شهداؤنا الأبطالمقالات الأعداد السابقة

هنا نزف بطلا آخر .. الشهيد الملا عبد المنان

القارئ سعيد

هلمند ثغر عظيم من ثغور الجهاد في أفغانستان، حيث اندحرت فيها الإحتلالات الأجنبية، وبصفتها ولاية كبرى أدت حق سعتها في قراع المحتلين، ووفقا للإحصائيات التي نشرها الغربيون حول خسائرهم نصف جنود الاحتلال الهالكين تم قتلهم في “هيلمند” وحدها.

وقد ثبتت “هيلمند” منذ أكثر من عقد ونصف ثغرا لا يُقهر، وقوة لا تُدحر، وأبطلت إستراتيجيات المحتلين العسكرية بداية من “بوش” و”بلير” ومرورا بـ “أوباما” ونهاية إلى “ترامب” وأفشلت مخططاتهم.

هاجت “هلمند” كهيجان نهرها الهائج وأغرقت المحتلين الجبابرة في أمواج قوتها الإيمانية وصلابتها الأفغانية، وكسائر بلاد الأفغان صنائع “هيلمند” كثيرة وغير محدودة في الجهاد ضد الاحتلال، ولا يمكن أن يحتويها هذا المقال.

خبر محزن عن المسؤول الجهادي لولاية “هلمند” الملا “عبد المنان” -تقبله الله- أنه قتل في غارة جوية للمحتلين الصليبيين في مديرية “نوزاد” فإنا لله وإنا إليه راجعون.

يُعدّ الملا “عبد المنان” أو الملا “محمد رحيم” باسمه الحقيقي من المجاهدين السابقين والقادة الميدانيين الكبار ضد الاحتلال الصليبي، الذي نال أخيرا أمنية الشهادة في نهاية حياته الجهادية الطويلة.

وُلد الملا “عبد المنان” قبل خمسين عاما في مديرية “نوزاد” بولاية “هيلمند” ونشأ في أسرة متدينة، ومنذ صغره بدأ يرتاد مدرسة تلو الأخرى طلبا للعلوم الإسلامية، حتى انتفض طلبة المدارس ضد فساد الهرج والمرج، فانضم الملا “عبد المنان” منذ البداية إلى هذه الحركة، وبعد فتح ولاية “كابول” عُين إلى مدة مسؤولا لمطار “كابول” ثم مسؤولا لمطار ولاية “هيرات” ثم مسؤولا لمطار “شيندند” إلى ثلاث سنوات.

وكان الملا “عبد المنان” -تقبله الله- يساهم في العمليات القتالية إبان حكم الإمارة الإسلامية ويمكث وقتا كثيرا في جبهات القتال الأمامية، وكان مشاركا في كثير من المعارك غربي البلاد وشمالها، وأصيب بإصابات بالغة خلال عملية “قندوز” وكان تحت إشراف طبي إلى مدة طويلة.

وبعد الحملة الصليبية على أفغانستان لما بدأت العمليات الجهادية ضد الاحتلال الأمريكي كانت الحركة الجهادية ساكنة نسبيا في “هلمند” في الأعوام الأربعة الأُول، حتى عينت قيادة الإمارة الإسلامية الملا “عبد المنان” مسؤولا جهاديا لهذه الولاية عام 2005 الميلادي، وببركة نشاطاته المبتكرة وعمله الدؤوب انفجرت الحركة الجهادية في “هلمند” كبركان قوي، وتغيرت صفة العمليات الجهادية في صحاري “هلمند” وقفارها من مديرية “جرمسير” إلى “نوزاد” من حرب عصابات فردية وعمليات سرية إلى عمليات علنية وهجومية، وفقدت “القوات البريطانية” خلال عام واحد فقط قوة التحكم على “هيلمند” لوحدهم وتحللت سلطتهم، فاستغاثوا بالقوات الأمريكية وجاءت عشرات الآلاف من القوات الأمريكية إلى “هلمند”.

وإلى منتصف عام 2008 الميلادي كان الملا “عبد المنان” -تقبله الله- مسؤولا جهاديا لولاية “هيلمند” وكانت الحركة الجهادية تتقوى وتتوسع فيها تحت إمرته.

وفي نفس العام اعقتلته السلطات الباكستانية أثناء السفر إلى “باكستان” وقضى عدة سنوات في السجون الباكستانية، وبعد الإفراج عنه عُين مرة أخرى مسؤولا جهاديا لولاية “هلمند”.

