وعاد لكابول رونقها
فضل محمد قانت
بعدما هرب الفاسدون والفاسدات والمتبرّجات مع أسيادهم المحتلين الغربيين الذين أرادوا أنْ يقضوا على الإسلام في بلاد الأفغان، باتت كابول جميلة أنيقة بأجوائها الإسلامية الطيبة، وعاد إليها رونقها وبهاؤها.
فكمْ كانت ذميمةً قبل أن تسيطر عليها الإمارة الإسلامية! كانت تموج فيها -قبل شهور- فتن، وتناقضات، ومتضادات، ومفارقات غريبة عجيبة، حيث تبدو فتيات وفتيان وكأنهم نسخة مكرّرة مطوّرة من فتيات وفتيان باريس أو نيويورك أو لندن، بصمة مستنسخة عن الغرب!
فتيات محجّبات منقّبات يسرن وبجانبهنّ فتيات يلبسن آخر صرعات الموضة الأمريكية، وشباب مطلقي اللحى بجانبهم فتيان متفلتين، يتعمّدون كشف الصدور لإظهار ما يضعونه من منحوتات ذهبية.. صليب.. أو سلسلة تتدلّى منها صورة قلب.
وفي كابول، أثناء وجود المحتلين، كانت الفرصة سانحة للفتيات في إظهار المفاتن، والتعرّي وإظهار ما يمتلكن من مفاتن تأخذ لبّ من يمرّ بهنّ، حيثما سار أو جلس، في الشوارع، في الأسواق والمتاجر، وفي كل مكان. وكان مثالًا حيّا لمقال النبي صلى الله عليه وسلم: لتتبعنّ سنن من قبلكم…
وتلك الفترة كانت فترة حاكى فيها الشباب أمم الغرب في الزيّ واللباس، وسائر المظاهر الاجتماعية، في آداب المجالس وأطوار الحياة، حتى في الحركة والمشي والتكلم والنطق. لقد حاولوا تشكيل المجتمع المسلم على الصيغة الغربية، وقبلوا الإلحاد والمادية في نشوة التجدّد، بدون حيطة أو شعور بالعواقب، وعدّوا من لوازم التنور الفكري: إيمان المرء بكل ما بلغه من الغرب من فكرة ناضجة أو فجّة، ورحّبوا بالخمر والقمار والتهتّك والرقص، وما إلى ذلك من ثمرات المدنية الغربية.
ثم سلّموا بجميع معتقدات الغرب وأعماله في الأخلاق والآداب والاجتماع والاقتصاد والسياسة والقانون، حتى في العقائد الإيمانية والعبادات، سلّموا بكل ذلك من غير فهم أو شعور، كأنّه تنزيل من السماء ليس لهم قِبَله إلا أن يقولوا: (آمنا)، وأصبح هؤلاء الشباب يستحيون من كل ما نظر إليه أعداء الإسلام بالتحقير والتعيير، ولو كان هذا الشيء من الأمور الثابتة في الشرع الحنيف، وطفقوا يحاولون أن يمحوا تلك السُّبّة عن أنفسهم.
اعترض الغربيون على ما عندهم من أحكام الجهاد، فقال هؤلاء المنهزمون: (ما لنا وللجهاد يا سادة؟ إنّا نعوذ بالله من هذه الهمجية).
أطالوا لسان القدح في تعدد الزوجات، فجاء المنهزمون ينسخون بضلالهم وجهلهم آيات القرآن، ويحرفون الكلم عن مواضعه.
ثم قال أولئك الغربيون: (لا بدّ من مساواة الرجل والمرأة في جميع نواحي الحياة)، فوافقهم المنهزمون، وقالوا: (وهذا هو الذي ينادي به ديننا، ويدعو إليه).
ولمّا عابوا الإسلام بأنّه عدوّ لما يسمى (الفنون الجميلة)، استدرك هؤلاء قائلين: (كلا، بل مازال الإسلام مذ كان، يحتضن هذه الفنون ويحضّ عليها، ويشرف على الرقص والموسيقى والتصوير والغناء ونحت التماثيل).
ففي سبيل دفع تُهم الجمود التي يلصقها الغربيون بالشريعة؛ رأينا هؤلاء المنهزمين ينجرفون إلى أقصى الطرف المناقض في بيان ما تنطوي عليه الشريعة من مرونة التطبيق، حتى يبلغوا بهذه المرونة حدّ الميوعة التي تجعلها صالحة لأن تكون ذيلًا لأيّ نظام، وتبعًا للأهواء. وبذلك ينتهون إلى إلغاء وظيفة الدّين، لأنّهم بدلًا من تقويم عِوج الحياة بنصوص الشريعة يحْتالون على نصوص الشريعة حتى يبرّروا بها عوج الحياة المعاصرة.
ولكنْ ببركة عودة الإمارة الإسلامية وسيطرتها على ثرى الوطن، عاد للحجاب بريقه وقيمته، وإنْ بقي شيء من السفور الذي ورثه الغرب في بلادنا. وعادت للمرأة المسلمة كرامتها، فلا معنى للتحريش وإيذاء مسلمة تريد أن تخرج من بيتها لقضاء حاجة لها، أو في سبيل تعلمها أو تعليمها، أو اكتسابها للرزق، فتعيش في عزة وكرامة وعفاف يعترف بها القاصي والداني، وهكذا عاد لكابول بريقها وبهاؤها، الذي افتقدته منذ فترة غير قصيرة.