مقالات الأعداد السابقة

وصايا السلطان محمد فاتح

حكمة الله البلوشي

 

لايخفى على الملمين بالتاريخ والشخصيات الإسلامية ما أولى الله -تعالى- السلطان محمد فاتح من مكانة مرموقة، وشجاعة نادرة، وبسالة مدهشة، وما حقق الله -جل في علاه- على يديه وتحت رايته من فتوحات واسعة، وانتصارات مثالية للإسلام وأهله.

ولاشك أن وصاياه تحمل في طياتها مشاعل النور لحكام المسلمين، ويكمن فيها سر النجاح ورمز السيطرة على بلاد استعصت على كبار القادة، وأبت أن تخضع أمام همم فولادية، وعزائم حديدية، ولكن السلطان استطاع أن ينقذها من مخالب الأعداء، ويضمها إلى أراضي الإسلام، في ريعان شبابه، في وقت لا يتجاوز سنه الـ 22 عاماً.

فمما أوصى به ابنه وقت رحيله:

 

كن عادلًا، صالحًا، رحيمًا

فالعدل هو العمود الفقري لبقاء أية حكومة وسلطنة، وإذا لم يهتمّ الإمامُ بنشر العدل فإنّ أيّامه معدودة، وإن حكمه إلى الزوال، وإن سلطنته على وشك الفناء والأفول.

ويغمرني الفرح والسرورُ عندما أتذكر وصية أمير المؤمنين شيخ الحديث هبة الله آخوند زاده وصّٰى بها الولاة والقضاة مؤكدًا عليهم بأنّ الحكم يضاد الظلم، وإنه لن يبقى عند وجود ضده.

‏وإلى جانب العدل فينبغي له أن يكون صالحًا في نفسه، آخذًا بأهداب الشريعة في حقه، عاملا بالكتاب والسنة، كما أنه يجدر به أن تغلب رحمته غضبه، وأن يعالج القضايا برأفة ورحمة، ويتغاضى أكثر من أن يؤاخذ، فقد جاء في الحديث: إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف.

‏ ■ ابسط على الرعية حمايتك بدون تمييز

‏ومن العُمد التي تبتنى عليها السلطنة، والأسس التي يقوم عليها صرح الحكم هو التسوية بين الضعيف والقوي، ومدُّ يد العون إليهما على سواء، والقيام بحمايتهما ووقايتهما ورقابة حقوقهما من غير تمييز يجرح قلب الضعيف، وشطط يكلم سويداء المسكين، وبذلك صدع سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه في أول خطبة ألقاها على حشد الصحابة بعدما تولى الخلافة.

وهذا أيضا يرجع إلى العدل، فمن الظلم أن يجنح الإمام إلى أصحاب القوة وذوي الثراء، ويجعل وزانه في كفتهم، ويراعيهم أكثر من الضعفاء، وكما ورد أن سيدنا عمر رضي الله عنه قال لأحدهم: إنني لا أحبك، فرد الرجل: أوتمنعني حقي؟ قال: لا. فأجاب الرجل: إذن لا أبالي به أي مبالاة.

فهكذا ينبغي للإمام أن يسوي بين الرعية ضعيفهم وقويهم، غنيهم وعديمهم.

 

اعمل على نشر الدين الإسلامي.

ومن واجبات أمير المؤمنين أن يهتم بنشر المفهوم الواقعي لدين الإسلام، ويسعى في تبليغ الشريعة، ويستخدم في ذلك سائر الوسائل المباحة، فيبني مدارس دينية، ويعمر مساجد، وما إلى ذلك من الطرق التي يسوغها الشرع، ويؤيدها الدين المتين.

 

قدم الاهتمام بأمر الدين على كل شيئ

هذا أيضًا ممّا يحتل المحل الأساسي من شروط بقاء الحكومة، فالإمام يلزمه أن يقدم أمر الدين إذا عارض شيئا من أغراض الناس الدنيوية. كما جاء في وصية أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها، حيث وصَّت أمير المؤمنين سيدنا معاوية رضي الله عنه بتقديم رِضَى الله على سخط الناس مهما كان الأمر.

وهذا الأمر وإن كان يبدو شيئا يسيراً بادئ النظر، إلا أنه في الواقع تحدٍّ عظيم ، ومعيار خطير يوزن به الحكام، فكم ممن يعوّل عليهم ينزلقون من هذه العقبة، ويفشلون في هذا المنعطف.

