
وقفة وعي
أدهم أبو سلمية
حين ينام الرجال عن الجهاد، يصحو الخراب على وجوه أطفالهم.
وقف أهل العراق يتفرّجون على التتار وهم يجتاحون خراسان، لم يتحركوا، لم يغضبوا، لم يخرجوا لنصرة إخوانهم… قالوا: “لسنا في مرماهم”. فمرّت سنتان، فإذا ببغداد تُشوى بالنار، وتُسقى بالدم، ويُذبح فيها أكثر من مليون مسلم، وتُلقى الكتب في دجلة حتى احمرت مياهه من الحبر والدم معًا.
ومرّ أهل الشام، على أنين العراق، كأنّ شيئًا لم يكن، ورفعوا رايات “السلام”، وعقدوا مع الغزاة معاهدات الذل. فدخل التتار، وداسوا دمشق، وسحقوا حمص، وأحرقوا حلب.
وجاء دور مصر.. وكان المماليك على وشك أن يكتبوا مع التتار صكّ استسلام مشين، لولا أن نهض المظفر قطز، فدوّى صوته في أركان الدولة:
“أنا ألقى التتار بنفسي.. فمن اختار الجهاد فليصحبني، ومن لم يختره فليرجع إلى بيته.. وخطيئة نساء المسلمين في عنق المتخلفين!”
ثم بكى.. وقالها بحرقة المحب، وغضبة الغيور: “يا أمراء المسلمين، من للإسلام إن لم نكن نحن؟”.
ولما خشي أن ينهزم الداخل قبل الميدان، علق رؤوس رسل التتار على أبواب القاهرة، وأغلق باب الهوان إلى الأبد.
وجاء يوم عين جالوت.. يوم تدافعت فيه الدماء والعزائم، وكاد قطز يُقتل، فنزل عن فرسه، وألقى خوذته، وصاح بأعلى صوته:
وا إسلاماه!
فتزلزلت الأرض، وهرب التتار، وسطر التاريخ: إن لله رجالاً إذا قالوا فعلوا، وإذا نصروا نُصروا، وإذا صدقوا الله، صدقهم الله.
فيا أمة الإسلام..
لا سلام مع الغزاة، ولا نجاة في الحياد، ومن ظن أنه سينجو بجلده، فليقرأ تاريخ بغداد ودمشق.
الظلم لا يعيش إلا في صمتكم، والخوف لا ينتصر إلا بخنوعكم، أما الكرامة.. فلا تنبت إلا في ميدان الجهاد.
تلك سنة الله في الطغاة والمفرطين: من لم ينصر المظلوم، نُحر مظلومًا.