واقتلْ قادتها!
شمس الدين أيوبي
بين الفينة والفينة، يُقتل صاحب كنية من الدواعش، ممن يسمون بأبي فلان ويأتي مكانه أبو فلان آخر، لا يعرفهم المسلمون، بل لا يعرفهم المجاهدون السابقون الأوّلون، ثم يأتي بيانٌ داعشي لتنصيب أبي فلان آخر.
سألتُ قبل أيام أحد الإخوة: هل شاهدت الأخبار بأنّ خليفة الدواعش قُتل؟ قال يا أخي: يُقتل من هؤلاء (أبو فلان) الكثير والكثير ما الله به عليم، يُقتل اليوم فينصّب عليهم أبو فلان آخر، وربما أتى عليهم يومٌ لو بايع اليوم أحدٌ تنظيم الدولة، يصير غدًا هو خليفتهم، ولأجل ذلك صاروا ألعوبة الاستخبارات العالمية، يجرونهم أينما شاؤوا، ويفجّرونهم أينما طاب لهم.
تعالوا ننظر ماذا جرى لهؤلاء حيثُ يُقتلون شرّ قتلة، وأيّ داهية نزلت عليهم حتى يبادون ويقتلون قتل عاد.
في مارس 2014، جاء السفيه المتصلف العدناني الدجّال، متحدث الدواعش ودعا خصمه أبوعبدالله الشامي، عضو اللجنة الشرعية لجبهة النصرة، إلى التحدّي الإسلامي الأكبر: المباهلة.
والمباهلة في الإسلام هي الملاعنة، أي الدعاء بنزول اللعنة على الكاذب من المتباهلين المتلاعنين، والبَهلة اللَعنة، والبهل هو اللعن كما جاء في القاموس المحيط وتاج العروس.
غرض المباهلة إظهار الحق وإزهاق الباطل وإقامة الحجة على من استكبر على الحق. وهي مذكورة في الآية المعروفة باسم آية المباهلة: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ٦١﴾ [آل عمران:61].
في تسجيله الصوتي بعنوان: (ثم نبتهل، فنجعل لعنة الله على الكاذبين) سرد العدناني عشرات التهم المُوجهة إلى تنظيمه، ثم كرّر: “اللهم من كان كاذباً فاجعل عليه لعنتك، وأرنا فيه آية”. وبعدها أصدر كلمة أخرى مخصصة لمهاجمة القاعدة، وأنهاها بتكرار استمطار اللعنات: “اللهمَّ إنْ كانَتْ هذهِ الدولةُ دولةَ خوارِج، فاقصُم ظهرَها، واقتُل قادتَها، وأَسْقِطْ رايتَها”.
يبدوا أنّ الدماء الطاهرة الزكية التي سفكتْ بأيدي الدواعش، لاسيما دماء المجاهدين الصادقين المخلصين، استمطرت عليهم اللعنات، وسُرعان ما دخل تنظيم “داعش” دوامة الهزائم، وخسر الأراضي التي كان حاكمًا عليها، وهكذا قُصم ظهره، وقتل قادته، الأنباري والشيشاني والتركماني والقحطاني والعدناني والخليفة الأوّل البغدادي، وأبو إبراهيم وأبو الحسن والحسين أربعة “خلفاء” تباعًا واحدًا يفطس تلو الآخر، ومازالوا لا يخجلون، ومازالوا في غيّهم يعمهون ولا يفقهون.
لم يبق في سلكهم إلا القليل، وتاب منهم الكثير ممن لا زالوا يحكون الحكايات كيف اغتروا ببريق الدواعش وأكاذيبهم ووقعوا في فخّهم؛ ربما لأجل دولاراتهم الزائفة؛ لأنّ كثيرًا من الذين يتبعون الدواعش هم فقراء ومساكين لا يملكون قوت يومهم، وكذلك هم جهّال لا علم لهم، فيخدعونهم بلسانهم وأقوالهم الفاتنة، فيقولون أنّك لو ناصرت (داعش) فستنال أجر الدنيا والآخرة، نعطيك المال والبيت والسيارة، ثم إمّا تكون في رفاهية مفرطة، لك ما تشتهي وتريد، وإما تقتل فلك الحور والجنة، لأنّ جميع النّاس مرتدون على وجه الأرض إلا من كان مبايعًا لداعش، وما تفجيرهم الخبيث في باجور عنّا ببعيد، حيث قتل فيه الطلاب، صغار السنّ والكبار، لأنّهم كانوا مرتدين وفق رأي الدواعش.
على أية حال، إنّ لعنة الدماء المحرّمة، ولعنة المباهلة قد قصمتْ ظهر الدواعش، وقتلت قادته، وأسقطت رايته، ولكن بقي شيءٌ واحد لا أدري أيكون من نصيبهم أم لا وهو هداية الجنود. وهذا واجب العلماء، لا سيما العلماء الذين هم بفقه ابن عباس رضي الله عنه وعلى خطاه، فإنّ كثيرًا من الجنود رجعوا بعدما وُضّح لهم أنّ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ليسوا مرتدّين أو كفار، وأنّ الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأنّ أفراد البغدادي وأذنابه ليسوا فقط هم المسلمين الصادقين وما سواهم هم الكفار أو المرتدّون!
عندما يؤدي العلماء واجبهم ومهمتهم، نرجو الله سبحانه وتعالى وندعوه بأنْ يهدي هؤلاء الشباب المغرّرين ويهديهم إلى سواء السبيل، وماذلك على الله بعزيز.