واجبنا تجاه الإعلام الهدّام
محمد أمين
إنّ أشدّ ما يُفتقد عند نقل أخبار المعارك مع الخصوم هي الموضوعية، لا سيما إذا كان المنقول عنه خصماً لأمريكا، فهنا لا مجال لنقل أي خبر يخالف الرؤية الأمريكية أو يعكّر صفوها أو يؤلّب عليها الرأي العام، فلا يُسمح للصحفي نقل مآسي المدنيين وأوجاعهم بموضوعية ومصداقية كما هي دون اجتزاءٍ أو تحريفٍ أو تقليلٍ.
يقول الباحث أحمد سالم في معرض حديثه عن الرقابة الصارمة المفروضة على الإعلام العالمي عامة والأمريكي خاصة: “باختصار: في الحرب الأمريكية ضدّ الإرهاب، لا بدّ أن يكون كل شيءٍ في صورتها إنسانيًا، وكل شيءٍ في صورة خصومها دمويًا، لا مكان هنا للخطأ، ولا للموضوعية، ولا لفيتنام أخرى”.
وممّا لم يعد فيه شكّ، من خلال مراقبة المشهد العالمي منذ قرن إلى الآن، أنّ اليهود هم من يدير العسكر من خلف الستار، والمتمعّن في حيثيات الحربين العالميتين يدرك ذلك، وفي الوقت نفسه سيطروا على اقتصاد العالم، وكذلك نفذوا إلى الإعلام منذ نشأته، وصاروا يديرونه إدارة كاملة من ألفه إلى يائه. ونستأنس هنا بما كتبه خالد الشايع:
“وتجدر الإشارة هنا إلى أن اليهود لمَّا وقفوا على أهمية الإعلام وتأثيره في حياة الشعوب فقد هَبُّوا للاستئثار به وتصريفه وفق ما يريدون، ولنلْمِح إلى شيء مما يدل على هذا في مجالات الإعلام المتنوعة:
ففي مجال وكالات الأنباء: فوكالة «رويترز» مؤسسها هو: «جوليوس رويتر» اليهودي. ووكالة «أسوشيتد برس» هي شركة تأسست عام ١٩٠٠ من قبل صحف ومجلات أمريكية تقع معظمها تحت سيطرة اليهود.
وفي مجال الصحافة: اشترى مليونير يهودي يدعى «روبرت ميردوخ» عددًا من الصحف والمجلات البريطانية وهي صحيفة «التايمز» و«الصنداي تايمز» ومجلة «الصن» و«نيوز أُف ذا وورلد» و«سيتي مجازين». وفي أمريكا اشترى اليهودي «أودلف أوش» أشهر صحيفة أمريكية وهي «نيويورك تايمز» وذلك عام ١٨٩٦، ولليهود سيطرة على صحف أخرى مثل «الواشنطن بوست» و «الديلي نيوز» وغيرهما.
ومن المجلات الأمريكية يسيطر اليهود على عدد منها: كمجلة «التايم» و«نيوزويك»، وفي الصحافة الفرنسية يسيطر اليهود ويؤثرون بوضوح على أشهر صحفها مثل «لوفيقارو».
وهكذا شبكات التلفزة العالمية الشهيرة، حيث تقع تحت سيطرة اليهود، ومن أشهرها الشبكات الثلاث المسماة: (N.B.S و C.B.S و A.B.C) فالأولى رئيسها يهودي يدعى «ليونارد جونسون»، والثانية رئيسها ومالكها اليهودي «ويليام بيلي» والثالثة يرأسها اليهودي «الفرد سلفرمان»”.
إذن الشعوب كلها بلا استثناء محبوسة ضمن صندوق مغلق ليس لها أدنى حظ في اختيار ما تشاهده وما تتابعه، وعدم قدرتها على الاختيار هي التي تؤهل صاحب السلطة المتنفذة وتعطيه القدرة على طبع الشعوب كلها بطابع واحد ليصنع منها الرأي الذي يريده والاتجاه الذي يختاره.
إنّ الإعلام الذي يرى كل صغيرة وكبيرة عن نساء الأفغان وتعليمهنّ وعملهنّ، هو نفسه الذي عميَ عن أفعال “إسرائيل” ومجازرها في غزة ورفح تحديدًا في هذه الأيام، من هدمٍ للبيوت، وقتل للأولاد الرضّع، والشيوخ الركّع، والبهائم الرتّع، وتشريد للأُسر، وتجويع للمواطنين المضطهدين، وترويعهم، وهو نفسه الذي سلط الضوء على بعض أعمال الدفاع عن النفس من قبل المقاومة وكتائب القسّام على أنها اعتداء على المدنيين “الإسرائيليين”، وهكذا تعاطفت كثير من شعوب الغرب مع الجلاد ضدّ الضحية.
إنّ من يبحث في إعلام زماننا عن الصادق والكاذب كمن يبحث عن شعرة بيضاء في كيس قطن، هيهات هيهات أن يعثر عليها، كما قال الدكتور محمد عباس: (ولقد علّمنا إعلام الغرب أنّه لا يوجد إعلام صادق وإعلام كاذب، وإنما يوجد إعلام غبيٌّ وإعلام ذكيٌّ وكلاهما كاذب، لكنّ الغبي هو الذي يُكشف).
إنّ كثيرًا منّا يفزع ويسأل الله اللطيف عندما يسمع أنّ فلانًا من النّاس عنده فشل كلوي، وأنّه محتاج بين الفينة والأخرى إلى غسيل كليتيه، وهذا داء يدفع كلفته الشخص المصاب وحده، ومع ذلك حق لنا أن نفزع ونخاف وأن نسأل الله السلامة، ولكننا في الوقت نفسه مصابون جميعًا بغسيل عقولنا وأدمغتنا، وهذا أشدّ خطرًا وضررًا من غسيل الكلى، لأنّ الأمة كلها تدفع كلفته دماء وأعراضًا وثروات، وتأخرًا وجمودًا وتبعية، ولا أحد منّا يسأل الله اللطف والنّجاة من الداء الأممي، بل كل واحد منا اختار نوافذ ومنصّات إعلامية هي مَشْفاهُ المحببة لديه لغسيل عقله ودماغه والله أعلم.