 

لا تستخدم الأشخاص الذين لايهتمون بأمر الدين

ومن المهمات التي يجب على الإمام أن لايتغاضى عنها لحظة، وأن لا يتغافل عنها، هي أن يكون عمدته في الحكم العلماء المخلصون، والرجال الصالحون، فإياهم يستشير، وإليهم يفوض المناصب، ولا يركن إلى الذين لا يهتمون بالدين، فاستشارتهم لا تجلب خيرًا ولا تدفع ضيرًا. وبذلك أوصى أمير المؤمنين هبة الله آخوند زاده حفظه الله الولاة بأن يزيلوا ويفصلوا عن صفوفهم الذين كاتفوا الأعداء، وظاهروهم على إخراج المسلمين وقتلهم وتدميرهم.

 

جانب البدع المفسدة

وممّا يجب على الإمام: الاهتمام بنشر السنة الصحيحة والمنهج السوي، وتجنب البدع. وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها”.

وما أشد ما يبعث القلق عندما نرى الحكام لا يعيرون هذا الجانب المهم اهتماماً، ولا يتنبهون له كما ينبغي، فتراهم يرتكبون البدع، ويأمرون بها الناس كأمور تافهة ومباحة، ولا يتفكرون ما يعقبها من نتائج وخيمة وعقبات عصية.

 

وسع رقعة البلاد بالجهاد

وللأسف الشديد أن الأمة تقاعدت هممها، وفتر عزمها، فلا يخطر لها على بال أن تخطو هذه الخطوة المباركة، بل وزاد الطين بلة، والأمر شدة وخطراً أنهم لا تأخذهم الغيرة والحمية عندما تنتهك أعراضهم، وتحتل أراضيهم، وتسفك دماءهم، فيا أسفاً على تخاذل المسلمين وتهاونهم.

وإذا لم يستطع حكامنا إنجاز هذه المهمة الكبيرة، فلا أقل أن لا يألوا جهدا في حماية جغرافية الإسلام والدفاع عن الحدود الإسلامية.

 

احفظ أموال بيت المال من أن تتبدد

ومما لابد من مراعاته بكامل اليقظة وغاية الحيطة حفظ أموال المسلمين، وصرفها في مصالحهم، والتوقي من تضييعها في الزخارف والسفاسف من الأمور. واستحضار الوعيد الشديد للمسرفين والخائنين لبيت مال المسلمين. فينبغي للحاكم التيقظ الكامل من هذه الناحية، وتعيين أصحاب الأمانة والجدارة على مثل هذه المهام الكبيرة.

 

إياك أن تمد يدك إلى مال أحد من رعيتك إلا بحق الإسلام، واضمن للمعوزين قوتهم

يلزم الإمام أن يتجنب أكل أموال المسلمين بالباطل عن طريق الرشوة والنهب وما إلى ذلك من من الطرق المحرمة المحظورة شرعا. وينبغي له أن يعتني بشأن المعوقين والمجروحين والمبتلين بالأمراض المنهكة، فيعين لهم أرزاقا، ويبذل لهم بما يقتاتون به ويعيشون.

 

العلماء بمثابة القوة المبثوثة في جسم الدولة فعظم جانبهم وشجعهم، وإذا سمعت بأحد منهم في بلد آخر، فاستقدمه وأكرمه بالمال

وهذه الوصية من أشعل المشاعل، وأقوم السبل، وأهدى الطرق للحكام، فالحكام لا يصلحون مالم يستعينوا في أمورهم كلها بالعلماء المصلحين، ويستشيرونهم في النازلات والملمات.

ومما يُحسب للإمارة الإسلامية أنها عيّنت في كل ولاية هيئة استشارية من العلماء. وهذا الأمر يستحق الكثير من الثناء والتبجيل.

وقد كان خلفاء المسلمين في القرون الماضية يولون هذا الأمر انتباها ملموسا، فكانت مجالسهم مكتظة بالعلماء والأدباء.

هذه نخبة من الوصايا الجليلة للسلطان محمد الفاتح التي تحمل لحكام المسلمين العظات والعبر والنور. أسأل الله لنا جميعاً التوفيق والسداد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى