مقالات الأعداد السابقة

هنيئاً لك الشهادة يا أمير المؤمنين!

بقلم: أبو غلام الله

بقلوب صابرة محتسبة، وبعيون دامعة حزينة، نهنئ الأمة الإسلامية عموماً والشعب الأفغاني على وجه الخصوص بشهادة أميرها المخلص، الباسل الأبي، الشهم البطل، العبقري الشجاع، وفي نفس الوقت نعزيها على هذا الضياع الكبير الأليم.

ذلك الأمير النّبيل الذي كان بحق خير خلف لسلفه الصالح أمير المؤمنين الملا محمد عمر المجاهد رحمه الله المجدد والحاكم الزاهد.

نعم؛ فوجئ العالم الإسلامي في 14 من شهر شعبان باستشهاد أمير المؤمنين الملا محمد أختر منصور رحمه الله الذي لم يتوانَ ساعة عن مقارعة الصليب منذ أن نبت الاحتلال المشؤوم على أرض وطننا الذبيح، حيث ترأس الأمور عن كثب بعد عام 2010م وإلى الآن ببطولة فذّة وعبقرية وشجاعة نادرة، دفاعاً عن الدين والوطن والمسلمين، تاركاً الملذّة والراحة، فرحمك الله يا زعيم المجاهدين المؤمنين، لقد خِفت ربك فخافك أعداؤه، وتلوت كتاب الله، فخرجت تقاتل في سبيل الله، وستبقى حياتك نبراساً لشباب الإسلام المكافح في سبيل دينه وعقيدته ودحر الصليب المحتل.

مُصابك إنه رزء جليل                       فما أدري العزاء وما أقول!

جراحٌ في الفؤاد يئنُّ منها                   وليس له إلى السلوى سبيل

وألتمس العزاء وأين منّي                   وبادي الحزن طاغٍ والدخيل

أأبكي والبكاء له قليل                        أم أصبر والخطوب بنا تصول

وهل يُجدي البكا فيردّ خِلاً                  وماذا ينفع الصبر الجميل؟

فقدنا فيه سيفاً يعربياً                         إذا ما أعوز السيف الصقيل

فقدنا فيه حراً ألمعياً                          إذا ما أحوج الرأي الأصيل

فقدنا أمة ومنار شعب                       له في كل مكرمة دليل

سنبكي فيه أخلاقاً كراماً                    ويشهد فضلها جيلٌ فجيل

كان أعداء الله الصليبيين المحتلين، وأذنابهم العملاء من المنافقين والخونة يتحينون الفرص، ويعدّون اللحظات بل والثواني لقتل أو أسر أمير المؤمنين الملا محمد عمر المجاهد رحمه الله؛ كي يشمتوا أولاً، ويقصموا ظهر المجاهدين ثانياً، حتى يُنهوهم من أفغانستان ولا يكون لهذه الإمارة الفتية وجود على ثرى الأفغان، ولكن هيهات هيهات أن يتم لأعداء الإسلام ما يريدون، ويحصل ما يتمنون، فقد كان الله -جلّت قدرته- لمكائدهم بالمرصاد فهيأ للشعب المؤمن من يمسك بزمام أموره، ويوحّد صفوف المجاهدين كالبنيان المرصوص، ويعيد للإسلام مجده، ويصل بينه وبين أبنائه من جديد، ولاشك أن هذه المهمة لكبيرة والنهوض بها شاقٌ عسير، يتطلب نوعاً خاصاً فريداً من الرجال المؤمنين الصادقين العبقريين الذين يستلذون التضحية في سبيل الله مهما غلت، ويستسهلون الصعاب وركوب المخاطر لإعلاء كلمته، وينسون أنفسهم وحظوظهم ليذكروا دينه، ويجاهدوا للدفاع عنه ولإعلاء رايته.

وفعلاً لم يكن ذلك العبقري الذي أعدّه الله لحمل هذه الأعباء، والقيام بهذه المهمة -مهمة قيادة المجاهدين ورصّ صفوفهم- غير أمير المؤمنين الملا أختر محمد منصور رحمه الله الذي نهض بالعبء الثقيل الكبير “وإنّ العظائم كفؤها العظماء”.

لقد كان -رحمه الله- طاقة جبّارة من النّشاط المتوقّد الذي لا يعرف الملل ولا الفتور، فليس غريباً أن يخوض الميادين المختلفة ويكافح في الجبهات المتعددة، ثم ينجح في كل هذه الميادين، ويدوّخ الأعداء وينتصر في كل الجولات.

ولقد كان رحمه الله يحمل جسمه وأعصابه من إرهاق العمل المتواصل في سبيل الله، ما جعل جسمه -على ما يتمتع به من قوّة وبأس وحيوية نادرة- ينوء بالأثقال التي حملها وحده، ولا يعبأ بالعناء والتعب المرير، ولكنّ الشعور بالواجب والمسؤولية يتغلّب عليه:

وإذا كانت النفوس كباراً              تعبت في مرادها الأجسام.

أمّا عظمة أمير المؤمنين فدوحة تكشفت عن معدن، وتجلّت عن أصالة، وتعرّفت إلى الدنيا من على قمم العقيدة، ومن ميادين الجهاد المقدّس.

إذاً فلتمت الأشباح ما كتب عليها الموت، ولتتبخر هذه المادة الأرضية في عالم الفناء، فلن يضيره إن استشهد هنا أو هناك، ولن يضيره كذلك أن تشيّع جنازته في موكب حافل أو خامل، فالشهيد رحمه الله عاش حياته رائداً ومجاهداً وزعيماً بل وأميراً للمؤمنين، مقامه في القمم الشمّاء، وروحه في علياء السماء إن شاء الله.

عشت فوق الثرى عظيماً فأحرى          بك أن تسكن السماء عظيماً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى