستان، لكن هذا الهبوط والسقوط في الاقتصاد أخذ سرعة عجيبة في العام الماضي؛ إذ قلت عوائد الإدارة، وتفشى الفقر في جميع المناطق التي تسيطر عليها الإدارة، خاصة في مدينة كابل العاصمة. حيث بدأ كثير من الشباب بالسوال في الطرق والشوارع، فضلا عن النساء والشيوخ. هذا ما رأيته بأم عيني وقد أثار عجبي.

وجراء هذه الأزمة الاقتصادية في العام الماضي، أقبل كثير من الشباب العاطلين على السرقة وقطع الطرق على الناس، وكان أكثرها في مدينة كابل. إذ لم يمرّ ليل، إلا وقد هجم السارقون على العامة في الطرق والشوارع والدكاكين والبيوت. وحدثت حالة من الفوضى والبلبلة في العاصمة، وسمعنا من بعض كبار السن أن هذه الحالة غير مسبوقة. وقد حدث أن استشهد كثير من الشباب دون مالهم. ومؤخراً أرغم سكان كابل على الاعتراض ورفع أصواتهم تجاه الوضع الحالي، والاعتراض الواسع في وسائل الإعلام أرغم الإدارة على تعيين المساعد الأول مسؤولا عن التخطيط لتوفير الأمن في العاصمة.

وقد اتخذ المساعد الأول جميع الوسائل، وسلك جميع الطرق لمكافحة السرقة ومعاقبة السارقين، لكن نظرا إلى أن أيدي السارقين والمسؤولين الأمنيين في كأس واحد، لم يستطع تحقيق نتيجة ملموسة.

إن تأزم الاقتصاد وتفشي البطالة والفقر أرغم كثيراً من المواطنين على مغادرة البلد، خاصة في الولايات الحدودية. ليس لدينا رقم محدد عن عدد المهاجرين، لكن المشاهدات تظهر أن آلافا من المواطنين غادروا البلد وهاجروا إلى البلاد البعيدة. ويمكن لقائل أن يقول أن مرض كرونا سبب هذا الفقر والتأزم الاقتصادي، لكن هذا الكلام غير صحيح؛ لأن انتشار كرونا في أفغانستان كان قليلا جدا، لكن إدارة كابل ضخمت الوضع جلبا للمساعدات الخارجية.

من جانب آخر، قد تدفقت مليارات الدولارات من الخارج إلى البلد لمكافحة مرض كرونا ومساعدة الشعب، لكن العاملين في مجال الصحة ضيعوا هذه الأموال وسرقوها وحرموا الشعب من ثمارها. لذلك ليس من الصحيح أن نقول أن لمرض كرونا تأثير في انتشار الفقر والبطالة في البلد. بل مرض كرونا جلب أموالا كثيرة من الخارج كانت تكفي لازدهار البلد.

والخلاصة أنه في العام الماضي سجلت الإدارة هزيمة اقتصادية كبيرة، أدت إلى إعراض الشعب عنها أكثر من ذي قبل.

 

المجال الأمني:

إرساء قواعد الأمن واستتبابه في أي بلد من البلدان من المسؤوليات الملقاة على عاتق السلطات في ذلك البلد. إن الأمن أهم من كل شيء، حتى أهم من الطعام والشراب. وقد أخفقت الإدارة في العام الماضي في توفير الأمن للمواطنين. حيث واجه الشعب في العام الماضي لأول مرة في تاريخ البلد ظاهرة الاغتيالات المستهدفة، حيث اغتيل عدد كبير من من العلماء والإعلاميين والصحفيين العزل وطلاب الجامعات الحديثة. وكان من أبرز العلماء والدعاة الذين استشهدوا في مؤامرة الاغتيالات المستهدفة، الدكتور إياز نيازي والشيخ عزيز الله مفلح وأخيرا الدكتور عاطف، رئيس جمعية الإصلاح في أفغانستان.

يعتقد كثير من الخبراء أن إدارة كابل تقف وراء هذه الاغتيالات المدبرة؛ وذلك من أجل توجيه التهم إلى الإمارة الإسلامية وجلب أنظار العالم. لكن قضاء الله شاء أمرا أخرا، حيث سببت الاغتيالات المستهدفة إعراض القوات الخارجية عن الإدارة وإكراهها على مواصلة مشروع السلام.

وهنالك من يتهم الدواعش وبعض البلاد الخارجية بتنفيذ مشروع الاغتيالات المستهدفة. أيا كان الفاعل، فالضعف في توفير الأمن هو وصمة عار في جبين إدارة كابل.

لاشك أن جناية الاغتيالات المدبرة كانت من أخطر القضايا إذ استهدفت الثروات المعنوية للبلد.

 

المجال السياسي:

أما المشهد السياسي في العام الماضي لم يكن لصالح الإدارة، لا داخليا ولا خارجيا. أما داخليا، فقد فقدت الإدارة ثقة الساسة في الداخل، حيث تخلى كثير منهم عن حماية الإدارة، بل قاموا ضدها، حتى أن أحد الأحزاب قام بمظاهرة واسعة في الأسابيع السابقة في كابل. وبقيت الإدارة وحيدة في الميدان، لنرى قمة هذا الخلاف يظهر جلياً في مذاكرات السلام، حيث يحمي أكثر الساسة فكرة الحكومة المؤقتة التي اقترحها الأمريكيون خلافا لموقف الإدارة إذ تخالف هذا المقترح.

وفي مجال السياسة الخارجية أيضا نرى الإدارة وحيدة جدا، إذ كانت الإدارة تأمل أن تقف إدارة بايدن إلى جانبها، لكن الأخيرة نظرا إلى فشل إدارة كابل في بسط الأمن في البلد، رجعت عن وعودها الانتخابية في حماية إدارة كابل.

وأخيرا نرى قمة افتضاح الإدارة في السياسة الخارجية في الرسالة التي أرسلها قادة روسيا في دعوة ممثلي الإدارة إلى مؤتمر السلام في موسكو، حيث لم تستقبلهم روسيا رسميا، وتقبلت مصارف ثلاثة من الممثلين فقط!

هذا الموقف من جانب دولة روسيا سجل صفحة أخرى من مخازي إدارة كابل في مجال السياسة الخارجية. وقد أثار هذا الموقف جدلا واسعا في وسائل الإعلام في البلد.

 

صفوة القول:

العام الماضي من أوله إلى نهايته لم يكن لصالح إدارة كابل، بل كان عاما مليئا بالهزائم. فقد اقتربت نهاية إدارة الاحتلال وطلوع الفجر الصادق للحرية والاستقلال.

لاشك أن الشارع العام في أفغانستان يرفض الاحتلال، بل يرنو إلى دولة إسلامية شاملة تحقق الأمن والسلام وتسعى في تنمية البلد في جميع المجالات، خاصة في الاقتصاد والسياسة والأمن والتعليم. إن هذا الفجر قادم لا محالة، وإن بوادره تلوح في سماء البلد. وما ذلك على الله بعزيز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى