وقفة تأمل على قصور الظالمين
محمد طيب
عندما أرى في الأفلام والمقاطع منازل المتكبّرين والجبابرة والطغاة الذين عاثوا في الأرض الفساد، وتجبّروا وتصلّفوا على العباد والبلاد أقول فورًا: يا الله ما أقواك… الله أعلى وأكبر.. سبحانك من ملك جبّار منتقم قادر.. (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ. فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ).
انظروا إلى قصر الجنرال السفّاح عبدالرازق، انظروا إلى قصر، بل قصور، المارشال السفّاح دوستم الذي قتل الآلاف من حفظة كتاب الله.. انظروا إلى قصور إمبراطور بلخ، وانظروا إلى قصور الذين تألّهوا وتكبّروا وتجبّروا، القصور التي كانت سرة البلد، ومطمح النّظر، يحميها الجند أن يتمكّن منها البصر، وتعصمه الجنود بالمصفّحات عن أن يدنوا منها السائر، كانوا الآمرون النّاهون، يرفعون ويضعون، ويقربون ويبعدون، إن رضوا عن أحدٍ حكّموه في رقاب النّاس، وأعطوه الأموال والرتب، وإن غضبوا على أحد استلّوه من وسط أهله، فألقوه في غياهب السجن أو قتلوه بدمٍ باردٍ.
أين الجنرال عبدالرازق الذي كان يقتل الشباب الأبرياء ولا يقول له أحد: ماذا فعلت؟! القوّة معه والمال، ومعه الوجهاء الذين هم مع كلّ حاكم، وصار حديث النّاس، إذ الصحّة والمال والسطوة والجبروت أحاديث يتسلى بها في المجالس.
هذه قصور مارشال دوستم الذي جعلته أمريكا إلهًا في الشمال، يعطي ويمنع، ويحكم ويطغى، ويحيي ويميت، فأين هو اليوم؟ هرب ويعيش كالجرذ، وغدا خبرًا من الأخبار. وعادت داره وقصوره خالية خاوية، وقد كانت أبوبها من قبل كأنّها لعبيد الدنيا أبواب الكعبة عند عباد الله!
قتلوا أو هربوا ومضوا وهاتيك آثارهم، صارت قصورهم خاوية، بنوها من جماجم الشعب وأشلائهم، وامتصّوا شرايين المواطنين ودمائهم لبناء هذه القصور، وأملوا ولم يصلوا ليصل واصل بلا أمل، والدّهر دولاب يدور، والأيام دول تدول، ما يعلو أحد إلا بهبوط ثان، وما يهبط أحد إلا بعلوّ آخر، ولو بقيت لمن قبلنا ما وصلت إلينا، ولذّة الصعود لا تعدل ألم الهبوط، وحلاوة الحكم لا تساوي مرارة العزل، ثم إنها لذّة يسيرة وراءها حسابٌ عسير غير يسير.
هذه هي الدنيا ولكنّ النّاس غافلين عن حقيقتها، مطمئنّين إليها، ظانّين أنها تدوم لهم.
أجل؛ هذه هي الدنيا الفانية، ولكنّ الآدمي لايرى ولا يبصر، يسمع ولا يتّعظ، يرى النّاس يموتون فينساهم، ويقبل على الحياة كأنه لا يموت، يمرّ بالقبور ويعرض عنها، كأنّه لن ينزل يومًا فيها. يرى الهاوين عن الكراسي ويتزاحم عليها، كأنّها ستدوم له. يطغى على السلطان وينسى أنّ كل والٍ ميت أو معزول.
أيّها المتزاحمون على المناصب والكراسي، والوزارات والوكالات، قفوا لحظةً وقفة متأمّل على أبواب هذه القصور التي هربَ أهلها.