وأثناء اعتقاله كاد الأمريكيون أن يحتلوا ولاية “هلمند” كلها وتمكنوا من السيطرة على مناطقها المهمة، كـ”نوزاد” و”موسى كلا” و”سنجين” و”كجاكي” و”غريشك” و”مارجه” و”نادعلي” و”باباجي” و”جرمسير” و”خانشين” والمناطق المحيطة بمركز الولاية، وبنوا قواعد حصينة في كل قرية من قراها، وفرخوا الصحوات في كثير من المناطق، ونشروا فيها شبكة من الثكنات والحواجز للجنود الداخليين.

إن المرحلة الثانية لمسؤولية الملا “عبد المنان” -تقبله الله- كانت كـالمرحلة الأولى محفوفة بالأمجاد والبطولات والإنتصارات والإنجازات، وخلال أعوام فقط طُوي بساط الاحتلال من المناطق الشمالية والجنوبية والمركزية، ودمرت المراكز والقواعد، وفتح المجاهدون مديرية “موسى كلا” و”نوزاد” و”سنجين” و”خانشين” وبنصر من الله قضوا على فتنة “الأربكي” والعملاء الداخليين في هذه المناطق كلها.

وإضافة إلى فتح المديريات سيطر المجاهدون على مناطق واسعة في “غريشك” و”مارجه” و”نادعلي” وفي المركز “لشكر جاه” ومرة واحدة كاد المجاهدون أن يسيطروا على “لشكر جاه” ويرفرفوا راية التوحيد عليها.

وبصفته مسؤولا أولا لقد كان للملا “عبد المنان” -تقبله الله- دورا بارزا ومباشرا في عمليات “هلمند” العسكرية، فهو على الرغم من كونه مطلوبا للعدو ومطاردا أمنيا كان يشارك بنفسه في المعارك والعمليات التهاجمية، ويعلي همم مجاهديه ومعنوياتهم بنشاطاته الجهادية الجريئة، وحواراته الإعلامية وقيادته الفعالة، ويلعب دور قائد محنك شجاع.

إن الملا “عبد المنان” -تقبله الله- كان من أولئك القادة المضحين الذين يقضون سنوات مع المجاهدين في جبهات القتال، وهو لم يكن كقادة الكيان العميل الذين يصدرون الأوامر إلى جنودهم من القلاع البعيدة المأمونة، بل إنه كان يتقلب في غبار الجهاد كمجاهد بسيط، واقفا جميع حياته وأمواله في سبيل الله.

وإني (كاتب الحروف) التقيت مع الملا عبد المنان” تقبله الله_ مرة واحدة، إنه كان مجاهدا نشيطا وفعالا مفعما بالحيوية ويتمتع بالجدية، تظهر الجدية والروح العالية من كلامه، يفكر دوما في الجهاد في سبيل الله وطرد الاحتلال وقراعه، مسيطرا على الصفوف الجهادية سيطرة كاملة، يدير آلاف المجاهدين في أكبر ولاية مساحة، ويسوقهم إلى العمليات الجهادية.

كان الملا “عبد المنان” -تقبله الله- في طريق من مديرية “غريشك” إلى مديرية “نوزاد” إذ استهدفت طائرات دون طيار السيارة التي تقله وأطلقت عليها الصواريخ، فطارت روح قائدنا الطاهرة ومات شهيدا في سبيل الله نحسبه كذلك والله حسيبه.

ولا شك أن مقتله مصيبة كبرى للجهاد الجاري ضد الاحتلال، ولكن إن قلبنا أوراق التاريخ لوجدنا أن أمثال هؤلاء المجاهدين الأبطال استراحوا أخيرا في حضن الشهادة المخضب، وأكرمهم الله بحياة سرمدية والعاقبة الحسنة والسعادة الأبدية.

والشهيد الملا “عبد المنان” -تقبله الله- الذي قضى معظم حياته في الجهاد وأشغل طواغيت العصر الصليبيين الجبابرة بأنفسهم، نال أخيرا مفخرة الشهادة، فلتهنأه هذه المفخرة ونسأل الله جل في علاه أن يتقبله في عداد الشهداء ويلهم ذويه وإخوانه المجاهدين الصبر والسلوان ويعوضنا خيرا منه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى