
وقفتان في ملف مفاوضات السلام
عماد الدين الزرنجي
أخيرًا بعد عقدين من الاحتلال والصراعات والحروب، كانت أفغانستان تستعد لاستلام زمام أمورها وتقدير مصيرها بنفسها وإكراه المحتلين على الجلوس على طاولة المفاوضات وذلك نتيجة لجهاد مستمر بذله أبناء أفغانستان الباسلين. منذ تسعة أشهر والشعب الأفغاني وجميع شعوب العالم ومحبي الحرية كانوا في انتظار نتائج المفاوضات التي كانت جارية بين الإمارة الإسلامية وممثلي أمريكا.
كانت المفاوضات تسير سيرها الطبيعي وأطراف الحوار كانوا يبدون ارتياحهم عنها.
وأخيرًا ألغى ترامب اللقاء والمفاوضات التي جرت بين الطرفين خلال التسعة الأشهر الماضية في الدوحة عاصمة دولة قطر.علل ترامب بادرته هذه بالهجوم الأخير الذي نفذه أبناء الإمارة الإسلامية على دورية أمريكية في كابل وقتل فيها ضابط أمريكي ضمن عدد من القتلى.
إن هذه البادرة البعيدة عن القواعد السياسية والدبلوماسية، حيرت العالم خاصة الخصصين في السياسة.لست سياسيًا حتى أقوم بتحليل هذا الموقف وتفسيرها والخفايا الموجودة وراءها، لكنني أحب إلقاء ضوء على هذا الموقف النادر.
الوقفة الأولى: جاء في كتب السيرة النبوية أن رسول الله صل الله عليه وسلم أرسل سرية لتعقيب قافلة قريش التجارية القادمة من الشام.وكان يرأس القافلة أبوسفيان بن حرب، من وجوه قريش المرموقين.فلما توجس أبوسفيان قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعقيب القافلة التجارية، استنجد قادة مكة.فثار أهل مكة وشكلوا من فوره جندًا مجهزًا بأحدث الأسلحة آنذاك ومؤلفا من ألف مقاتل عاشوا تحت ظلال السيف والقتال.وقد اشترك فيه قادة قريش منهم الحكم بن هشام.
وفي طريقهم إلى صحراء بدر، أرسل أبوسفيان رسالة أخرى إلى أبي جهل، أخبره فيها سلامة القافلة وطلب منهم العودة إلى مكة.لكن الله أراد تأديب و هزيمة المشركين شر هزيمة لذلك ثبطهم عن العودة. فجن جنون أبي جهل وقادة قريش وتعهدوا على خوض الحرب مع المسلمين لاستئصال شأفتهم.فجاؤوا إلى الميدان وحدث ما حدث من قتلهم وأسرهم وهزيمتهم المدوية في التاريخ.جاء في كتب السيرة في مدى تأثير
هذه الهزيمة النكراء، أن بعض المشركين الفارين عن ساحة بدر، لما رجعوا إلى مكة أدت بهم الخوف والفزع إلى أن يعبروا مكة ولا يلتفتوا لها.
كان بإمكان أبي جهل العودة إلى مكة دون الخوض في غمار الحرب.لكن الله أراد أن يذيقهم الهزيمة لذلك منعهم الغرور والتكبر عن العودة.
وفي المفاوضات الأخيرة بين الإمارة الإسلامية وأمريكا، كان بإمكان ترامب توقيع صفقة السلام وتقليص جنوده من أفغانستان والتقليل من هزيمة بلاده فيها.لكن يرى أن الله تعالى قضى ببقاء المحتلين في أفغانستان برهة من الزمن ليواجهوا مصير مشركي مكة من قتل وأسر وفرار ليكون نكالا للآخرين.وإن يوم النصر قادم لامحالة وهو وعد الله الصادق: إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم.
الوقفة الثانية: انطلاقا من الوقفة الأولى بدأت أمريكا المفاوضات مع الإمارة الإسلامية لإقناع أصحابها بإعطائهم بعض الامتيازات.في عبارة أخرى أرادت أمريكا تفويض الحكم إلى الإمارة مع حفظ بقائها في أفغانستان.لذلك كان وفد الوزارة الخارجية الأمريكية تعلن ارتياحها بالمفاوضات وتعهدها بنص الصفقة.
وترامب كان يعلن بموقف آخر مبني على بقاء أمريكا في أفغانستان استخباراتيا.
وهذا التغاير في المواقف ليس عجيبًا ولا جديدًا بالنسبة إلى المحتلين.أننا إذا استعرضنا تاريخ الاحتلال البريطاني لبلادنا نشاهد نفس الموقف.« ففي المفاوضات التي جرت يوم 23 ديسمبر/كانون الأول 1841 بين الوفد الأفغاني برئاسة الوزير محمد أكبرخان والمندوب البريطاني في كابل مكناتن، كشف الوفد الأفغاني عن اتفاقيتين متناقضتين كان قد وقع عليهما المندوب البريطاني مكناتن مع أطراف أفغانية.ففي الوثيقة الأولى تعهدت بريطانيا بالانسحاب وفي الثانية أكدت على بقائها في أفغانستان، الأمر الذي أثار حفيظة رئيس الوفد الأفغاني محمد أكبرخان فأخرج مسدسه وقتل المندوب البريطاني أثناء المفاوضات.» (العيد الوطني الأفغاني والاحتفال تحت الاحتلال/موقع الجزيرة)
إن بادرة الوزير محمد أكبر خان هي خيارنا الوحيد أمام المحتلين إذا لم يفهموا لغة الحوار والسلام.إن اتخاذ الموقف الوزير أكبرخاني في حروبنا مع الشيوعيين ليس عن المحتلين ببعيد.كما أثبت آساد الإمارة الإسلامية في الأسابيع الأخيرة انتهاج هذا المصير وذلك بتشديدهم حملاتهم الاستشهادية والهجومية.تبدلت أفغانستان خلال الـ18 الماضية إلى جحيم المحتلين وستبقى جحيما لهم حتى يغادر آخر جندي محتل بلدنا ذليلًا خذولًا.
إن بلادنا مليئة من آساد كأمثال الوزير محمد أكبرخان الذين بدّلوا وسيبّدلون أرض أفغانستان مقبرة للإمبراطوريات.عودًا إلى البدء، المظالم التي ارتكبتها أمريكا وحلفائها المحتلين بحق الشعب الأفغاني من قتل وتدمير وتشريد وتعذيب وتسجين، سدت مصير خروجها عزيزًا من أرض مقبرة الإمبراطوريات.بل يرد الله تعالى كي يذيقها بأس المؤمنين ومرارة الهزيمة وقصم ظهرها ليكون نكالا للآخرين.
كما أعلن رئيس وفد الإمارة أننا مستعدون لمواصلة مصير الجهاد والدفاع عن حرية واستقلال وطننا ولو استغرق مئة سنة كاملة.وإننا على يقين أن المحتلين سيهزمون ونحن إن شاء الله سنحصل على النصر المبين.