مقالات الأعداد السابقة

وشهد شاهدٌ من أهلها

أبو غلام الله

 

شاء الصليبيون أم لم يشاؤوا، فإنّ جليد جبروتهم وطغيانهم إلى ذوبان، وامبراطوريتهم آيلة إلى السقوط، وتحالفهم إلى تشرذم وانقسام، بخلاف ما يحاولون إظهاره عبر تجمعاتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية على أنهم ما زالوا يملكون زمام المبادرة في قيادة العالم.

فإنّ حرب أفغانستان قد قصمت ظهرهم، وأثقلت كواهلهم بالديون التي سيتوارثونها خلفاً عن سلف، حتى يلعن أحفادُهم أجدادَهم على هذه التركة الثقيلة إن شاء الله.

ومهما كتبنا وأوضحنا من الحقائق الميدانية، فإنّ بعض الناس من الصعب أن يقبل كلامنا؛ نظراً إلى دعايات المحتلّين الكاذبة التي سيطرت على الإعلام كله، فسنضطرّ هاهنا إلى أن نقدّم للقارئ اعترافاً من سيل اعترافات المحتلين أنفسهم التي يعترفون بها -رغم أنفهم- بين الفينة والأخرى، بغية تحذير رؤساءهم وكبار القوم من مغبة الاحتلال. ولكنهم في غيهم يعمهون، ولا يكادون يفقهون.

ففي جديد الاعترافات، كتبت صحيفة التايمز: أن أفغانستان استحقت بجدارة وصفها بـ”مقبرة الإمبراطوريات”، فهي المكان الذي لا يُحل فيه شيء، والأنفس فيه مطحونة، وفيه تغرق الأموال في الرمال، ومع ذلك لا تزال القوى الكبرى تصطف لتكرار هذه اللعبة الكبيرة.

وأحدث تكرار لهذا الصراع الجيوسياسي يمكن أن يجعل الولايات المتحدة تزيد قواتها هناك مرة أخرى، ويحث روسيا على العودة للمنافسة، ويزيد الخلافات بين باكستان والهند، ويجعل إيران مستعدة لتمويل مغامرة عسكرية جديدة فيها.

ويرى كاتب المقال “روجر بويز” أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيضطر قريباً لبيان ما إذا كان سيوفر المزيد من المستشارين العسكريين الأميركيين لتسريع تدريب القوات الأفغانية، أو سيذهب أبعد من ذلك بحماية حكومة أشرف غني من حركة طالبان والجهاديين الآخرين، أو سيخرج كلياً من المكان ويتركه للقوى الإقليمية لترتيبه بطريقتها.

وهذه المرة لن يتمكن من اللجوء لخياره الافتراضي وتصحيح سياسات أوباما بتغريدة أو اثنتين، لأن استراتيجية أوباما المعيبة في أفغانستان -وهي زيادة القوات التي قوضت فاعليتها بإعلان تاريخ مغادرة الجيش مقدماً- خلقت فراغاً لا يريد أي تحالف غير متجانس ملأه الآن.

وخلص بويز إلى أنه قد بات واضحاً أن فريقاً واحداً سيبرز من إعادة ترتيب هذه اللعبة الكبيرة، على رأسه موسكو ومعها باكستان والصين بالإضافة إلى طالبان وإيران.

فينبغي لترامب وزبانيته أن يتركوا أفغانستان ويُنهوا احتلالها، وأن لا يكرّروا أخطاء أسلافهم الذين احتلوا أفغانستان ووقعوا في المستنقع الأفغاني الذي ما وقع فيه أحدٌ إلا انكمش واضمحلّ وصار أمثولة التاريخ، وعبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين، فهل يُنهي ترامب احتلال أفغانستان أم سيبقى وريث الفشل المكعب وأضحوكة الملل؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى