هنا حلب .. كربلاء بلا حسين
محمود أحمد نويد
حلب مدينة تحترق، ودموع تسكب، ودماء تجري، وآهات وصرخات ترتفع ولكن بلاجدوى.
أنين يخمد، ورؤية تبقى في حيرة، وفؤاد يحترق من الكمد والحزن العميق.
فآهٍ ثم آهٍ يا حلب!
أين تلك المدينة الجميلة، وأين بهاءكِ؟
أين ضحك أطفالك، وضجيج أهلك، وتجارة ساكنيك؟
أين حضارتك ومعالمك الدينية والعلمية يا تيجان الشام وعرس بلاد الشام، أين سكونك وهدوءك واستقرارك، وأين جلالتك ووقارك وابتهاج أهلك وتهليلهم؟
آهٍ يا أختاه! آهٍ يا أخي! وآهٍ يا أمي وأبي العجوز!
فطفلك الرضيع الذي أبصر النّور من جديد، ولد في عالم الضجيج والضوضاء والآلام وتحت زخات الرصاص، ولم تدم الفرحة والسرور والبهجة والحبور من احتضان العائلة للطفل الجديد إلا وسقطت قذيفة فبدلت الفرح بالماتم والحزن والحداد.
فآهٍ ثم آهٍ … ماذا أرى يارب!
يا الله هؤلاء إخواني الذين سالت دماؤهم كالأنهار، وهذه أخواتي اللاتي تهتك أعراضهنّ، وأمهاتي اللاتي يصرخن ويولون، وهؤلاء آبائي البائسين الذين ينادونني بيا مسلم! يا مسلم هل تسمع! يا مسلم هل ترى؟ هل بقي فيك إحساس وإنسانية؟
فأنا مسلم، ومن بني جلدتك، وديننا واحد!
أنا مسلم! والله أنا مسلم، وليست جريمتي سوى أنني أدين بدين الإسلام، فأمزّق أمامك، وتدنّس أعراضنا، وتنتثر أشلاء أطفالنا في سنّ الورود، أنا من سلالة حسين، وأستشهد كالحسين في حلب، ولكن وا أسفاه من يسمع آهاتي وصرخاتي!؟
ألقي النظر إلى ضاحية من المدينة فأرى المسلمة العفيفة تصرخ وتنادي تباً لك يا مسلم يا من ترى أختك تهان أمام عينيك وأنت لا يتحرك فيك ساكن؟ حسبنا الله ونعم الوكيل.
يا الله إنّ الكلمات لعاجزة أن تصف المشهد المريع المحزن الذي يعاني منه مسلمو حلب.
فبأي كلمات نصف مأساة حلب ودماء أطفال الشام التي تجري في سكك حلب لأي قارئ ومشاهد؟
فالصور المروعة، والجرائم الرهيبة، والمشاهد الوحشية، والمجازر المرعبة كلها في حلب، فالشوارع امتلأت من الدماء الطاهرة الزكية.
فيا الله ماذا أقول وماذا أصف، لا تنتهي هذه المظالم، بل الجراح نازفة حتى الآن، فلا ساكن لقلوبنا إلا قول حسبنا الله ونعم الوكيل.
فهل لنا ملجأ غير الله؟
نشكو إلى الله من أزمة الرجال، وعندما أرى عيون أطفال الشام الدامية والدامعة، أفهم من فحوى عيونهم أسئلة كثيرة، تتطلّع إلى شاب شجاع كعمر الفاروق، وتبحث عن حسين هذه الكربلاء التي لا يوجد فيها حسين، وتفتش عن خالد بن الوليد وصلاح الدين ومحمد الفاتح التركي وغيرهم من أبطال الإسلام ولكن لا تجدهم!
فأتأسف وأقول: يا ليت لنا مثل هؤلاء الرجال. ثم أشكو إلى الله مأساة الشعب السوري، وإلى الله المشتكى.