وسام الجراح في سبيل الله
بقلم: صلاح الدين
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، سيّدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين.
أمّا بعد:
الجراح في سبيل الله، رغم عظيم أجرها وكبير جزائها في الآخرة، فإن الله عز وجل ينعم في هذه الدنيا على المجاهد الجريح بالشفاء في وقتٍ قصير مما يجعل العقل البشري يتحيّر. فقد سمعنا بل ورأينا الجرحى الذين جُرحوا في غير ميادين القتال والجهاد، يُصابون بإصابات ربما يحتاج علاجها والبرؤ منها إلى شهور طوال، بينما يُصاب المجاهد في سبيل الله ربما بإصابات أشد منها فيُشفى وتندمل جراحه في شهور قصيرة.
فكم تعجّب الأطباء في المستشفيات وأعربوا عن دهشتهم، وسألوا: ما بالكم أيها المجاهدون تندمل جراحاتكم الغائرة في شهر أو شهرين، وكنا نظن لأول وهلة أنه لا شفاء لجراحكم إلا بعد عام أو أكثر.
نقول في جواب هؤلاء ما قاله الإمام الشهيد العلامة ابن نحاس رحمه الله: «واعلم أنّ الجريح في سبيل الله لا يجد من ألم الجرح ما يجده غيره، القتيل في سبيل الله لا يجد من ألم القتل إلا كمس القرصة. وإذا كان هذا حال القتيل فكيف بما دون القتل، وهي الجراح التي يصاب بها الجريح. إن هذا أمر مستقر، لا يجحده إلا من لم يجرب.
وإن العقل لا يستبعد ذلك، فإن حالة الغضب والحمية إذا اشتدت عند الإنسان، فإنه يجد في نفسه من الشدة والقوة والاحتمال وقلة المبالاة بالمكروه وعدم الإحساس بالألم مالم يكن يجده من قبل!
فكيف بمن يشتد غضبه لله، ويخرج عن نفسه إلى الله، ويتمنى الشهادة عند الله، ويعد ما أصابه من فضل الله، ويشهد بقوة نور الإيمان ما أعدّ الله للشهداء والجرحى في سبيله من الفضل الجزيل، شهوداً محققاً لا علماً مجرداً؟
ومما يتفق مع هذا ما قاله أنس بن النضر رضي الله عنه يوم أحد: واهاً لريح الجنة، إني لأجد ريحها من دون أحد! ثم انغمس في المشركين حتى قتل».
فيا أخي الجريح، ما أسعدك! فلقد خصّك الله سبحانه وتعالى بالأجر والثواب من بين المئات حولك. ولعلنا نتذاكر معاً بعض الأحاديث الطيبة في فضلك وعظيم أجرك، فانعم بالاً، وتفكّر فيها لتخفف ألماً من آلامك؛ ألم الجراح، وألم الغربة والابتعاد، ألم المطاردة والمراقبة، وألم خذلان أمة المليار التي لا تتبرع بفتات موئدها إلى هؤلاء الجرحى الذين ربما احتجزهم أصحاب المستشفيات لعدم قدرتهم على دفع أجرة العلاج، فأفٍ ثمّ أفٍ لأمة سُلخت من رجالها الغيرة والشهامة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة، ومن جرح جرحا في سبيل الله، أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها الزعفران وريحها كالمسك}.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده لا يُكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يُكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك}.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {كل كلم يكلمه المسلم في سبيل الله يكون يوم القيامة كهيئتها إذ طعنت تفجر دماً اللون لون الدم والعرف عرف المسك}.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين قطرة من دموع في خشية الله وقطرة دم تهراق في سبيل الله وأما الأثران فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله}.