مقالات الأعداد السابقة

واحة الأمن في عهد الإمارة الإسلامية

غلام الله الهلمندي

 

لعلكم سمعتم عن الأمان العجيب والاستقرار الغريب الذي حصل في أفغانستان خلال حكم الإمارة الإسلامية للبلاد! إن توفير الأمن لكل فرد من المجتمع كان ولا زال غاية أساسية لا محيد عنها لدى الإمارة الإسلامية. لا غنى عن التأكيد هنا أن توفير الأمن هو النتيجة الطبيعية لتحقيق العدل، والإمارة الإسلامية حققت نجاحا ملحوظا في توفير العدل لجميع المواطنين من دون تمييز. إن من أبرز سمات ومكتسبات الإمارة الإسلامية؛ بسطَ مظلة الأمن على تراب الوطن، أعني المناطق التي فرضت سيطرتها عليها في تسعينيات القرن الماضي، وهي تشكل 95 في المئة تقريبا. إن الأمن أهم شيء في حياة البشر، إنه حاجة أساسية للمجتمع الإنساني ومؤشر على التقدم والازدهار والتطور والنهضة، يعتبر الأمن في المجتمع من أكبر النعم، بل الأمن هو الحياة.

كان الناس يعيشون حياة الاستقرار والاطمئنان وراحة البال في ظلال الأمان والخير والبذل والعطاء، يعيشون على أرض خصبة آمنة وتحت سماء صافية زرقاء، ويمشون في الأسواق والشوراع والطرقات آمنين، ويعبرون الأرياف والصحاري مطمئنين، يتنفسون الأمل ويحلمون بمستقبل مشرق وغد أفضل.

استطاعت الإمارة الإسلامية أن تحقق أمنا منقطع النظير أثناء حكمها للبلاد، فالمتاجر والمحلات كانت تُبقي أبوابَها مفتوحة على مصارعها خلال أوقات الصلاة، لم يكن يتم إغلاق الأبواب داخل الأسواق، ليس عليها حارس يحرسها ولا خفير يحميها، لم يكن يتجرأ أحد أن يمسّها بسوء، ولا بخير! ولم يُسمَع أن تعدّى عليها لص. كلما علت كلمات الأذان فوق المآذن يترك التجار متاجرهم مفتوحةً أبوابُها، ويسارعون إلى المساجد على الفور، يترك الصيارفة في محلات الصرافة ألوانا براقة ساحرة من الأموال وأكواما متراكمة من العملات، لا يخطر على بال أحد أن يمسها أو بالأحرى أن يلقي إليها نظرة سوء، ولا يثير انتباهَ اللصوص بريقُ الدنانير اللامعة ورقص النقود المتراقصة بين أيدي النسيم، وخشخشة العملات التي تلعب بها الرياح، وأبواب المطاعم كانت مفتوحة، ولكن الجائع لم يكن يمد يده إلى ما فيها من الأطعمة الشهية! هل سمعتم أن يمشي اللص في الأسواق جائعا ولا يمد يده إلى طعام ليلتقط منه لقمة؟

أليس ذلك مشهدا غريبا رائعا حقا؟ هل سمعتم بمثل هذا الأمن في بلد لا يقيم الحدود ولا يؤمن بها؟ كيف يمكن أن يحدث هذا، بينما العالَم يملؤه اللصوص والفاسدون؟ لعلّ هذا ضرب من الخيال؟ لعله خيال شاعر! هيهات هيهات! إنه ليس خيال شاعر، إنها ليست أساطير، وإنما هو واقع عاشه الشعب الأفغاني لمدة سنوات. يبدو للوهلة الأولى للغريب أنها مغامرة جريئة يقوم بها أصحاب المحلات، ولكنها ليست مغامرة أبدا، وإنما هي ثقة نابعة عن أمن عجيب حصل في البلاد، فهناك رجال مكافحون كرسوا حياتهم وضحوا براحتهم ونومهم لهذا الهدف النبيل. هذا هو الأمن الذي حصل نتيجة إقامة الحدود التي أنزلها رب الناس من فوق السماوات.

هذا ما شهده الأحباب، واعترف به الأعداء المنصفون. يعرف كل منصف أن الأمن في البلاد يعتبر عند الإمارة الإسلامية من السنن الثابتة، سارت عليها بكل جدية وصرامة خلال فترة حكمها للبلاد، ولقد حصل ذلك الأمن بفضل إقامة الحدود، بفضل حرص الإمارة على رد كل تنازع في أمور الدين والدنيا إلى الوحي السماوي: “فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا”. إذ إن إقامة الحدود بلا أدنى شك يضمن الأمن الاجتماعي، فإن أثر تطبيق الحدود على انخفاض مستويات الجريمة التي تهدد أمن البلاد واضح لا يُنكَر.

وطبعا إقامة الحدود لا تعني أن الإسلام يتعطش لإقامتها على كل متهم، بل الإسلام قد وضع لإقامة الحدود شروطا صعبة جدا، ربما لا تُطبَّق بعض الحدود خلال عشرات السنوات لأجل صعوبة توفر شروطها كما جاءت في الشريعة الإسلامية. بفضل الله ثم بفضل إنفاذ الحدود الرادعة والعمل الدؤوب والمخلص لأبناء الإمارة تحولت البلاد من مستنقع الخوف والقلق والكوابيس إلى واحة من الأمن والأمان والاستقرار، فهل قرأتم أن نظاما من الأنظمة الوضعية أتى بمثل ما أتى به النظام الإسلامي من الأمن الأسطوري؟

 

إن الوطن كان في طريقه إلى النمو والازدهار مخلّفا وراءه ظلمات الليالي السود، لو لم يعصف به إعصار الاحتلال. لو لم يعصف به هذا الإعصار الهائل لاستطاع أن يصنع الكثير من الإنجازات والمكتسبات رغم قلة المال وضعف الوسائل والإمكانات، والمقاطعات الخانقة. والعجيب أن أمريكا شنت حربا على البلاد تحت حجة مكافحة الإرهاب وإعادة الأمن إلى البلاد، ولكن على العكس تماما اتسع نطاق انعدام الأمن فيها بشكل هائل منذ ذلك العام بالذات.

 

لقد حقّقت الأمارة الإسلامية الأمن والأمان بشكل كامل في فترة حساسة من تاريخ البلاد، في فترة كان الشعب فيها بحاجة ماسة إلى الأمن، كانت الإمارة الإسلامية في طريقها نحو الأمام، والحياة تسير سيرها الطبيعي، ولكن للأسف وقع المحذور، لم يسمح أعداء الإسلام أن يعيش الشعب الأفغاني المسلم نظاما إسلاميا قحا، ويشاهد بأم عينيه أن النظام الإسلامي قابل للتطبيق، وأنه تم تطبيقه فعلا في البلاد الإسلامية طيلة ثلاثة عشر قرنا أو يزيد، وأنه أفضل نظام على مر التاريخ. لم يسمح الغرب برفقة حلفائه أو عملائه في الشرق أن يجرّب الشعب النظام الإسلامي ويعرف أن النظام الإسلامي نظام قائم على الإيمان بالعدالة والحرية والمساواة والإخاء والعزة، ولكن طبعا ليس على أسس رؤية الغرب عنها، وإنما في ظل الشريعة الإسلامية، وأن النظام الإسلامي نظام متكامل يستطيع إقامة مجتمع متكامل في مختلف الميادين السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، مجتمع يتماشى مع الأطوار الاجتماعية التي تتغير في كل مكان وزمان، ويتناسب مع طبيعة كل عصر.

 

إن الشعب الأفغاني بعد أن تجرع المرارات والويلات وذاق المآسي والآلام على أيدي الاحتلال وأعوانه يتلهف الآن بفارغ الصبر إلى عودة الأمن الذي عاشه إبان حكم الإمارة الإسلامية، فهل سيسمح المجرمون الفاسدون بالأمن والسلام أن يعودا إلى البلاد من جديد؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى