مقالات الأعداد السابقة

وكأني أرى نصراً عظيماً يلوح في رمضان!

بقلم: أبو صلاح

قد أطلّ علينا شهر كريم، شهر مبارك، شهر الخير والبركة والإحسان، شهرٌ يحبه المسلمون ويبجّلونه ويكرمونه بصيام نهاره وقيام لياليه، فيعظم الأجر والثواب أضعافاً مضاعفة، فإذا كان هذا حال المسلمين عموماً فكيف بالمجاهدين الذين يكابدون الصعاب في طريقهم، ويقاتلون الأعداء في الحرّ الشديد، حيث ينهكهم الظمأ، وطول النّهار أمام عدوّ لايعرف الإسلام ولا الدين ولا القرآن والسنة.

ومن هنا نرى بأنّ المجاهد الصائم الصابر المحتسب لمّا يقوم بما أمره الله سبحانه وتعالى من إطاعته وإقامة شرعه وإجراء حدوده، وفي سبيل ذلك يضحي بالغالي والنفيس، محالٌ أن لا يوشح بإكليل النجاح والنّصر.

وبإلقاء ضوءٍ عابرٍ على تاريخ الإسلام طيلة القرون الماضية، نرى المجاهدين انتصروا في كثير من المعارك والغزوات انتصاراً باهراً، وفتحوا كثيراً من المدن والقلاع المنيعة بمعارك حاسمة. وفيما يلي نشير إلى بعض هذه الانتصارات الرمضانية حتى يستغل المجاهد المكافح هذه الأيام المباركة ويحقق فتوحات تثلج صدور المؤمنين.

 

1 – فتح الفتوح:

ونعني به فتح مكة. حيث نقضت قريش عهدها الذي قطعته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية وأمدت بني بكر بالمال والسلاح واشتركت معها في الغارة على خزاعة -حليفة المسلمين- وقتلوا منهم عشرين رجلاً. فتهيأ رسول الله للفتح الأعظم، وطلب من أصحابه أن يجهزوا أنفسهم للخروج دون أن يخبرهم عن وجهتهم. واستطاعوا إحباط محاولة كانت تجري لإبلاغ قريش، وكان هدفه صلى الله عليه وسلم أن يفاجئ القوم، فلا يستطيعون مقاومة، ويستسلمون دون إراقة الدماء. وانطلقوا للجهاد في العاشر من رمضان من العام الثامن للهجرة. وانضم الكثير من القبائل المسلمة للجيش الإسلامي، حتى بلغ عدد المسلمين عشرة آلاف مقاتل، وقريش مازالت تتشاور في الأمر ولم تعلم بقدومهم، وأسلم أبو سفيان ودخلت الجيوش مكة فاتحين. وعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قريش بقوله المشهور “اذهبوا فأنتم الطلقاء” ودخل البيت الحرام فطهّره من الأصنام، وأمر بلالاً فأذّن فوقه وصلى بالناس فيه.

2 – موقعة البويب:

وفي عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي العام الثالث عشر للهجرة كانت موقعة الجسر التي استشهد فيها القائد أبو عبيد في العراق مع قرابة أربعة آلاف مقاتل مسلم في قتالهم ضد الفرس، أمام جيش كبير مزود بالفيلة الضخمة. فأرسل عمر المثنّى بن حارثة على رأس جيش آخر وكان هذا في شهر رمضان من العام نفسه. والتقى الجيشان عند مكان يسمى البويب قرب الكوفة وكان يفصل الجيشين نهر، فشدد المثنّى على جنوده ليفطروا فافطروا؛ حيث يرخص للمقاتل في ذلك. وطلب من الفرس أن يعبروا النهر فعبروا واحتدم القتال وحمل بنفسه على قائد الفرس مهران؛ حتى أزاله عن موضعه، وعندها بدأ الفرس في الهروب، ولحقهم المسلمون فأعملوا فيهم السيوف حتى مات منهم قرابة المائة ألف ما بين قتيل وغريق، وغنم المسلمون أموالاً كثيرة، وبعث المثنّى بالبشارة لعمر بن الخطاب. وأذلّت هذه الواقعة رقاب الفرس وتمكّن المسلمون بعدها من الغارات والغزوات ما بين نهري دجلة والفرات.

3 – فتح الأندلس:

وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، عبر طارق بن زياد إلى الأندلس، ودارت معركة، وسيطر طارق على جبل هناك اتخذه جسرًا للتوغل في قلب أِسبانيا.

ولما شعر ملك أِسبانيا بخطورة الموقف، حشد جنوده وقام بالزحف بجيش ضخم يصل عدده إلى مائة ألف مقاتل لملاقاة المسلمين. فاستغاث طارق بموسى بن نصير الذي أرسل له خمسة آلاف مقاتل من مسلمين بالمؤن والعتاد. والتقى الجيشان في موقعة كبرى في آخر رمضان سنة ثمان وتسعين. واستمرت المعركة ثمانية أيام متواصلة وكان جيش الأسبان أكثر من ثمانية أضعاف جيش المسلمين، وكان الصوم بركة على المسلمين فصبروا على القتال حتى هزموا عدوهم هزيمة ساحقة، وامتلأت ساحة المعركة بقتلاهم، ولاذ الناجون بالفرار ليبلِّغوا بقية ملوك وأمراء الأسبان بأن عصرهم قد انتهى. واستمر الحكم الإسلامي بالأندلس قرابة ثمانية قرون.

4 – عين جالوت:

إن من أعظم ما نزل بالأمة من بلاء ومحنة ما كان على أيدي التتار الذين صبّوا البلاء صبًا على أهل العراق والشام من قتل وتشريد وإحراق للمكتبات والمساجد. ثم أرسل قائدهم الظالم هولاكو رسالة شديدة اللهجة لسيف الدين قطز بمصر مذكَّرًا له بما فعل بأهل العراق، طالباً منه التسليم بلا قيد ولا شرط، وذلك في زمن المستعصم بالله. فرفض قطز رحمه الله وبدأ بتكوين جيش قوي وحان وقت اللقاء في الخامس والعشرين من رمضان سنة 658 هـ والتقى الجمعان واستمات المسلمون في الدفاع عن أرضهم ودينهم، واستحضروا روح آبائهم الشهداء الخالدين وصرخ قطز “وا إسلامــاه” فأوقعوا بالتتار شر هزيمة لأول مرة في التاريخ، وطاردهم قطز ومعه الظاهر بيبرس وكتب الله النصر للمسلمين.

5 – فتح عمورية سنة 223هـ:

طمع “تيوفيل بن ميخائيل” ملك الروم في بلاد المسلمين، خاصة عندما علم أن جنود المسلمين جميعهم في أذربيجان يواصلون فتوحاتهم. فأخذ يعبئ الجنود، وخرج قائدًا على مائة ألف من الروم لقتال المسلمين، فوصل إلى حصن “زبطرة”، فقتل الأطفال والشيوخ، وخرّب البلاد، وأسر النساء وسباهن، وانتهك أعراضهن وحرماتهن، ومثّل بكل من وقع في يده من المسلمين. وكان من ضمن النساء امرأة اقتادها جنود الروم للأسر، فصرخت هذه المرأة، وقالت: “وا معتصماه”.

فلما وصل الخبر إلى “المعتصم” خليفة المسلمين استشاط غضبًا، وأخذته الحمية والغضب لله، وقال: “لبيك”. وأخذ في الاستعداد، وجمع الجنود، وأعدّ العدة، وخرج على رأس جيش لنجدة المسلمين، وعسكر بهم في غربي نهر دجلة، وبعث “المعتصم” عجيف بن عنبة وعمراً الفرغاني لنجدة أهل زبطرة. فوجدا أن الروم كانوا قد رحلوا عنها بعد الفواحش الكثيرة التي ارتكبوها بأهلها. ولكن المعتصم أصرّ على تتبع الروم وعدم الرجوع عن قتالهم، فسار إلى بلادهم، وسأل عن أقوى حصونها، فعلم أنها عمورية؛ حيث لم يتعرض لها أحد من القادة المسلمين من قبل، وأنها أفضل عند الروم من القسطنطينية نفسها، فصمّم أمير المؤمنين المعتصم على فتح هذه المدينة، رغم ما تلقاه من تحذيرات المنجمين وتخويفهم له من أن ذلك الوقت ليس وقت فتح عمورية؛ إذ قال له المنجمون: “رأينا في الكتب أن عمورية لا تفتح في هذا الوقت، وإنما وقت نضج التين والعنب”. لكن المعتصم لم يستجب لهم، ولم يرضخ لخرافاتهم، وقرر فتح عمورية.

أقام المعتصم على نهر سيحان، وأمر أحد قادته وهو “الإفشين” أن يدخل بلاد الروم عن طريق “الحدث”، كما أمر “أشناس” أن يدخل عن طريق “طرسوس”، وحدد لهما يومًا يلتقيان فيه عند أنقرة. واجتمع الجيش عند أنقرة، ثم دخل المدينة، وسار حتى وصل عمورية، ونظّم المعتصم الجيش، فجعل نفسه في القلب، و”الإفشين” على الميمنة، و”أشناس” على الميسرة، وقام الجيش الإسلامي بحصار المدينة حصارًا شديدًا، حتى استطاع أن يُحدث ثغرة في سورها، فاندفع الجنود داخل المدينة، وحاربوا بكل قوة وشجاعة؛ حتى سيطروا على المدينة، وانتصروا على الروم. (كانت إناخة المعتصم على عمورية يوم الجمعة لست خلون من شهر رمضان وقفل بعد خمسة وخمسين يوما..) وقد خلّد الشاعر أبو تمام هذا النصر بقصيدة عظيمة، قال في أولها:

السيف أصدق أنباء من الكتب *** في حدِّه الحـدُّ بين الجـدِّ واللعـب

وهكذا تم فتح أصعب الحصون الرومانية، مما كان له أكبر الأثر في نفوس المسلمين، حيث قويت معنوياتهم، وسهل لهم استمرار الفتوحات في شرق أوروبا. كما أضعف هذا النصر من معنويات الروم، لأنه أظهر لهم قوة المسلمين وشجاعتهم، وأنهم أصبحوا قوة لا يستهان بها، ويخشى الأعداء بأسها. كذلك عايش بعض الروم الحياة الإسلامية، وأعجبوا بأخلاق المسلمين وطهارة سيرهم، وعظمة دينهم، فدخلوا في الإسلام، بعد أن شعروا برحمته وعدله.

6 – عين جالوت في فلسطين سنة 658هـ:

“عين جالوت” بلدة من أعمال فلسطين المغتصبة – ردها الله إلى المسلمين قريبًا – وهي بلدة بين بيسان ونابلس.

وبطل هذه المعركة الجليلة هو السلطان المظفر سيف الدين قُطز بن عبد الله المعزي، الذي تولَّى الحكم في مصر يوم السبت 17 من ذي القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة.

استمر المغول في زحفهم المدمر حتى دخلوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية، واستطاع “هولاكو” -حفيد جنكيز خان- إسقاط الخلافة العباسية، وقتْل الخليفة العباسي سنة 1258م، وتدمير بغداد عاصمة الخلافة.

وواصل هولاكو تقدمه، فاستولى على حلب ودمشق، وكان بغي التتار قد امتد وزاد حتى احتلوا بلدة “الخليل” وبلدة “غزة” من أرض فلسطين، وقتلوا الرجال، وسبوا النساء والصبيان، واستاقوا من الأسرى عدداً كبيراً، ولم يبق أمامه إلا مصر، حصن الإسلام المنيع، وكنانة الله في أرضه، فأرسل هولاكو رسالة تهديد لحاكم مصر آنذاك السلطان “سيف الدين قطز”، ويطلب منه الاستسلام، فأبى السلطان قطز، وأخذ يعد جيوشه وأرسل قوة استطلاعية بقياد “بيبرس” الذي استطاع أن يهزم إحدى الفرق المغولية.

ورحل السلطان قطز بعساكره ونزل الغور بعين جالوت في فلسطين، وكانت جموع التتار هناك، وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان قامت معركة عنيفة بين الفريقين، وتقاتلوا قتالاً شديدًا لم ير الناس مثله، واشتد الأمر في بدء المعركة على المسلمين، فاقتحم قطز ميدان المعركة، وباشر القتال بنفسه، وأبلى في ذلك اليوم بلاء حسنًا. وحقق المسلمون نصرًا ساحقًا على جيش المغول، وأسروا قائدهم، وأمر “قطز” بقتله.

وانتهت بانتهاء معركة عين جالوت أسطورة الجيش المغولي الذي لا يقهر، واستطاع المسلمون إنقاذ العالم كله من همجية المغول وخطرهم، والذين أخذوا يفرون إلى ديارهم وهم يجرون أذيال الخيبة والهزيمة في عين جالوت، وكانت هذه المعركة البداية لدولة المماليك في مصر والشام.

7 – فتح شقحب سنة 702هـ:

وصل التتر إلى حمص وبعلبك وعاثوا في تلك الأراضي فساداً، وقلق الناس قلقاً عظيماً، وخافوا خوفاً شديداً، وقال الناس لا طاقة لجيش الشام مع المصريين بلقاء التتار لكثرتهم وتحدث الناس بالأراجيف، ونودي بالبلد أن لا يرحل أحد منه، فسكن الناس وجلس القضاة بالجامع وحلفوا جماعة من الفقهاء والعامة على القتال، وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للأمراء والناس إنكم في هذه الكرة منصورون على التتار، فيقول له الأمراء قل إن شاء الله، فيقول إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، وكان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى{ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }، فاطمأن الناس وسكنت قلوبهم وأثبت الشهرَ (رمضان) ليلة الجمعة القاضي تقي الدين الحنبلي، فعلقت القناديل وصليت التراويح واستبشر الناس بشهر رمضان وبركته. وأصبح الناس يوم الجمعة في همّ شديد وخوف أكيد لأنهم لا يعلمون ما الخبر، واشتعلت الأراجيف بين الناس. وأصبح الناس يوم السبت على ما كانوا عليه من الخوف وضيق الأمر فرأوا من المآذن سواداً وغبرة من ناحية العسكر والعدو، فغلب على الظنون أن الوقعة في هذا اليوم فابتهلوا إلى الله عز وجل بالدعاء في المساجد والبلد، وأصبح الناس يوم الأحد يتحدثون بكسر التتر؛ ولكن الناس لما عندهم من شدة الخوف، وكثرة التتر، لا يصدقون، فلما كان بعد الظهر قرئ كتاب السلطان إلى متولي القلعة يخبر فيه باجتماع الجيش ظهر يوم السبت بشقحب، ثم جاءت بطاقة بعد العصر من نائب السلطان جمال الدين آقوش الأفرم إلى نائب القلعة مضمونها أن الوقعة كانت من العصر يوم السبت إلى الساعة الثانية من يوم الأحد (2-3 رمضان)، وأن السيف كان يعمل في رقاب التتر ليلاً ونهاراً، وأنهم هربوا وفروا واعتصموا بالجبال والتلال، وأنه لم يسلم منهم إلا القليل، فأمسى الناس وقد استقرت خواطرهم وتباشروا لهذا الفتح العظيم والنصر المبارك ودقت البشائر بالقلعة من أول النهار.

8 – فتح قبرص في عهد المماليك سنة 829هـ:

قبرص وفي رواية ‏”‏قُبْرُس‏”‏ بالسين من أكبر جزائر البحر الأبيض المتوسط في أقصى شرقيه، وهي جزيرة جبلية بها سلسلتان من الجبال‏.‏ يشتغل أهلها بالزراعة وأرضها خصبة جدًا، وكانت تابعة للإمبراطورية الرومانية.

كان معاوية قد ألحَّ على عمر بن الخطاب في غزو البحر لقرب الروم من حمص‏. فلم يجبه الى ما طلب ولما ولي عثمان الخلافة كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر، فوافق عثمان على طلبه، وكتب إليه: (لا تنتخب الناس، ولا تقرع بينهم، خيرهم، فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه فاختار الغزو جماعة من الصحابة فيهم أبو ذر وأبو الدرداء وشداد بن أوس وعبادة بن الصامت وزوجه أم حرام بنت ملحان، وبنى معاوية أول اسطول بحري في الاسلام، واستعمل عليهم عبد الله بن قيس حليف بني فزارة وساروا إلى قبرص وجاء عبد الله بن أبي سرح من مصر فاجتمعوا عليها وصالحهم أهلها على سبعة آلاف دينار بكل سنة‏.‏ وعقب الغَزاة ماتت أم حرام الأنصارية زوجة عبادة بن الصامت‏.‏ ألقتها بغلتها بجزيرة قبرص فاندقت عنقها فماتت، وما لبث أن صار البحر الابيض المتوسط خالصا للمسلمين لكن الضعف والهزال الذي أصاب الدولة الاسلامية لاحقا شجع الفرنجة على غزو أطراف الدولة. وكانت الحملات الصليبية والتي اتخذت من جزيرة قبرص قاعدة لها للهجوم على مصر والشام. فقد اتخذ القبارصة من جزيرتهم مركزًا للوثوب على الموانئ الإسلامية في شرق البحر المتوسط وتهديد تجارة المسلمين، فقام “بطرس الأول لوزجنان” ملك قبرص بحملته الصليبية على الإسكندرية في سنة (767هـ = 1365م)، وأحرق الحوانيت والخانات والفنادق، ودنس المساجد وعلق القبارصة عليها الصلبان، واغتصبوا النساء، وقتلوا الأطفال والشيوخ، ومكثوا بالمدينة ثلاثة أيام يعيثون فيها فساداً، ثم غادروها إلى جزيرتهم، وتكررت مثل هذه الحملة على طرابلس الشام في سنة (796هـ = 1393م).

وظلت غارات القبارصة لا تنقطع على الموانئ الإسلامية، ولم تفلح محاولات المماليك في دفع هذا الخطر والقضاء عليه، وبلغ استهانة القبارصة بهيبة المسلمين واغترارهم بقوتهم أن اعتدى بعض قراصنتهم على سفينة المسلمين سنة (826هـ = 1423م)، وأسروا من فيها.

وتمادى القبارصة في غرورهم فاستولوا على سفينة محملة بالهدايا كان قد أرسلها السلطان برسباي إلى السلطان العثماني “مراد الثاني”، عند ذلك لم يكن أمام برسباي المملوكي سوى التحرك لدفع هذا الخطر، والرد على هذه الإهانات التي يواظب القبارصة على توجيهها للمسلمين، واشتعلت في نفسه نوازع الجهاد، والشعور بالمسئولية، فأعد ثلاث حملات لغزو قبرص، وذلك في ثلاث سنوات متتالية. خرجت الحملة الأولى في سنة (827هـ = 1424م)، وكانت حملة صغيرة نزلت قبرص، وهاجمت ميناء “ليماسول”، وأحرقت ثلاث سفن قبرصية كانت تستعد للقرصنة، وغنموا غنائم كثيرة، ثم عادت الحملة إلى القاهرة. فشجع هذا الظفر برسباي لإعداد حملة أعظم قوة من سابقتها لاعادة فتح قبرص، فخرجت الحملة الثانية في رجب (828هـ = مايو 1425م) مكونة من أربعين سفينة، واتجهت إلى الشام، ومنها إلى قبرص، حيث نجحت في تدمير قلعة ليماسول، وقُتل نحو خمسة آلاف قبرصي، وعادت إلى القاهرة تحمل بين يديها ألف أسير، فضلاً عن الغنائم التي حُملت على الجمال والبغال.

وفي الحملة الثالثة استهدف برسباي فتح الجزيرة وإخضاعها لسلطانه، فأعد حملة أعظم من سابقتيها وأكثر عددا وعُدة، فأبحرت مائة وثمانون سفينة من ميناء رشيد بمصر في (829هـ = 1426م)، واتجهت إلى ليماسول، فلم تلبث أن استسلمت للمسلمين في (26 من شعبان 829هـ = 2من يوليو 1426م)، وتحركت الحملة شمالا في جزيرة قبرص، وحاول ملك الجزيرة أن يدفع جيش المسلمين، لكنه فشل وسقط أسيرا، واستولى المسلمون على العاصمة “نيقوسيا”، وبذا دخلت الجزيرة في طاعة دولة المماليك.

9 – معركة المنصورة سنة 647هـ:

كانت في شهر رمضان سنة 647هـ ضد الصليبيين. فقد قدم “لويس التاسع” ملك فرنسا يقود جيشًا قوامه 110 آلاف مقاتل، مزودين بأحدث أنواع الأسلحة، في أحدث حملة صليبية، وهي الحملة الصليبية السابعة ضد مصر، كان طابع الحملة استعماريًّا اقتصاديًّا، وقام الملك لويس التاسع بالاتصال مع المغول للضغط على الشرق الإسلامي من الجانبين، وواصل زحفه حتى استولى على دمياط سنة 1249م، ثم توجّه إلى المنصورة، وعلى ضفاف البحر الصغير دارت معركة حامية، اشترك فيها العربان والمشايخ والفلاحون، واشترك في تعبئة الروح المعنوية “العز بن عبد السلام” وهو يومئذ ضرير، وكان قائد الجيوش فخر الدين ابن شيخ الإسلام الجويني، وانتهت المعركة بأن أسر المسلمون من الصليبيين مائة ألف وقتلوا عشر آلاف، وأُسر الملك لويس التاسع، وسجن بدار ابن لقمان بالمنصورة، ثم افتُدي الملك بدفع (40 ألف دينار)، وأٌطلق سراحه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى