وقفة المتأمل في ذكرى فتح كابل
محمد بن عبد الله الحصم
الحمد لله كما أمر والصلاة والسلام على سيد البشر نبينا محمد وعلى آله وصحبه. وبعد: فنعيش هذه الأيام الذكرى الثانية لفتح كابل والانتصار العظيم الذي أجراه الله على يد المجاهدين وأرغم به دولة الكفر العظمى ومن حالفها.
ونحن إذ نعيش هذه الذكرى نتوجه بالحمد والشكر والثناء لله جل وعز، الذي تفضل وأكرم وَمَنَّ بهذا النصر العظيم.
ثم نتوجه -بعد شكر الله- لأولئك الأبطال الذين كتب الله وأجرى على أيديهم هذا النصر ألا وهم حركة طالبان، وعلى رأسهم أمير المؤمنين مولانا هبة الله أخوند زاده وفقه الله وأيده وسدده.
وكان هذا النصر بعد عقدين من الزمان، وبعد جهاد مرير مع أعداء الله، واستشهاد ما يقارب خمسين ألفا من المجاهدين.
وفي هذا دروس وعبر كنت قد جمعتها بسلسة بعنوان: “الدروس الحسان من انتصار الطالبان” قد تم ننشرها في هذه المجلة المباركة “مجلة الصمود” فيجب أن يتأملها ويضعها نصب عينه كل من يحمل هم انتصار هذا الدين وإقامة دولة الإسلام، ومن أهم هذه الدروس:
– أنه لا بد للنصر من ضريبة ، فلا يجيء النصر هكذا بدون تضحيات، بل لابد من البلاء الذي يتميز فيه الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق، فيأبى الله أن يترك صفوف المسلمين هكذا حتى يميز الخبيث من الطيب، قال تعالى: “ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب”. وقال سبحانه: “أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله لا رسوله ولا المؤمنين وليجة”.
– ومن أهم الدروس أيضا: أن النصر قد يتأخر وقتا طويلا من البلاء والمحن، وأن استعجال النصر آفة تقطع الطريق بالمجاهد، فلا بد من توطين النفس على الصبر، وأنت قد لا تنال لذة النصر في الدنيا؛ فقد تقتل أو تموت في سبيل تحصيله، كمن قتل من الطالبان أو ماتوا قبل تحقيق النصر، فالأمر عند الله يختلف؛ فالألف سنة عندنا هي يوم عند الله، كما قال تعالى: “وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون”. فالأمر بعيد عندنا قريب عند الله، كما قال جل وعلا عن يوم القيامة: “إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا”. فالبعض يرى مجرد كونك مع الله أنه ستكون معك عصا سحرية، وأنك لن تهزم ، وأن الواقع سيتغير في أيام إن لم يكن في يوم وليلة، ونسي هذا أن الله يريدنا أن ننشر هذا الدين ببشريتنا وجهدنا وطاقتنا كما قال عز وجل: “ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض”، ولم يعتبر هذا بسيرة الحبيب وكيف كان يقاتل بدرعين، مع أن ربه عصمه من الناس، وكان يقاتل ويصالح بحسب المصلحة المعتبرة، كما قاتل ببدر وصالح بالحديبية، فالقتال والجهاد شرع منزل، كما أن الهدنة مع الكفار أيضا شرع منزل، إن كان فيه مصلحة كضعف المسلمين ونحو ذلك، وغاب عنه ما جرى على النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام يوم أحد وقد سماها الله مصيبة فقال: “أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير”.
وعن مجاهد، قال: مكث فرعون في قومه بعد ما قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى) أربعين سنة.
فالحاصل أن نصر الله لا يأتي به الاستعجال ولكنه لا يتخلف، كما لا يرده الاستكبار وإن جرت به سنة الإمهال، فالنصر قادم لا محالة، ولكن ما النصر؟ وهذا مفهوم يغيب عن أكثر الناس، فالمعنى الحقيقي للانتصار ليس الظفر بالعدو، والعلو عليه على كل حال، بل أساسه وأصله هو الثبات على الحق وحسن الاعتقاد حتى يلقى ربه عز وجل، وكفى بالثبات على الحق انتصارا على العدو وعلى النفس وعلى الشيطان، فلو مات على هذا ولم تزعزعه هذه الأمور ولم يغيِّر ولم يبدِّل، ولم يرضخ لضغط الواقع المنحرف فوالله لقد نصره الله في دنياه نصراً مؤزراً، وعلى الشيطان والباطل انتصاراً عظيماً، وإن لم تكن له الكرَّة في المعركة، فلو انتصرنا في المعركة، ثم انحرفنا عن مبادئنا، وغيَّرنا وبدلَّنا، وقلنا كما قال بعض المخذولين: مصالحنا فوق مبادئنا، فهل هذا النصر حقيقي؟
لا والله بل هو الخذلان والهزيمة، فالمعركة قبل أن تكون بالسلاح والخيول هي معركة مبادئ وقيم، ومعركة حق وباطل، إذا عرفت هذا، عرفت كيف وعد الله رسله بالنصر في الدنيا، كما قال تعالى: “إننا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد”. وكيف أن بعض رسله قضى مقتولا، أو مات في التيه، أو هزم في بعض المعارك، فإذا فهمت ذلك فهمت معنى الانتصار الحقيقي، فنصر الله لهم كان بثباتهم على الحق والصدع به، وتبليغ رسالة ربهم حتى قضوا نحبهم.
فنصر الله قادم لا محالة، فالصبر الصبر والأناة الأناة والحكمة الحكمة والاعتبار الاعتبار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.