مقالات الأعداد السابقة

وأخيراً ترجّل الفارس

بعد رحلة امتدت أكثر من عقدين من الزمن، بعد التعرض للعديد من الابتلاءات والمحن، بعد تحمل المشاق وتجشم الصعاب، بعد صبر ومصابرة وصمود وثبات، بعد جهاد ورباط، بعد صراع وقراع مع أعداء الله الصليبيين المعتدين، بعد النكاية فيهم وإذاقتهم الويلات، بعد انتصارات باهرة وفتوحات مبينة، بعد تربية وتدريب آلاف من المجاهدين، هاهو البطل الهمام والأسد الضرغام والمغوار المقدام الحاج الملا عبد السلام “بريالى” (تقبله الله) يرتقي شهيداً في غارة أمريكية صليبية، وذلك في 29 من جمادى الأولى عام 1438 الهجري في مديرية دشت أرتشي بولاية قندوز.

المصاب جلل والرزء عظيم، ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون.

الكلم بفقده كبير، والجرح بفراقه غائر، ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻏﺼﺔ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺣﺮﻗﺔ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﺩﻣﻌﺔ.

 

لـو كـان يـنفـــع للعـلـيل غلـــــــــــيلُ ** فـاض الفرات بـمدمعـي والنـــــــــيلُ

خطبٌ له كل الخطـوب تقــــــــاعست ** وبكى لـمعـظـم وقعه جــــــــــــبريـل

أفديـه مـن فـادٍ شـريعةَ أحــــــــــــمـدٍ ** بـالنفس حـيث النـاصرون قـلــــــــيل

 

 

الملا عبد السلام “بريالى”:

الملا عبد السلام الملقب “بـ بريالى” (الفائز) البالغ 37 ربيعاً من عمره، من ولاية زابل، انتقلت أسرته قبل مولده إلى شمال البلاد قندوز، واستوطنوا مديرية “دشت آرتشي”. كان أباً لطفلتين تيتّمتا برحيله رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

تلقى رحمه الله الدروس الإبتدائية في مسجد القرية والمدارس القريبة، ولما تأسست حركة طالبان انضم لها وجاهد تحت رايتها.

ولما بدأت نشاطات المجاهدين ضد الاحتلال الأمريكي كان من أوائل المجاهدين الذين اجتمعوا في قندهار وزابل ورتبوا الصفوف من جديد لمقارعة العدو الصليبي المعتدي.

وبسبب مهاراته القتالية و تفوقه في العمل العسكري جذب انتباه قيادة الإمارة الإسلامية فعينوه مسؤولاً جهادياً على ولاية قندوز الشمالية، وبعد زمن من الجهاد والتضحيات وقع في الأسر، ولبث في السجن ثلاث سنوات، ولما منّ الله عليه بالخروج من السجن، عاد إلى جبهات القتال ليكمل المسيرة فتمّ تعيينه مرة أخرى على ولاية مزار شريف ثم على ولاية قندوز، فجعل المنطقة كلها جحيما على القوات المحتلة وأذنابهم.

إن الملا عبد السلام هو القائد الناجح الذي قارع أعداء الله المدججين بأفتك وأحدث أنواع الأسلحة، فحشد جموعاً من العرقيات المختلفة وزرع في قلوبهم حب الجهاد والموت في سبيل الله وربّاهم على نصرة الإسلام والمسلمين، وبسبب دهاء وحنكة الشهيد الملا عبد السلام لم ينجح العدو رغم المحاولات المتكررة باستعادة السيطرة على المناطق التي فتحها المجاهدون.

لقد تمكّن الملا عبد السلام في فترة وجيزة مرتين من فتح مدينة قندوز وإحراز الكثير من الغنائم والأسلحة والتجهيزات العسكرية، وتحرير الأسرى و تكبيد الأعداء خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وكان لفتح مدينة قندوز أثراً كبيراً على انهيار معنويات العدو، فحدثت بينهم خلافات عميقة، وفقدوا الثقة فيما بينهم، والجيش الذي لقنه الملا عبد السلام دروساً لا يستطيع إلى الآن الصمود أمام المجاهدين.

وكما أنشأ الملا عبد السلام رحمه الله معسكرات تدريب للمجاهدين في ولاية قندوز، أنشأ مدارس ومعاهد شرعية لتعليم أطفال المسلمين.

و لم يكن الملا عبد السلام رحمه الله قائداً عسكرياً ناجحاً فقط بل كان صاحب نفوذ واسع في المنطقة، التفّ حوله أهالي قندوز بكل أطيافهم.

