
والله إني شممت رائحة الجنة في أرض “برافشه”
مدينة برافشه إحدى مدن هلمند في أفغانستان، كانت محتلة إبّان انسحاب الإمارة الإسلامیة، فقام القائد الجليل المولوي محمود الملقب بالحاج سيف الله رحمه الله وأعلن الحرب ضد الأعداء حتى فتحها المجاهدون وسيطروا عليها سنة 2005م.
ومنذ ذلك اليوم يبذل الأعداء قصارى جهدهم لاحتلال هذه البقعة، لكنهم كلما حاولوا ردتهم سيوف الله رداً عنيفاً حتى أصبحوا عبرة للناظرين، وهي أرض توضأت بدماء الشهداء البواسل والرجال الحازمين، أرض لا تقبل إلا بمن يتحلى بغيرة الإسلام ولا ترضى إلا بمن كان في قلبه حرقة على أبناء الأمة، وعزيمة لإحيائها.
وكيف تطيب نفسي بالبعد عن هذا الميدان المحفوف بآيات الله ورحمته، الميدان الذي أرى فيه آساد الإسلام يزأرون صباحاً ومساءً، ويدافعون عن الحق، قلما تنجب الأمهات أمثالهم، وأرى الدين حياً قائماً بعدله وإنصافه، يأمر و ينهى، ويكف و يحرض.
وبها والله عرفت قوة الإسلام وسلطته، ونواميس القرآن وحكمته، وألقى الرجال يعانقون الشريعة بالبشر والترحاب، ويرضون بأحكام الله تعالى من رأسها إلى عقبها، يُحكم فيها بالقرآن والسنة في كل الأمو،ر سياسية كانت أم اقتصادية، حربية كانت أم سلمية.
وبها تظهر آيات الله وتبدو حيناً بعد حين، بشارة لأهلها. فسكانها من المواطنين قد سمعوا صوت التكبير يكبّره الجبل الذي كتب المجاهدون عليه “الله اكبر” حين قذفته طائرات العدو بالقنابل، وما زالوا يعترفون بهذه الحكاية ويقصونها على كل آيب وذاهب.
وهناك من ملائكة الله على خيولها وبأيديها لواء وهي تنشد لإحياء “حرکة طالبان الإسلامية”، ومثل هذه الحكايات كنت أسمعها من ألسنة المجاهدين في كل مجلس وعند كل محضر، حتى أراني الله تعالى بفضله آية منها، صدّقت بها نفسي، وعجز عن تكذيبها عقلي، وإليك القصة:
كان يوم الثالث من عيد الفطر عام 1434 هـ.ق، وأنا رائح مع بعض أخلائي المجاهدين إلى مقبرة الشهداء لزيارة أحبابنا الذين قضوا نحبهم لتحيا الأمة، الذين قدموا أرواحهم لتكون كلمة الله هي العليا، الباذلين نفوسهم ليكون دينهم غالياً، المؤثرين الآخرة على الدنيا، كما قال عمار بن ياسر رضي الله عنه:
رب عجل شهادة لي بقتل *** في الذي أحبه قتلاً جميلاً
مقبلا غير مدبر إن للقتل *** على كل ميتة تفضيلاً
إنهم عند ربهم في جنان *** يشربون الرحيق والسلسبيلاً
وحينما وصلنا هناك، وبينما نحن نمرّ بين رياض الجنة (قبور الشهداء) إذ هبّ نسيم عليل تفوح فيه رائحة جميلة، رائحة الجنة والله من دماء الشهداء، رائحة جذبت نفسي وعقلي، وكأن باباً من أبواب الجنة قد فُتِح علينا أو أن حورية ألقت بخمارها على الأرض، فمشيت نحو مصدر الرائحة لأرى من أين تفوح! حتى وصلت إلى قبر وعليه قطعة من ثياب ذاك الشهيد، فكأنها نضحت بعطور الجنة، وعندما قمت من هناك، وجدت الرياح قد انتشرت وبسطت جناحيها على قبور الشهداء، فقلت فيهم:
واهاً لكم يا إخواني واهاً لكم *** ريح الجنان تفوح فوق قبوركم
الحور زوج والجنان مقامكم *** الله راضٍ والنبي شفيعكم
ففي مثل هذا فليتنافس المتنافسون، نعم الخاتمة والله في الدنيا، فكيف هو النعيم في الجنان.