والفضلُ ما شَهِدَتْ به الأعداءُ
صلاح الدين الكابلي
إنّ الحكومة الإسلامية نعمة من الله على الخلق لو عرفوا قدرها، فهي تمتاز بمبدأ الشورى في إدارة البلاد، ومعالجة مشكلاتها بعيدًا عن الديكتاتورية، والاستبداد، والتفرّد بالرأي. وواجب الحكومة الإسلامية لا ينحصر فقط في توفير الظروف المادية المناسبة للناس، ولا يقتصر على تهيئة وسائل الاستفادة من أنواع الرفاهية والارتقاء الاقتصادي؛ بل هي مسؤولة عن العناية بكلا الجانبين: المادي والروحي على السواء. فعليها أن تعتني بالجانب الروحي وتعمل جهدها على إصلاحه وإنعاشه كما تعتني بالجانب المادّي وتهيء الظروف المعيشية المادّية بأفضل شكل.
وقد أنعم الله سبحانه وتعالى على الأفغان بإمارة إسلامية لها هذه الميزات والخصائص التي ذكرناها آنفًا، فهي تحكم بالعدل وفق استطاعتها، وتنفّذ الشريعة الإسلامية وتطبّق القوانين الإسلامية المستمدّة من الشرع المبين، وتكافح الفساد حتى جعلته بمعدل الصفر. ولأجل هذا بات الأعداء ومن كانوا يُخوّفون الناس في بداية سيطرتها على أفغانستان يعترفون بفضلها ويشيدون بها رغم أنفهم.
ففي جديد اعترافات صحيفة الإيكونوميست (The Economist) البريطانية، جاء: الحياة تحت حكم طالبان ليست بذلك السوء. حيث كشف تقرير الصحيفة بأن جهود طالبان لحكم أفغانستان لم تكن دون جهود الحكومات التي سبقتها، بل إنها تجاوزت في بعض النواحي التوقعات المنخفضة المسلّم بها، خاصة في نهجهم في التعامل مع الإرهاب، حتى إن زلماي خليل زاد (المبعوث الأمريكي السابق لأفغانستان) أشار مؤخرا إلى أن خطر الإرهاب لم يتزايد في أفغانستان.
ومن ميزات الإمارة الإسلامية التي اعترفت بها هذه المجلة هي أنّها أوقفت نزيف الدولار من البلاد بفرض قيود صارمة على رأس المال، وقمع التهريب، ليستقر الأفغاني (العملة المحلية) مقابل الدولار عند مستوى غير بعيد عما كان عليه في اليوم السابق لسقوط كابل.
وبالفعل قامت الإمارة -حسب تقرير إيكونوميست- بتحسين تطبيق القانون الاقتصادي في جميع المجالات، مما زاد كثيرا في الإيرادات الجمركية رغم انخفاض التجارة الدولية، حتى بلغ إجمالي الإيرادات للسنة، المنتهية في مارس/آذار 2023، نحو 2.3 مليار دولار، وذلك لأن التهديد بتطبيق الحدود، مثل قطع يد السارق، ثبط بقوة من قبول مسؤولي الجمارك للرشاوى، كما يقول أحد مستشاري الملا برادر نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الإستراتيجية الاقتصادية.
كما قامت الإمارة بتمرير مشروع إنجاز أعمال الطرق الذي عُرقل لسنوات من قبل واضعي اليد غير القانونيين، وتم حشر الباعة الجائلين في مناطق محددة، كما نقل مدمنو المخدرات من الشوارع إلى مراكز إعادة التأهيل، وأغلقت المطاعم القذرة، ولقح 30 ألف كلب شوارع ضد داء الكلب.
ورغم أن أفغانستان خسرت 75% من ميزانيتها التي كان يتبرع بها الأجانب، فقد جمعت طالبان عائدات كافية لدفع رواتب 800 ألف موظف حكومي، بعد أن انخفضت نسبة الشركات التي تقدم رشوة لمسؤولي الجمارك من 62% إلى 8% وفقا لمسح أجراه البنك الدولي مؤخرا، وذلك رغم أن نسبة 41% من الإنفاق تذهب إلى الدفاع والأمن.
وأشار التقرير إلى أن طالبان تقوم بمراجعات مهمة، إذ يعتقد رئيس شركة إعلامية مقرها كابل -وليس من المعجبين بحكم طالبان- أن “أفغانستان تدار اليوم بشكل أفضل من باكستان” وأن محطات التلفزيون الأفغانية تتمتع بحرية نقل الأخبار أكثر من تلك الموجودة بالهند. كما أن مجموعة من علماء الآثار الأجانب والمحليين والقيمين على التراث الأفغاني الغني في كابل، يشيدون بطالبان لدعمها لهم في ترميم مواقع ما قبل الإسلام.
ويقول ضياء الحق آمرخيل، حاكم إقليم ننغرهار قبل سيطرة طالبان، إنهم يديرون الأمور “بشكل صحيح”. موضحا أن الأفغان خارج البلاد “لا يوافقون على ذلك ولكنهم ليسوا هنا، وهم لا يعرفون الحقيقة، أنا هنا وأعرف الحقيقة”.
هذا غيض من فيض من اعترافات الأعداء التي يعترفون بها بين الفينة والفينة، وهم في الواقع لا يريدون الإدلاء بحقيقة الأمر أصلًا، ولكنهم يضطرون إلى ذلك اضطراراً عندما يرون الإيجابيات الواضحات كوضوح الشمس في رابعة النّهار؛ فيرغمون على الاعتراف ببعضها، وإلا فإنّ الإيجابيات التي على ثرى الوطن بعد مجيء الإمارة الإسلامية أكثر بكثير.