ويقول الإخوة الذين عايشوه أنه كان عابداً زاهداً، يقضي كثيراً من الأيام وهو صائم، و يداوم على صلاة الليل، ويذكر الله على كل أحيانه. الشفقة والتواضع وحسن المعاشرة وحسن الخلق، كانت من سماته، وكان جرئياً مقداماً، يتنزه عن المال العام، وكانت تأتيه نفقة منزله من حانوت يجلس فيه شقيق له.

 

محاولات استهداف الملا عبد السلام:

لقد واصلت أمريكا قصفها العشوائي الهمجي على منازل المدنيين وقراهم في ولاية قندوز بغية استهداف الملا عبد السلام، وقتلوا العديد من المدنيين الأبرياء العزل، وأعلنوا أربع مرات عن مقتل القائد الملا عبد السلام، وفي كل مرة لما كان الشهيد يجري الحوار نفياً لادعاءاتهم كان يتمنى الشهادة ويود القتل في سبيل الله، ويسأل الله الشهادة، وفي المرة قبل الأخيرة سجل هذه الكلمات الخالدة وصدق الله فصدقه نحسبه كذلك ولانزكي على الله أحداً:

(القتل في سبيله تعالى من أسمى أمانينا وأغلاها، ولقد عاهدنا الله أننا سنبذل أرواحنا في سبيلك ابتغاء مرضاتك.

وليعلم العدو أن في المجاهدين مئات بل آلاف الرجال ينتظرون الشهادة في سبيل الله بفارغ الصبر ويتسابقون إليها).

 

و إن ظن الأعداء أنهم سينعمون بحياة آمنة بعد رحيل الملا عبد السلام تقبله الله، أو أنه سيحدث وهن وضعف في صفوف المجاهدين بسبب رحيل القادة واستشهادهم، فلا والله، وإننا نريد أن نقرع أسماعهم بكلمات للقائد الشهيد الملا عبد السلام في حوار له مع إذاعة صوت الشريعة:

(إن قتل إخواننا في سبيل الله يشحذ عزائمنا ويُعلي هممنا ويقوي إيماننا ويشعل جذوة الجهاد ويحيي حب الشهادة في قلوبنا، إن تضحياتنا تجيء لنا بالإنتصارات وتنجي المؤمنين المستضعفين والشعب المنكوب المضطهد من شر الظلمة المتجبرين، وإن شاء الله ستكون هذه التضحيات سبباً لهزيمة المحتلين المتغطرسين وطي بساط الاحتلال من بلادنا الطاهرة.

إن هذا الصرح الجهادي لم يسقط ولم يضعف بمقتل الأمير الملا أختر منصور تقبله الله، بل قوي واشتد وتماسك، فإذا لم تحدث برحيل هؤلاء القادة الأفذاذ ثلمة في هذا البنيان فأولى أن لا تحدث بذهابنا ومقتلنا.

فعلى العدو أن لا يظهر الشماتة لأن الإمارة الإسلامية قد ربت أجيالاً من القادة يحملون الراية واحداً تلو الآخر ولن يتركوها للسقوط إن شاء الله لأن المأسدة لا تخلو من الأسود). انتهى كلامه رحمه الله.

وليعلم أعداء الله أن دماء الشهيد الملا عبد السلام تقبله الله لن تذهب هدراً، بل سيأخذ المجاهدون الأشاوس والإستشهاديون الأبطال بثأره من العدو المحتل والعملاء إن شاء الله.

وستظل دماءه نبراساً على طريق الجهاد تستنير به الأجيال القادمة ووقوداً يدفع عجلة الجهاد نحو الأمام. وقد أعلن بعد مقتله بيوم العشرات من طلاب الجامعات عن النفير إلى ساحات الجهاد وسجلوا أسماءهم في كتائب الإستشهاديين.

 

لقد نال الملا عبد السلام أغلى أمانيه وأسمى ما كان يسعى له فقد تجشم الصعاب، وتقحم المهالك وأفنى جميع عمره في جبهات القتال وثغور الجهاد، وخاض غمار الحروب طلبا للشهادة وبحثاً عنها فرزقه الله الشهادة مقبلا غير مدبر، وارتقى شهيدا بصاروخ صليبي أمريكي.

لقد ارتقى تقبله الله متضرجا بدمائه الطاهرة الذكية ومات كما يموت الرجال في ساحات النزال، فهنيئاً لك هذه الكرامة بعد رحلة طويلة من الابتلاءات والمحن والصبر والجهاد والرباط ورحمك الله يا عبد السلام وتقبلك في عداد الشهداء وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة وألحقنا بك في عليين، وسلام على روحك في الخالدين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى