ولك في أغنياء الجنة أسوة حسنة
محمد أمين
أغلبنا يعلم من هم العشرة المبشرون بالجنة، ولكن لا أدري هل تعلمون بأنّ هناك ستةً من العشرة المبشرين بالجنة كانوا أغنى أغنياء عصرهم، ولو تمّ قياس ثرواتهم بمعطيات عصرنا الحالي لتصدروا قائمة فوربس لأغنى أغنياء العالم!
إذن هناك أغنياء صالحون كما أنّ هناك فقراء صالحين، أغنياء كانوا يعيشون مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وتخطّت ثرواتهم حدود التصوّر وقتها، ومع ذلك بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وكانوا سببًا بتوفيقٍ من الله تعالى في حفظ المسلمين وكفّ الأذى عنهم. وبشرى النبي صلى الله عليه وسلم لفقراء المهاجرين بأنهم أوّل من يدخلون الجنّة هو فضيلة للمهاجرين وليس فضيلة للفقر.
إذن ليس بالضرورة أن يكون الغني هو ذلك الفاحش الغليظ الفظ الذي يأكل أموال النّاس. ليس بالضرورة أن يكون المرء فاسدًا حتى يكون غنيًا. مهد الله الكريم لنا سبُل فضله لنبتغي فيها صلاحًا وإصلاحًا، بل إنّ زينة الحياة الدنيا خُلقت أصلاً للمؤمنين الصالحين: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
(قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا…)، أوجد الله الكريم زينة الحياة أصلًا للمؤمنين الصالحين، وغيرهم مشاركهم فيها فقط، لكن كل الدعوات كانت تدفعنا لترك ذلك الأصل الذي أوجده الله للصالحين، فاستحوذ على أغلبه الفاسدون فأفسدوا على الصالحين دنياهم.
والدعوة إلى الفقر تميل إليها النفوس؛ لأنّها سهلة خفيفة على النفس، فأنت لا تحتاج إلى ساعات طويلة من العمل والدراسة والتجربة حتى تصبح فقيرًا .. فالأمر أبسط من ذلك بكثير، فقط لا تفعل شيئًا، فإسقاط طائرة حديثة مُعقدة أمرٌ بسيطٌ يمكن إنجازه بضغطة زر، لكنّ قيادتها أمرٌ يحتاج إلىٰ سنوات من التدريب والتعلم والجهد!
والاختلاف هنا مع “الدعوة إلىٰ الفقر” التي نهانا عنها المُختار ﷺ، لأن هناك أحبابًا قهرتهم الظروف بترك أوطانهم وأموالهم أو أعـجزهم المرض، وإنا لمسؤولون أمام الله عنهم، ماذا صنعنا لهم؟ هل أغنيناهم عن الحاجة أم زاحمناهم فيها؟ مع أنّ الله سبحانه وتعالى قال عنهم: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) [البقرة:273].
(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحشر:8].
لذلك، إن لم تكن منهم؛ فاضرب في الأرض وابتغِ من فضل الله حتى تُغنيهم، والله واسع عليم، ولك في أغنياء الجنة أسوة حسنة.